تراودنى منذ فترة.. «خاطرة» الكتابة عن جهاز حماية المستهلك، بعد أن أثبت جدارة كبيرة فى أداء مهامه كواحد من أهم الأجهزة الرقابية التى تهدف إلى ضبط الأسواق، وبث الرعب فى قلوب التجار والمصنعين من جهة، وحماية المستهلكين ضد أية ممارسات يشوبها الخداع والغش اللذان يمكن أن تلحق أضراراً جسيمة بصحتهم وربما تهدد حياتهم أو تؤثر على اقتصاداتهم من جهة أخرى.
حقيقة.. دفعنى للكتابة عن جهاز حماية المستهلك هذا الأسبوع، ما حققه من خبطات استباقية موجعة ومُعتبرة، ضربت معاقل الغش التجارى فى مقتل، وأسفرت إحدى تلك الخبطات التى تمت فى الأيام القليلة الماضية عن ضبط عدد من المخازن الكبرى فى مدينة «الخانكة» التابعة لمحافظة القليوبية وعثر بداخلها على3000 جهاز كهربائى «مضروب» بدأ الترويج لها على المنصات التجارية تمهيداً لبيعها!.
المخازن المضبوطة كانت أوكاراً لإعادة تجميع وتدوير أجهزة كهربائية قديمة، دُونت عليها أسماء علامات تجارية أو ماركات شهيرة، ناهيك عن بيانات تقنية وخصائص غير مطابقة للواقع بغرض تضليل المستهلك وخداعه وإغرائه بطرحها بأسعار مخفضة، مما يعرض أمنه وسلامته للخطر ومن ثم اعتبر ذلك غشاً تجارياً صريحاً!
وفى حملة مشابهة تمت فى نهاية الأسبوع الماضى بمنطقة القناطر الخيرية، نجح رجال جهاز حماية المستهلك فى ضبط مصنعين غير مرخصين، يعملان فى تصنيع الكابلات والمواسير الكهربائية المُقلدة، مُستخدمين فى عمليات الغش والخداع أسماء كبرى وعلامات تجارية معروفة، تمهيداً لإعادة طرحها فى الأسواق وبيعها للمستهلكين على أنها أصلية، ولكم أن تتخيلوا حجم المخاطر التى يمكن أن تنتج عن استخدام تلك الكابلات الكهربائية «المضروبة» فضلاً عن تأثيرها السلبى على العلامات التجارية الحقيقية!.
لعلنا ما زلنا نتذكر أيضاً الحملة الموسعة التى شنها جهاز حماية المستهلك بمحافظة الدقهلية، واستهدفت عددًا من المخازن بمركز ومدينة ميت غمر، وأسفرت عن ضبط 41 طنًا من زيوت السيارات «المغشوشة»، المُعاد تدويرها من زيوت منتهية الصلاحية وخامات ومواد مجهولة المصدر، كانت جاهزة للتداول فى الأسواق، دون أن يُبالى الغشاشون بما كان يمكن أن تحدثه تلك الزيوت من أضرار وتلفيات لمحركات السيارات، بل ما كان يمكن أن تسببه من مخاطر على حياة قائدى السيارات أنفسهم إذا لم تُضبط تلك الكميات الرهيبة؟!
وفى حملة أخرى لهذا الجهاز الرائع فى مدينة الخانكة، ضُبط 2.5 طن من زيوت الطعام و1.5 طن من الطحينة المُعاد تدويرها باستخدام زيوت تالفة، مضافاً إليها مواد كيميائية ومحسنات، كانت مُعدة للطرح فى الأسواق دون الالتزام باشتراطات الصحة والسلامة!
الأمر المُفرح فى تلك الضبطيات أنها لم تتم بناءً على بلاغات تلقاها جهاز حماية المستهلك فقط، بل جاءت ثمرة جهود جبارة لفريق عمل رائع يضم مجموعة من الشباب الواعى، المسلح بأحدث الوسائل التكنولوجية، شباب يتابع بجدية كل ما ينشر أو يتم تداوله من إعلانات وهمية أو مضللة على وسائل التواصل الاجتماعى، تروج لسلع أو أجهزة كهربائية مقلدة، تحمل علامات تجارية شهيرة، وتُعرض بأسعار مغرية أو زهيدة، لا تتناسب مُطلقاً مع إمكاناتها، وتختلف تماماً عن الأسعار التى تباع بها مثيلاتها «الأصلية» فى المعارض والتوكيلات المعروفة!.
