الفنان كريم محمود عبدالعزيز.. خفيف الظل، برىء الملامح، يحمل على عاتقه إرث نجم كبير راحل، ولكنه شق طريقه بنجاح كبير، حققه من خلال عدة شخصيات استقرت فى قلوب الجماهير، وها هنا نجده حاليًا يخوض مغامرة درامية غير معتادة، خلال تجربته مع مسلسله الجديد «مملكة الحرير» فى ملحمة أقرب إلى الأسطورية.
«كريم» تحدث فى حواره لـ«المصور» عن عمله الجديد، وكواليس التحضير لشخصية «شمس الدين»، وعلاقته بمخرج مسلسله الجديد بيتر ميمى، أيضًا تطرق للحديث عن مقارنته بوالده «الساحر» الفنان الكبير الراحل محمود عبدالعزيز، وحقيقة أنه غَيَّر جلده الدرامى على الشاشة الصغيرة، وماذا يُحضر فى جعبته خلال الأيام القادمة.. فإلى الحوار.
ما الذى جذبك إلى «مملكة الحرير» لتوافق على بطولته؟
السيناريو كان هو السبب الأول الذى لفت انتباهى وجذبنى إلى المسلسل.. بمجرد قراءة الحلقات الأولى، وكافة الأحداث بشكل عام، شعرت أننى أمام عمل يحمل طابعًا إنسانيًا عميقًا، وليس مجرد حكاية درامية أو صراع على سلطة، بل إن الشخصية التى أقدمها، فيها قدر كبير من التناقضات الداخلية والصراعات النفسية للبطل وأشقائه.
لكن هذا يعنى أنك بدأت تُغير جلدك.. فكيف تصف تجربة مشاركتك فى مثل هذا العمل؟
تجربة ثرية من أكثر التجارب التى أعتز بها، لأنها لم تكن مجرد شخصية أُمثّلها ثم أغادرها، بل عالم عشت داخله بكل تفاصيله، وهذا العمل يعتمد على خيالٍ واسع، ويغوص فى صراع إنسانى له جذور عاطفية ونفسية، لا يقتصر على السلطة فقط، بل يتناول فكرة الهوية، والانتماء، والثأر الداخلي.. وعندما قرأت السيناريو شعرت أننى أمام نص غير تقليدى، يطلب من الممثل أن يتعرّى نفسيًا بالكامل أمام نفسه، واكتشفت أن ما زال بداخلى الكثير لأقدمه فى مثل هذه النوعية الدرامية.
فسر لنا سر انجذابك وتمسكك بشخصية الأمير «شمس الدين» التى تقدمها فى المسلسل؟
الأمير شمس الدين ليس شخصيةً نمطيةً بل دور مركّب جداً، نجل ملك، تربّى فى الظل، ثم عاد ليجد نفسه وسط صراع لا يملك رفاهية رفضه.. وما شدّنى هو تناقضه الداخلى، حيث إنه قوى فى لحظة، وهشّ فى أخرى، بل ويقاتل من أجل العدل، بينما يسكنه غضب مكبوت.. وشعرت أن الشخصية فرصة لإبراز جانب مختلف من أدواتى كممثل، بعيدًا عن الأدوار التقليدية أو الكوميدية التى اعتاد عليها الجمهور.
العمل يتناول الصراع بين الإخوة فى قالب أسطورى.. فهل رأيت خلال الأحداث إسقاطات واقعية؟
بالطبع، أرى أن الجمال فى «مملكة الحرير» وإن كان خياليًا، فإن جذوره واقعية جدًا، من خلال الصراع على الإرث، الخيانة، الولاء، كلها مفردات نعيشها كل يوم، لكن بيتر ميمى صاغها بطريقة تجعلها تصل للمُشاهد على مستويات مختلفة، حيث تروق لمختلف الأذواق من الجمهور، فمَن يُشاهد من أجل المتعة البصرية سيجدها، ومَن يبحث عن الرمزية سيقرأ ما بين السطور.
وكيف ترى تعاونك مع بيتر ميمى فى هذه التجربة؟
تعاونت مع بيتر ميمى قبل ذلك، لكن «مملكة الحرير» مختلف تمامًا، وأرى أن «ميمى» ليس فقط مخرجًا موهوبًا، بل لديه رؤية متكاملة للعالم الذى يصنعه بكل تفاصيله، فهى تفاصيل مدروسة بدقة، من الأزياء، إلى الديكورات، إلى زوايا الكاميرا. وأكثر ما أعجبنى هو أنه يمنح الممثل مساحته ليفكر، ويجرّب، ويخطئ، كنت أشعر أننى أخلق الشخصية معه لحظة بلحظة.
