رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

شجر(ة) الدر ومارى أنطوانيت (2-2) دراما القباقيب وتراجيــديا المقصلة


18-7-2025 | 09:34

.

طباعة
بقلـم: د. جيهان زكى

تحدثنا الأسبوع الماضى فى الجزء الأول من المقال عن امرأتين فى زمنين ومكانين مختلفين تماماً اسماهما رنانان فى السيرة البشرية، السلطانة شجرة الدر التى ولدت فى بلاد الشرق والملكة مارى أنطوانيت التى تربعت على عرش فرنسا.. اليوم وفى السطور التالية نكمل حكايتهما وهى حكاية تستحق التأمل.. وسنجيب عن تساؤل القارئ حول وجود التاء المربوطة فى اسم شجر«ة» الدر بين قوسين.

رغم الصرامة السياسية والقوة الظاهرية التى تميزت بهما شجرة الدر إلا أنها كانت تحمل قلباً نابضاً بالحياة وتهوى الفنون وشغوفة بالحُلى والأزياء، ودائما ما تحرص على تقديم أناقة الفكر من خلال السلطة وأناقة الطلة البهية من خلال الفساتين والمجوهرات وهكذا أنشأت لبلاطها هوية جديدة: أنوثة ذات هيبة، وملكية ذات لمسة حرير.

عُرفت شجرة الدر بحبها للأحجار الكريمة واللؤلؤ النادر، وكانت تمتلك خزائن فاخرة من الياقوت والزمرد.

وقد شاركت مصممى القصر فى رسومات خواتم من الزمرد على شكل أزهار، وقلائد مطعمة باللآلئ الشرقية وأزياء فخمة ومطرزة بالأحجار الكريمة وبخيوط الذهب والدانتيل الدمشقي.

سعت من خلال أزياء ذات طابع شرقي-فارسى مميز لتقديم نموذج جديد للمرأة الشرقية الحاكمة وأيضاً إعادة صياغة الهوية البصرية للبلاط الملكى فجمعت بين الحشمة والهيبة والزينة، وأثّرت فى أزياء نساء البلاط والطبقة الأرستقراطية.

فى المقابل إذا نظرنا للغرب فإن مارى أنطوانيت لم تحكم فرنسا بشكل رسمي، لكنها أثرت فى القرار السياسي، وأصبحت فى نظر العامة “أيقونة الفساد” فى بلاطٍ أنهكته التناقضات والصراعات. كانت مارى عاشقة لكل ما يلمع ويتألق، لم تكن المجوهرات بالنسبة لها مجرد زينة، بل كانت امتدادًا لهويتها، وأداتها السحرية لكسر القيود ولتأكيد مكانتها الملكية فى عالم البروتوكول الذى لا يعرف الرحمة للغرباء. أذكر هنا أن مارى أنطوانيت كانت قد تزوجت لويس السادس عشر وهى فى الرابعة عشرة، لتصبح ملكة فرنسا فى سن المراهقة. وهنا وجدت نفسها كالـ”سجينة” فى قصر فرساي، حيث الانغلاق الفكرى وقيود منظومة ثقيلة ومعقدة من البروتوكول الفرنسى والنظرة الحادة للأجنبيات. فراحت مارى أنطوانيت تنغمس فى حياة موازية خلقتها لنفسها حتى تتنفس وتجارى هذا البلاط الملكى الصلب وهذا الزوج فاقد شغف الحياة كما وصفته الوثائق التاريخية.

بوصفها ملكة فرنسا، فقد بالغت فى فرض سطوتها على دور المجوهرات وبيوت الأزياء الباريسية، والمطالبة بأحدث ما وصل إليه المبدعون حيث كانت تحب تنسيق ثوبها مع الحجر النفيس وأنه مصمم خصيصًا له.. احتكمت مارى أنطوانيت فى خزائنها على القلائد المرصعة بالألماس، والتيجان الذهبية، والأقراط اللامعة، وكانت عندما ترتديها، وكأنها نجوم نزلت من السماء لتخدم جمالها الفريد.

أما الأزياء، فكانت شغفها الأكبر.. تماماً مثل شجرة الدر قبل أربعة قرون، جعلت مارى أنطوانيت من قصر فرساى منصة عرض أزياء غير رسمية، وابتكرت أسلوبا خاصا بها بمساعدة المصممة الشهيرة «روز بيرتَن»، فها هى تظهر بفساتين من الحرير الناعم والدانتيل الفاخر، وترتدى القبعات الضخمة المزينة بالريش والزهور، فصكت رمزًا حديثا للأناقة التى تحوى فى تفاصيلها عبق الحضارة الفرنسية، ولكن مبالغة مارى أنطوانيت فى الترف وعدم اكتراثها بأحوال الشعب، ولا بأى تكاليف أو مصروفات لحفلاتها وأزيائها ومجوهراتها.. فتحول هذا البذخ إلى جدال وردودها العقيمة إلى شرخ بينها وبين الشعب، ولعل رواية العقد الألماس الذى كتب فصلًا من نهايتها لهو أوضح مثال على الصورة الصارخة للتبذير وانفصال الملكة عن معاناة الناس.

