فى تصعيد جديد، أعلن الرئيس الأمريكى دونالد ترامب رفع الرسوم الجمركية على الواردات الكندية إلى 35 فى المائة اعتبارًا من مطلع أغسطس المقبل، موجهًا ضربة قاسية لـ «أوتاوا»، ثانى أكبر شريك تجارى للولايات المتحدة، كما أعلن فرض تعريفات بنسبة 30 فى المائة على الواردات من الاتحاد الأوروبى والمكسيك، وربط الرسوم بقضايا مثل تدفق المخدرات والعجز التجارى الأمريكى، وما يشكله من تهديد على الأمن القومى، ومع ترقب الأسواق للرسوم الانتقامية، تزداد حالة عدم اليقين.

وقد دفعت تعريفات «ترامب» الجديدة أسواق الأسهم الأمريكية إلى التراجع من أعلى مستوياتها القياسية. فى المقابل، وصل البيتكوين إلى مستوى قياسى جديد متجاوزًا 120 ألف دولار، وتهافت المستثمرين على أصول الملاذ الآمن مثل الدولار الأمريكى، والذهب، الذى سجل مكاسب أسبوعية قوية متجاوزًا 3355 دولارا للأوقية بعد تقلبات حادة فى الأسعار.
منذ الأسبوع الماضي، بعث «ترامب»، بأكثر من 20 خطابًا إلى شركائه التجاريين من كبار الموردين، مثل اليابان وكوريا الجنوبية إلى صغار المصدرين مثل صربيا وتايلاند، أبلغهم فيها بنسب الرسوم الجمركية الجديدة التى قرر فرضها على صادراتهم إلى السوق الأمريكية، والتى تتراوح بين 20 لـ50 فى المائة، بحلول الأول من أغسطس المقبل، وقد لفت فرض «ترامب» رسوما تصل إلى 50 فى المائة على الواردات البرازيلية الأنظار بعد أن كانت البرازيل تنأى بنفسها بعيدًا عن مرماه، وهو الأمر الذى أغضب رئيس البرازيل لولا دا سيلفا الذى توعد بالرد باتخاذ إجراءات انتقامية.
خطابات «ترامب» أصبحت بمثابة جرس إنذار أخير للإسراع فى التوصل إلى اتفاق تجارى مع الولايات المتحدة التى حذرت فى الوقت نفسه من أن أى خطوات انتقامية ستقابل برد مماثل، وحتى الآن تم التوصل إلى اتفاقيات مع بريطانيا وفيتنام، والصين فقط، وهو عدد قليل مقارنة بمزاعم «ترامب» الذى أشار إلى أن هذه الإجراءات تأتى إضافة إلى الرسوم المفروضة أساسًا على قطاعات محددة مثل الصلب والألومنيوم والسيارات، وألمح إلى إمكانية فرض تعريفة عامة تتراوح بين 15 و20 فى المائة على واردات من دول أخرى، ارتفاعًا من النسبة الحالية البالغة 10 فى المائة، ورغم أن ردة فعل الأسواق على سلسلة إعلانات ترامب كان خافتًا إلى حد ما مقارنة بردود الفعل الماضية إلا أنه يعمق من حالة الضبابية وعدم اليقين التجاري.
فى سياق متصل، أعلن الرئيس الأمريكى فرض رسوم جمركية بنسبة 50 فى المائة على واردات النحاس متحججا بـ «الأمن القومي»، وهو ما انتقدته الصين مؤكدة أن «فرض الرسوم الجمركية بشكل تعسفى لا يخدم مصالح أحد»، كذلك هدد بفرض رسوم تصل إلى 200 فى المائة على الأدوية لن يتم فرضها إلا بعد عام أو عام ونصف العام لمنح الشركات فرصة للانتقال إلى الولايات المتحدة.
من جانبها، أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية ارتفاع إجمالى إيرادات الرسوم الجمركية الأمريكية إلى مستوى قياسى بلغ 27.2 مليار دولار فى يونيو الماضي، وفى وقت سابق قال وزير الخزانة الأمريكى سكوت بيسنت إن «الولايات المتحدة حصلت على نحو 100 مليار دولار من دخل الرسوم الجمركية حتى الآن هذا العام، وقد ينمو إلى 300 مليار دولار بحلول نهاية العام».
