رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

فى أزمة السويداء.. سوريا على صفيح ساخن


25-7-2025 | 19:02

.

طباعة
بقلـم: نجوان عبداللطيف

هكذا أصبح الوضع فى سوريا الآن اشتباكات طائفية تنذر باشتعال الحرب الأهلية التى دارت رحاها منذ 14 عامًا وكنا نظن أنها سترحل مع رحيل الأسد.

بالأمس كانت فى الساحل بين السنة والعلويين واليوم فى السويداء بين الدروز والبدو، ومازال النظام غير قادر على بسط نفوذه الأمنى على العديد من المناطق السورية.

ما جرى فى السويداء جنوب سوريا هو الأخطر، لأنه استتبع تدخلاً عسكريًا من دولة الاحتلال إسرائيل، والتى أعلنت بصلف ووقاحة أنها تتدخل من أجل منع أى أذى عن الطائفة الدرزية، وللآسف طالبت جماعة درزية بقيادة شيخ العقل حكمت الهجرى بحماية دولية للدروز، وعلى الجانب الآخر كان الرد خطيرًا من قبل العشائر بإعلان النفير العام، ووصول جماعات مسلحة تنتمى للعشائر من داخل وخارج سوريا إلى السويداء لمناصرة البدو.

حصيلة هذه الاشتباكات الدامية حوالى 945 قتيلًا من بينهم عمليات إعدام علنية بعضها مصور، وحوالى ألفين من الجرحى، وعمليات سلب ونهب وحرق لمؤسسات تابعة للدولة وللعديد من المنازل، وتشريد عائلات وسيطرة على قرى بالكامل.

ماذا يجرى فى السويداء؟ وإلى أين تمضى سوريا؟

فى يوم 11 يوليو اعتدت مجموعة من البدو تسيطر على نقطة فى طريق السويداء على تاجر خضار ينتمى للطائفة الدرزية واستولوا على كل ما يمتلكه وسيارته واختطفوه لمنطقة نائية، وتعرض للضرب والإهانات الطائفية ثم أطلقوا سراحه.

قامت جماعة مسلحة من الدروز فى محاولة لاسترجاع المسروقات باختطاف مجموعة من البدو، وتبادل الطرفان عمليات الاختطاف ثم تطور الأمر لاشتباكات أسفرت عن قتلى وجرحى، وتدخلت القوات التابعة للدولة من الأمن الداخلى فى محاولة المفترض أن تمنع هذه الاشتباكات وتفرض الأمن والاستقرار، وقام المجلس العسكرى التابع للسويداء والذى تم تشكيله فى فبراير الماضى من مجموعة من العسكريين المنشقين عن النظام السورى السابق وبعض الضباط المتقاعدين بالإضافة لعدد من المقاتلين المحليين من المحافظة برئاسة الضابط الدرزى المنشق طارق الشوفى الذى قال ردا على من اعتبروا المجلس نواة للانفصال إن مشروعه سورى وطنى، وفى شهر مارس الماضى أعلن تأييده لموقف شيخ العقل حكمت الهجرى وقال «لن نتعامل مع نظام الشرع الذى يعتمد على دستور متشدد ونرفض النظام المركزى، وحماية المحافظة واجب علينا ونحن مستعدون للدفاع عن أنفسنا».

وأصبح جليا وجود انقسام بين أهل الدروز فى السويداء خاصة إزاء الأحداث الأخيرة، فبينما أصدرت الهيئات الدينية الدرزية بياناً تدعو فيه المسلحين الدروز لتسليم الأسلحة لقوات أمن النظام وعدم مقاومتها، وتبعها إعلان وزارة الدفاع عن اتفاق مع وجهاء السويداء على وقف إطلاق النار . وصف شيخ العقل حكمت الهجرى البيان بأنه «مذل» وطالب الدروز بمواجهة هذه الهجمة التى وصفها بالبربرية، وكانت تقارير إعلامية من المرصد السورى لحقوق الإنسان، تحدثت عن انتهاكات خطيرة وشهادات من العديد من السكان عن إعدامات وعمليات نهب وسلب وحرق منازل، كما تم نشر فيديوهات لبعض هذه الانتهاكات على وسائل التواصل الاجتماعى.

وقامت إسرائيل بغارات ضد مواقع حكومية فى السويداء وقال وزير دفاع الاحتلال «يسرائيل كاتس» على منصة إكس «الضربات الإسرائيلية كانت رسالة تحذيرية واضحة للنظام السورى..إسرائيل لن تقف مكتوفة الأيدى ولن تسمح بالأذى للدروز».

منذ سقوط نظام بشار الأسد وإسرائيل تعمل على استمالة الدروز مستغلة فى ذلك وجود حوالى 150 ألف درزى من سكان الجولان بعضهم مرتبط بعلاقات أسرية ببعض أهالى السويداء من الدروز، وفى بيان مشترك لرئيس الوزراء نتنياهو ووزير الدفاع قالا «نتحرك لمنع النظام السورى من إيذاء الدروز، ونضمن نزع السلاح من المناطق القريبة من حدودنا مع سوريا».

وكان الدروز الإسرائيليون أو الدروز السوريون الذين يعيشون فى الجولان السورية المحتلة قد طالبوا حكومة نتنياهو بتقديم مساعدات لدروز السويداء.