من المؤكد أن نجاح جهاز حماية المستهلك لم يأتِ من فراغ، لكنه جاء نتاج جهد وتفكير خارج الصندوق لفريق عمل يرأسه شخص كُفء هو إبراهيم السجينى، الذى تقلد منصبه فى شهر نوفمبر من عام 2023، واستطاع خلال هذه الفترة القصيرة أن يبث الروح «حقيقة» فى الجهاز، بما انتهجه من أساليب متطورة فى التعامل مع جمهور المستهلكين، مستخدماً كافة الوسائل الحديثة والمنصات الإلكترونية والإدارات المبتكرة داخل الجهاز مثل إدارة الإعلانات المُضللة والمرصد الإعلامي، فضلاً عن حرصه على التنسيق مع المجلس الأعلى للإعلام من أجل وضع الضوابط القانونية للإعلانات التجارية، وكذلك المسابقات بمختلف الوسائل الإعلامية، ومنع أية ممارسات سلبية خادعة يمكن أن تُضلل المُستهلكين، وتؤثر على قراراتهم الشرائية، وما انتهجه الجهاز من إجراءات رقابية استباقية من شأنها منع تداول السلع مجهولة المصدر للأسواق، وعدم اقتصار دوره على مراقبة مرحلة ما قبل الشراء، بل امتد إلى متابعة خدمة ما بعد البيع، التى تشمل الالتزام باسترداد السلع المبيعة أو بأعمال الصيانة طوال مُدد الضمان، والتزامه بتنفيذ توجيهات رئيس الوزراء بفرض الانضباط داخل الأسواق، ومواجهة أية ممارسات تجارية ضارة بصحة وسلامة المواطنين؛ بما يهدف منع تداول السلع مجهولة المصدر أو غير المطابقة للمواصفات القياسية، والتصدى لكافة صور الغش التجارى والتلاعب فى الأسعار، وإنفاذ القانون بكل حسم حيال المخالفين، حفاظاً على استقرار الأسواق وصوناً لحقوق المستهلكين، ناهيك عن الجدية فى التعامل مع بلاغات المواطنين والسرعة الفائقة فى التواصل معهم وإزالة أسباب شكاواهم بالشكل المُرضى!.
الأمر الذى زرع ثقةً غير مسبوقة فى قلوب ملايين المستهلكين.. ثقةً ربما كانت مفقودة لسنوات طويلة، فى جهاز اقترب عمره من العشرين عاما (الجهاز أنشئ بالقانون رقم 67 لسنة 2006 وأعيد تنظيمه بالقانون رقم 181 لسنة 2018 يتبع وزارة التموين والتجارة الداخلية)، ثقة ترجمها وعى الجمهور الذى لم يعد يتقاعس عن تقديم البلاغات والشكاوى لثقته فى جدية التعامل معها.. ولا عجب أن يحصد تطبيق «جهاز حماية المستهلك» للهواتف الذكية، الذى تم إطلاقه مؤخرًا بالتعاون مع مركز معلومات مجلس الوزراء، النصيب الأكبر من الشكاوى الواردة بمختلف قطاعات الجهاز، أو أن يسجل الخط الساخن( 19588 من أى خط أرضي) أعلى رقم من الشكاوى والبلاغات، ومن ثم أصبح المستهلك شريكًا حقيقيًا فى إنجاح جهود ضبط الأسواق.
ويحسب «للسجينى» أنه استطاع أيضاً خلال تلك الفترة القصيرة أن يبث الرُعب فى قلوب التجار والمصنعين والباعة غير المنضبطين إذا لم يستجيبوا لشكاوى المواطنين، لتأكدهم من أن جهاز حماية المستهلك «مبيهزرش» ولن يتوانى أبداً عن التعامل معهم ومحاسبتهم بمنتهى الحزم والحسم والصرامة، فالعقوبات عنده مغلظة.. ربما تصل الغرامة إلى مليونى جنيه أو الغلق أو الاثنين معاً!