وعن تداعيات الرسوم الجمركية، أوضح الدكتور على الإدريسي، الخبير الاقتصادي، أنها تتمثل فى زيادة الضغط على الأسعار المحلية. على سبيل المثال، ارتفع سعر النحاس فى أمريكا بنسبة تزيد على 12 فى المائة فور إعلان التعريفات، ما دفع الصناعات مثل الإلكترونيات والطاقة إلى تحمل تكاليف إضافية قد تُترجم إلى تضخم المستهلكين إذا لم يتم استيعابها عبر الإنتاج المحلى. كذلك تدهور النمو الاقتصادى العالمى حيث خفضت منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية (OECD) توقعات النمو الأمريكى إلى 1.6 فى المائة فى 2025، و1.5 فى المائة فى 2026، والعالمى إلى 2.9 فى المائة فى (2025 –2026)، مقارنةً بـ 3.3 فى المائة فى 2024 بسبب تصاعد تكلفة التجارة العالمية واضطراب سلاسل الإمداد وزيادة عدم اليقين. كما تشير التوقعات إلى أن الرسوم لعام 2025 ستؤدى إلى ارتفاع معدل البطالة.
«الإدريسي»، أشار إلى أن الاقتصاد الأمريكى هو الأكثر تضررًا بـ«رسوم ترامب»؛ فبرغم أهداف إعادة الإنتاج المحلي، إلا أن تأثير الرسوم على البناء والزراعة يفوق مكاسب التصنيع، مع آثار توزيع ضارة على الأسر الأقل دخلًا. كذلك كندا والمكسيك، أول المتأثرين منذ إعلان «يوم التحرير»، إذ تقلص اقتصاد كندا بنحو 1.9 فى المائة على المدى الطويل، بينما الاقتصاد الصينى يعانى من انكماش بنحو 0.2 فى المائة مقارنة بحجم الضرر الأمريكى، فى المقابل استفادت دول مثل فيتنام واليابان، التى استقطبت خطوط الإنتاج المتجهة من الصين، وقطاع التعدين فى أمريكا- مثل شركات النحاس- استفادت مؤقتًا رغم ارتفاع التكاليف.
وعن التقلبات الحادة فى الأسهم، أوضح الخبير الاقتصادي، أن الأزمة بدأت بسوق نيويورك فى 2 أبريل الماضى بانهيار تجاوز أكثر من 10 فى المائة خلال يومين، فيما عاد السوق لاحقًا ليصل إلى مستويات قياسية بحلول نهاية يونيو، مستندًا إلى توقعات بأن ترامب قد يتراجع (TACO trade) . ورغم التهديدات فالأسواق الأمريكية وصلت إلى قمم جديدة فى 10 يوليو الجارى، مدعومة بثقة بأن ترامب قد يخفف من سياسته للحفاظ على الاستقرار المالي، وهو ما أظهره أداء سهم «إنفيديا»، وعملة بيتكوين، وشركات الدفاع.
ومن واشنطن، قال شريف عثمان، مؤسس ومدير شركة «بويز» للاستثمار، إن «تهديدات ترامب الأخيرة بإعادة فرض رسوم جمركية واسعة النطاق على الواردات، تعد امتدادًا لنهجه الذى اتبعه فى ولايته السابقة، حيث استخدم التعريفات الجمركية كسلاح تفاوضى وسياسي، وهذه التهديدات، سواء نُفذت أم لا، تُحدث أثرًا فوريًا على الأسواق المالية، فتزيد من مستويات عدم اليقين وتؤخر قرارات الاستثمار وتربك سلاسل الإمداد العالمية. الأمر لا يقتصر على التأثير الاقتصادى فحسب، بل يعمق الشعور بأن الاقتصاد العالمى يسير فى دوامة مستمرة من الإجراءات والتراجعات، مما ينعكس سلبًا على ثقة المستثمرين وصناع القرار فى الاستقرار طويل الأجل».
«عثمان» أضاف أنه «رغم أن الهدف المعلن من هذه الرسوم هو الضغط على شركاء تجاريين مثل الصين وأوروبا، فإن المتضرر الأكبر حتى الآن يبدو أنه الاقتصاد الأمريكى ذاته. فالشركات والمستهلكون الأمريكيون هم من تحملوا الكلفة الفعلية لهذه الرسوم، عبر ارتفاع الأسعار وتراجع القدرة الشرائية، إلى جانب تضرر قطاعات حيوية مثل الزراعة والصناعة، وتشير تقديرات اقتصادية إلى أن تلك السياسات كلفت الاقتصاد الأمريكى عشرات المليارات من الدولارات، وربما تخفض من معدل نمو الناتج المحلي».