بعض الجمهور والآراء وجدوا صعوبةً فى تصنيف العمل.. هل هو تاريخى أم أسطورى أم فانتازيا؟
هذا الاختلاف فى الآراء والصعوبة فى تصنيف العمل يعتبر جزءًا من قوة المسلسل فى رأيى.. فهو عمل لا ينتمى إلى تصنيف واحد، بل بمثابة عمل فنى حرّ، يأخذ من التاريخ رمزيته، ومن الحاضر إيقاعه، ومن الخيال مفاتيحه، فنحن لا نحاول تقديم نسخة مشوّهة من حِقبة زمنية، بل نبنى عالمًا جديدًا بالكامل، وأعتقد أن الجمهور بدأ يتذوق هذا النوع من الأعمال، حتى وإن تطلّب منه جهدًا أكبر فى التلقى.
كواليس «الفانتازيا» تختلف عن أى عمل درامى آخر.. كيف كانت أجواء التصوير داخل هذا العالم الخيالى؟
كان الأمر أقرب إلى رحلة يومية فى عالم موازٍ، فأنا من أول لحظة دخلت فيها موقع التصوير كنت أشعر أننى خرجت من الزمن الحالى، خاصةً مع أجواء الديكورات، الأسلحة، طبيعة الملابس، حتى اللهجات كانت مدروسةً لتُبعدك عن الواقع المعاصر، فنحن كنا نُصوّر فى أماكن نائية أحيانًا، وفى طقس صعب، لكن كان الحماس هو المحرك الأساسى.
وهل تعتبر «مملكة الحرير» نقلةً نوعيةً فى مسيرتك؟
نعم، هو عمل يضعنى فى مكان مختلف كممثل، خضت من خلال «مملكة الحرير» مغامرة غير معتادة، وفيه تحديات على كل المستويات مثل: «الأداء، التحوّل النفسى، والإحساس بالعالم المحيط»، حيث إننى شعرت بالنضج من خلال هذه التجربة، وتعلمت أن أراهن على غير المتوقع.
وما الرسالة التى تريد إيصالها من خلال «مملكة الحرير»؟
لا توجد رسائل مباشرة، ولكن الهدف من الأحداث هو الرمزية، أن يرى الإنسان ذاته ويتصالح مع جميع الشخصيات بداخله سواء كانت شخصيات خير أو شر.. والصراع الحقيقى ليس على السلطة، بل على الذات، وأنه مهما فرّقتنا الظروف، فهناك دائمًا فرصة للعودة، للمواجهة، وربما للغفران، وأظن أن العمل ينجح فى طرح هذه الأسئلة دون أن يُلقّن المشاهد رسائل مباشرة، بل يترك له حرية التفسير.
تحضيرك لشخصية «شمس الدين» بدا واضحًا فى التفاصيل الدقيقة.. كيف تم ذلك؟
قضيت وقتًا طويلًا فى دراسة الشخصية، ليس فقط على الورق، لكن على مستوى الإحساس الداخلى أيضًا، بدأت من أشياء تبدو بسيطةً مثل نبرة الصوت، وطريقة المشى، وصولًا لاختيارى إنى أُغطى عينى برقعة طوال الوقت، وهذه الرقعة ليست فقط أداة شكل، بل هى رمز لجرح قديم وشيء فقده «شمس الدين» يحاول استرداده.. فأنا عملت كثيرًا على حركة الجسد والروح والعين، لأن التفاصيل كانت مهمةً جدًا، وتؤكد أن هذا الشخص مرّ بأشياء ليست عاديةً.
ما الدور الذى ما زال يسكن خيالك وتتمنى تجسيده؟
أتمنى تقديم شخصية تتعلق بالشر النقى، وليس الشر التقليدى، بمعنى شخصية الشر التى يكون لها مبرر إنسانى، وأتمنى العمل على شخصية تجعلنى أُبرر تصرفاتها لنفسى، وأقتنع بها عندما أقوم بتجسيدها.. هل من الممكن أن يكون قاتلاً مثلًا، ولكن وراءه حكاية!!.
بكل صراحة.. هل البطولة المطلقة ما زالت أفضل أهدافك؟
لا أؤمن بفكرة البطولة المطلقة بالشكل الكلاسيكى، ولكن الشخصية هى التى تفرض نفسها، سواء فى أول مشهد أو فى آخره، وإذا وجدت مشهدًا واحدًا بعيدًا عن البطولة ولكن سيظل يعيش فى وجدان الجمهور سأقبل به، وهذا بالنسبة لى أهم من عشرين مشهدًا أنا فيها طوال الوقت دون تأثير، فأنا أهتم بالشخصية أكتر من مساحة الدور.
وهل تشعر أنك ظُلمت فى بعض الأعمال؟
لا أُحب استخدام كلمة «ظُلم»، ففى أعمال بذلت مجهودًا كبيرًا، ولكن من الممكن أنها لم تأخذ حقها فى التوزيع أو التوقيت، وهذا يحدث كثيرًا، وأنا دائمًا أعتبر كل تجربة محطة، والتعلم منها ضرورة، حتى إذا لم تظهر للجمهور بالشكل الذى كنت أتمناه.