النهاية التى صمّمها القدر!

فى عام 1785 اشتعلت باريس بفضيحة قلادة ضخمة مرصعة بـ 647 ماسة، كانت قد صُنعت لعشيقة سابقة للملك لويس الخامس عشر، ثم عُرضت لاحقًا على مارى أنطوانيت التى رفضتها. لكن المحتالة “مدام دو لا موت” أوهمت الكاردينال دو روهان أن الملكة ترغب فى اقتنائها سرًا، ونصبت فخًا معقّدًا انتهى بسرقة القلادة وتفكيكها وبيعها، رغم أن الملكة لم تكن طرفًا فى المؤامرة، فإن اسمها التصق بها، ووجد الإعلام الثورى ضالته فى تصويرها على أنها رمزية للفساد والانفصال عن الواقع. اعتقد عامة الناس أنها اشترت القلادة بينما كانت فرنسا غارقة فى الجوع، مع تصاعد الغضب الشعبي، بدأت الثورة الفرنسية عام 1789، وبعد محاولتها الفاشلة للهرب، أُلقى القبض عليها، وأُعدمت فى 1793 بتهمة الخيانة، صعدت مارى أنطوانيت إلى المقصلة بثوب أبيض بسيط، بعد أن كانت محاطة بكل ما يلمع، وسقط رأسها وسط صيحات «العدالة».

أما عن شجرة الدر، فرغم إنجازاتها فقد انتهت حياتها نهاية درامية بعد صراعات على الحكم، ولأن السلطة لا ترحم من يُمسك بها، كانت النهاية موجعة.

تزوجت السلطانة من عز الدين أيبك، ظنّا منها أنه يحبها وأنها ستحكم معه، غير أنه أراد السلطة وحده وبعد أن ترك زوجته الأولى «أم على» طمعاً فى العرض المغرى واعتلاء العرش، غلبه شر نفسه وخان العهد وتآمر على رفيقة دربه شجرة الدر ودخلا معا دائرة النهاية، قتلته ثم قتلت بالقباقيب وجُرّ جسدها خارج القصر، ودُفن ما تبقى منها من شتات فى ضريح بسيط.

قتلت شجرة الدر على يد «أم على» التى كان أيبك أعادها إلى عصمته بهدف كيد الملكة وظناً منه أنه سينال السلطة والجاه والمال والبنين.. لم يبق من هذه الدراما سوى حلو «أم على» الذى وزعته على الشعب فرحة بالتخلص من شجرة الدر وبقيت قصة القباقيب التى انهالت على جسدها.

ولكن لم يتبق شيء من حلى وأقراط وأساور السلطانة التى أحبت المجوهرات بقدر ما أحبت مصر، فلما توقعت نهايتها، راحت تصحنها كى لا تلبسها امرأة من بعدها!.

شتّان بين ظروف النشأة، وبين الحالتين السياسيتين، لكن الجامع بينهما هو أن المجتمع، فى كلتا الحالتين، لم يغفر للمرأة إن هى اقتربت أكثر من اللازم من مراكز القوة والنفوذ. فحين تتجاوز المرأة ذلك «الخط غير المرئي» الذى رسمه لها المجتمع - سواء أكانت شرقية أم غربية - تصبح «غير مدرجة»، ويُعاد تعريفها!.

وعود على بدء عزيزى القارئ، فإن التاء المربوطة فى اسم «شجر(ة) الدر» والتى وضعتها بين قوسين لأن شجر هو الاسم الذى ورد فى أغلب الكتب التاريخية القديمة والمعاصرة، وشجر هنا لا تعنى جمع «شجرة» بالمعنى النباتي، بل هو من الأسماء المركبة الأنثوية التى شاع استخدامها للجوارى فى العصرين الأيوبى والمملوكى مثل «ورد المنى» أو «قمر الزمان».

وتدور الأيام، وتظل المرأة تواجه الأقدار والأيام!

 

وسام «جوقة الشرف»

لـ «جيهان زكى»

تهنئ مجلة «المصور» الدكتورة جيهان زكي، عضو مجلس النواب، بمناسبة منحها وسام «جوقة الشرف» برتبة «فارس» من قبل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تقديرا لمسيرتها الحافلة بالعطاء الثقافي والدبلوماسي.

وتسعد أسرة «المصور» بهذا التكريم لما تمثله الدكتورة جيهان زكي من قيمة وطنية وفكرية، خاصة أنها من كتاب المجلة، وأثرت صفحاتها بمقالات رصينة تناولت الشأن الثقافي والحضاري المصري من منظور مستنير وعميق.

 
 

أخبار الساعة

الاكثر قراءة