وبتدخل أمريكى تم وقف إطلاق النار من قبل إسرائيل مقابل خروج القوات الحكومية من السويداء، ولكن عاد الاشتباك من جديد بين الدروز والبدو، وتواصلت أعمال القتل والنهب والطرد من البيوت للسكان البدو، وأطلق الشيخ عبدالمنعم الناصيف رئيس مجلس القبائل والعشائر السورية النفير العام لمساندة بدو السويداء، حيث تحركت مجموعات مسلحة من العديد من أنحاء سوريا ومن الأردن والعراق والكويت طبقًا للتقارير الإعلامية وتقدر بـ50ألف مقاتل، واتهم البعض قوات الأمن الداخلى التابعة للنظام والمتمركزة خارج السويداء وعلى الطريق الموصل إليها من دمشق بالسماح لتلك المجموعات المسلحة بالمرور إلى السويداء، وأن هذا يدل على أن قوات الأمن غير محايدة وتنحاز للبدو والعشائر لأنهم ينتمون لطائفة السنة.

ومرة أخرى تم وقف إطلاق النار ولكن هذه المرة بين الدروز والبدو بعد مفاوضات جرت فى عمان بين وزير خارجية الأردن أيمن الصفدى ونظيره السورى أسعد الشيبانى والمبعوث الأمريكى لسوريا السفير «توماس باراك» وكانت المجموعات المسلحة التابعة للعشائر قد انسحبت من السويداء بناء على اتفاق بين المجلس الأعلى للعشائر مع النظام.

وبالفعل أكدت حكومة الشرع وقف القتال يوم الأحد، وطالب وزير خارجية أمريكا ماركو روبيو دمشق بمنع تنظيم داعش أو أى جهاديين من دخول السويداء معقل الدروز وارتكاب مجازر بحقهم، وأكد على ضرورة محاسبة أى شخص ارتكب فظائع وتقديمه للعدالة بمن فيهم من هم فى صفوفها، وأشار روبيو إلى الدور الأمريكى من خلال مفاوضات استمرت لثلاثة أيام مع الأردن وإسرائيل والنظام السورى لوقف كارثة السويداء.

ماذا تريد إسرائيل التى لم تتدخل من قبل لحماية الدروز عندما اعتدى عليهم نظام الأسد، إسرائيل لها أهداف سياسية تريد الضغط على النظام السورى كى يوافق عليها ومن أجل تلك الأهداف وجهت ضرباتها لسوريا متذرعة بحماية الدروز، من بين تلك الأهداف الوصول الى اتفاق أمنى تسعى إليه وتتفاوض مع نظام الشرع من أجل جعل منطقة حدودية بين دمشق والجنوب حتى الأردن منطقة منزوعة السلاح، وإقامة حزام أمنى عرضه من 3 إلى5 كيلومترات وهناك 9 مناطق عسكرية لها فى تلك المنطقة المحتلة تريد بقاءها وإتمام السيطرة على منطقة جبل الشيخ، وعلى المدى البعيد يصبح من الممكن عمل طريق بديل لقناة السويس يصل ما بين الخليج وأوروبا وإسرائيل .

السويداء التى تقع جنوب سوريا هى معقل دروز سوريا الذين يبلغ تعدادهم حوالى 700 ألف يسكنون السويداء ومناطق فى إدلب وفى ريف دمشق.

البعض يشكك فى وطنية الدروز لأنها الطائفة الوحيدة من عرب 48 التى يسمح لها بالتجنيد فى الجيش الإسرائيلى، كما أن إسرائيل بعد احتلالها الجولان عرضت جنسيتها على سكانها حيث قبل بعض الدروز، كما أن بعض قادتهم فى سوريا قبلوا عرضها لحمايتهم، وطلب شيخ العقل الهجرى فى أزمة السويداء الحماية الدولية للدروز، ولكن فى نفس الوقت رفض العديد من القيادات الروحية الدرزية ذلك، ولا ينسى التاريخ للدروز موقفهم ضد الاستعمار الفرنسى فى سوريا وأنهم رفضوا عرض فرنسا بانفصالهم عن سوريا ومنحهم دولة درزية، وقادوا المقاومة ضد الاستعمار الفرنسى بقيادة سلطان باشا الأطرش .

أما العشائر فى سوريا فهم قوة اجتماعية وسياسية كبيرة فهى تتوزع على 30 قبيلة تتواجد فى دمشق وريفها والبادية والحسكة والشمال ولديها مجلس يمثلها هو تجمع القبائل السورية، وفى السويداء يمثلون ثلث السكان حوالى 250 ألف نسمة بينما الدروز يمثلون الثلثين، وتنقسم العشائر إلى ثلاث مجموعات ..القبائل البدوية فى دير الزور والحسكة والرقة وريف حمص، بينما العشائر الريفية تتمركز فى حلب وحماه وريف دمشق وفى شرق سوريا العشائر الكردية والتركمانية والديرية فى الحسكة والقامشلى وعفرين ومنبج.

إسرائيل تتربص لسوريا وتريد لها التقسيم بين الطوائف درزية، وكردية، وسنية وغيرها. لأنها تعتبر وجود سوريا قوية موحدة يعنى وجود قرار استراتيجى ربما يعيدها مرة أخرى إلى مساندة القضية الفلسطينية بقوة وإنشاء جبهة الصمود والتصدى من جديد.

الواقع أن سوريا على صفيح ساخن وأن 14 عامًا منذ الثورة السورية وهى ممزقة بين العديد من الميليشيات هنا وهناك، وكل منها تعمل تحت دعم مالى وعسكرى من دول أجنبية كبرى وأخرى إقليمية وأخرى عربية، ونظامها الحالى لم يستطع بعد لملمة أشلاء وطنه المتناثرة والسؤال ..هل تسمح كل هذه الدول التى تغرس أظافرها فى الجسد السورى بأن يتعافى!؟

أخبار الساعة

الاكثر قراءة