تركزت مناقشات اليوم الثاني لمؤتمر الأمم المتحدة الثالث المعني بالبلدان النامية غير الساحلية- المنعقد حاليًا في مدينة أوازا بتركمانستان- للتغلب على عوائق الجغرافيا، إذ خُصصت المائدة المستديرة الرئيسية لموضوع التجارة، الذي يمثل قضية ملحة للدول النامية غير الساحلية البالغ عددها 32 دولة في العالم، والتي تفتقر إلى الوصول المباشر إلى الموانئ البحرية، ونتيجة لذلك، يتعين عليها الاعتماد على طرق أطول وأكثر تعقيدًا للوصول إلى الأسواق الدولية، مما يؤدي إلى زيادة التكاليف وتقليل القدرة التنافسية.
وبحسب مركز إعلام الأمم المتحدة، فإن الدول النامية غير الساحلية، تتجاوز الجغرافيا كونها مجرد تحدٍ لتصبح عائقًا تجاريا باهظ التكلفة، إذ تفتقر هذه الدول إلى منفذ مباشر على البحر، مما يعرضها لارتفاع تكاليف النقل، وبطء أوقات التسليم، وتعقيدات الإجراءات الحدودية التي تعيق تقدمها الاقتصادي.
وتتفاقم المشكلة بشكل متزايد بسبب تغير المناخ، الذي يلحق ضررا بالطرق، ويعطل سلاسل الإمداد، ويهدد البنية التحتية الهشة بالفيضانات والجفاف والظواهر الجوية المتطرفة.
وأوضح المركز أن الجغرافيا ليست العائق الوحيد، فالعديد من الدول النامية غير الساحلية تعاني من بنية تحتية قديمة ومحدودية في استخدام الأدوات الرقمية التي يمكن أن تسرع أوقات النقل البطيئة.
وهذه العوائق لا تؤخر التجارة فحسب– بل تعيق النمو الاقتصادي وتوسع الفجوة بين الدول النامية غير الساحلية والدول النامية الأخرى-
وبينما تتصاعد وتيرة النقاشات العالمية، يسعى مؤتمر الأمم المتحدة الثالث المعني بالبلدان النامية غير الساحلية– المنعقد حاليًا في تركمانستان– إلى تغيير المسار، بهدف تحويل هذه الدول من دول "حبيسة" إلى دول "متصلة" عبر بنى تحتية أكثر ذكاءً ومقاومة للتغيرات المناخية، وأنظمة لوجستية مبسطة، وروابط إقليمية أقوى.
و كان الأمين العام للأمم المتحدة "أنطونيو جوتيريش"، قد أكد بأن الدول النامية غير الساحلية بحاجة إلى لوجستيات ذكية، وأنظمة مبسطة، وشراكات أقوى مع دول العبور، قائلًا: يجب علينا تقليل البيروقراطية، ورقمنة العمليات الحدودية، وتحديث شبكات النقل لتقليل التأخير والتكاليف".
وأوضح "جوتيريش" أن تأثير الجغرافيا يتجلى بوضوح من خلال الأرقام، حيث تشكل الدول النامية غير الساحلية أكثر من سبعة في المائة من سكان العالم، ومع ذلك، في عام 2024، لا تشكل سوى 1.2 في المائة من التجارة العالمية في السلع، وهذا تذكير صارخ بكيفية تحول الحواجز المادية إلى حواجز اقتصادية.
وتهدف خطة عمل أوازا للفترة 2024-2034، التي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة العام الماضي، إلى تغيير هذا الواقع، لكن تحويل الطموح إلى نتائج يتطلب جهودا جريئة ومنسقة عبر الحدود والقطاعات.
بدوره، قال الأمين العام للاتحاد الدولي للنقل البري "أومبرتو دي بريتو": "هناك دليل على أنه إذا طبقت السياسات الصحيحة... يمكنك أن تصبح متصلًا بالبر والبحر... أعتقد أن أكبر عائق أمام الدول غير الساحلية هو العقلية"، إذ يدعم الاتحاد الدولي للنقل البري، الذي تأسس عام 1947، التنقل المستدام واللوجستيات في جميع أنحاء العالم، ويمثل أكثر من 3.5 مليون مشغل نقل في أكثر من 100 دولة.
وكما يشير "دي بريتو"، فإن 11 دولة فقط من أصل 32 دولة نامية غير ساحلية في العالم انضمت إلى نظام "النقل الدولي البري" (TIR) المدعوم من الأمم المتحدة، والذي يسمح للبضائع بالانتقال من المنشأ إلى الوجهة في مقصورات مغلقة بموجب إجراء جمركي معترف به بشكل متبادل.
وقال "دي بريتو": "أكبر مستخدم للنظام الذي نديره- اتفاقية الأمم المتحدة للنقل البري الدولي- هو أوزبكستان، وهي واحدة من الدولتين الوحيدتين غير الساحليتين المزدوجتين، لذا، هناك دليل على أنه إذا طبقت السياسات الصحيحة، فستكون دولتك متصلة بالبر والبحر، وليست غير ساحلية".
ومن جانبه، أوضح الأمين العام للمنظمة العالمية للجمارك "إيان سوندرز"، أن التقنيات الجديدة توفر طرقا إضافية لتبسيط حركة البضائع. , وقال: "كيف تنتقل من الورق إلى نقل المعلومات رقميا إلى السلطات الحكومية؟ نحن بحاجة إلى أشياء مثل 'النافذة الواحدة'، حيث يكون لديك نقطة إدخال واحدة للمعلومات الإلكترونية كي يتسنى للحكومة من تحليل تلك المعلومات واتخاذ القرارات في وقت مبكر".
وشارك سوندرز، أمثلة على مبادرات ناجحة، مثل تتبع البضائع في شرق وغرب أفريقيا واستخدام سندات TIR الإلكترونية – التي تسمى أحيانا "جواز سفر البضائع" – من قبل الشركات الخاصة في آسيا الوسطى. تضمن هذه الوثائق الفريدة دفع الرسوم والضرائب المعلقة أثناء عبور البضائع.
وقد طورت لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لأوروبا أداة لاختبار إجهاد البنية التحتية للنقل تأخذ في الاعتبار مخاطر المناخ.
وأشار إلى أنه تم إطلاق منصة عبر الإنترنت تعتمد على بيانات الأقمار الصناعية، مما يسمح للمستخدمين بعرض طرق التجارة والمخاطر المناخية على خريطة لدعم قرارات الاستثمار الأكثر ذكاءً.
ومن جهته، قال نائب الأمين التنفيذي للجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لأوروبا "ديمتري مارياسين"، إن الدول تستخدم بالفعل هذه المنصة. وتُبذل الجهود لدمج هذه المنصة مع منصة مماثلة طورها مكتب اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لآسيا والمحيط الهادئ التابع للأمم المتحدة، والتي تغطي جنوب وجنوب شرق آسيا.
وقد باتت الرسالة من أوازا واضحة: العزلة ليست مصيرًا. فبالعقلية الصحيحة، والسياسات الفعالة، والشراكات الهادفة، يمكن للدول غير الساحلية أن تصبح متصلة بالبر والبحر– وتزدهر.