ما أقرب الشخصيات التى قدمتها إلى قلبك؟
«رضا» فى فيلم موسى كانت من أقرب الأدوار إلى قلبى، لأنها شخصية بها صراع نفسى، بل كنت أشعر أننى فعلًا أعيش معها وبداخلها، وأنا عملت فى هذا الفيلم بروح مختلفة، يمكن لأنه كان من الأعمال التى شعرت بها أننى أتنقل فيها من مرحلة لمرحلة داخل المشهد الواحد.
صف لنا علاقتك بالسوشيال ميديا.. وهل تراها أداةً للتواصل أم مصدر إزعاج؟
السوشيال ميديا سلاح ذو حدين، وأنا لست نشيطًا على مواقع التواصل، لأننى أحب الخصوصية وأخشى التصنّع، بل إننى أشعر بأن هناك أشخاصًا كثيرين يحاولون صنع صورة ليست حقيقيةً عن أنفسهم، وهذا يجعلنى أتراجع خطوةً، لكن فى بعض الأوقات أُحب أن أتواصل، خصوصًا عندما أجد ناس محبة للفن وتحب أن تخاطبنى من القلب.
فى ظل هذه النقلة.. كيف تتعامل مع إرث والدك الكبير، هل يُثقل أم يُلهم؟
تاريخ أبى المهنى والفنى والإنسانى هو دائمًا مصدر إلهام، لأن والدى علمنى أن أُحب المهنة بصدق، أن أذاكر، وأتعب، وأبحث دائمًا عن الجديد، وأنا لا أحاول تقليده أبدًا، لكنى أستمد منه القوة، والجمهور يقارننى به كثيرًا، وهذا طبيعى، لكننى أسعى إلى بناء مسارى الخاص، خطوة بخطوة.
كثيرون يقارنونك بـ«الساحر» الراحل.. كيف تتعامل مع هذا الأمر؟
أفتخر أننى ابن النجم الراحل محمود عبدالعزيز، لكننى فى الوقت نفسه أريد أن أصنع اسمى بطريقتى، وأرى أن المقارنة شيء طبيعى، لكنها لا تُخيفني، لأن والدى كان مدرسة كبيرة فى التمثيل، وأنا أتعلم منها كل يوم، ولا أحاول تقليده، بل أسعى إلى البحث عن طريقى الخاص، ولذلك قمت بتغيير جلدى فى «مملكة الحرير» لأثبت للجمهور أننى ما زلت قادرًا على تقديم شخصيات متعددة ومتنوعة.
كيف ترى مستقبل الدراما المصرية فى ظل هذا التنوع الكبير الذى نشهده؟
متفائل جدًا، لأن هناك كتابًا ومخرجين شبابًا لديهم رؤى مختلفة ومميزة، والجمهور أصبح أكثر وعيًا وذكاءً، بل إن التحدى الآن هو أن نحافظ على الجودة، وأن نقدم محتوى صادقًا يلامس قلب وعقل الجمهور، وأظن أن «مملكة الحرير» خطوة فى هذا الاتجاه.
التمثيل مهنة شاقة جدًا.. ما أبرز التحديات التى تشعر أنها تواجهك؟
بالطبع مهنة التمثيل شاقة جدًا ولها تحديات كثيرة، فضلًا عن فهم بعض الناس للفنون بطريقة خاطئة، ولكن ما يطمئننى أنه ما زال هناك جمهور يبحث عن المحتوى والمصداقية، وكان أكثر شيء يُخيفنى هو أننا نتحول لمجرد «محتوى يستهلكه الناس ويرحلون»، بدلاً من أن نكون فنًا ورسائل تعيش بداخلهم، فأنا أُحب مهنة التمثيل جدًا، ولكن أخاف عليها من الاستسهال.
ما مشروعاتك الفنية القادمة بعد «مملكة الحرير»؟
أحضر لفيلم سينمائى جديد سيكون مفاجأة للجمهور.. كما أتطلع للمشاركة فى عمل تاريخى كبير، وأتمنى أن يظهر للنور قريبًا لأننى مثلما ذكرت أبحث دائمًا عن الأدوار التى تحمل رسائل إنسانية مؤثرة.
أخيرًا.. ما النصيحة التى تقدمها للفنانين الشباب؟
أنصحهم بالصبر وعدم التسرع، فالنجاح لا يأتى بين يوم وليلة، ولكن عليهم أن يطوروا أنفسهم باستمرار، وأن يحرصوا على التدريب والبحث، بل و الأهم أن يكونوا صادقين مع أنفسهم ومع جمهورهم.

