بعد إعلان الرئيس الأمريكى دونالد ترامب وقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران فى اليوم الثانى عشر من المواجهات، ساد التوتر والترقُب فى الشرق الأوسط، خاصة خرق الطرفين للهدنة خلال ساعاتها الأولى، ورغم محاولات تهدئة الميدان، إلا أن الخروقات المتبادلة حوّلت المشهد إلى قنبلة موقوتة، وسط ضبابية تُحيط بمصير التهدئة.
فالمواجهات التى استمرت حتى اللحظة الأخيرة قبيل الهدنة، والانتهاكات التى تلتها، تكشف هشاشة الاتفاق، وسعى كل طرف إلى تحقيق مكاسب استراتيجية ولو على حساب استقرار الإقليم.
فى هذا السياق، حاورنا الخبير فى الشؤون الإيرانية، الدكتور محمد عبادى، الذى يُسلّط الضوء على كواليس القرار الإيرانى، والتهديدات التى تواجه النظام داخليًا وخارجيًا، فى ظل حرب لم تُحسم، وهدنة تبدو هشة، وسلام ما زال بعيد المنال.
فى ضوء اتفاق وقف إطلاق النار «الهش».. هل تعود إيران إلى طاولة التفاوض؟
أعتقد بعد تصريح وزير الخارجية الإيرانى، عباس عراقجى، عن كيفية العودة إلى طاولة المفاوضات بشأن البرنامج النووى بعد أن نسفت إسرائيل والولايات المتحدة هذه المفاوضات، أن لحظة الضعف التى تعيشها إيران ستدفعها إلى خيار تطوير سلاح نووى ليكون بمثابة خط الدفاع الأخير عن وجودها. وقد ألمحت طهران إلى أن برنامجها النووى سيتحول بالكامل إلى السرية، مما ينذر بانسحاب محتمل من معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية، وهو ما سيفتح الباب أمامها للمضى قدمًا دون قيود دولية. ومن الضرورى أن تعترف إيران بأن مشروعها القائم على شبكة الوكلاء الإقليميين، كحزب الله اللبناني، والحوثيين فى اليمن، قد تعرض لأضرار جسيمة، وأن جبهتها الأمامية الدفاعية باتت هشة. ويجب على إيران أن تقف وقفة صريحة مع الذات لإعادة تقييم استراتيجياتها، وإلا فإن غياب الإرادة السياسية سيجعلها عاجزة عن تجاوز أزمتها، مما قد يقود فى نهاية المطاف إلى سقوط النظام الإيرانى نفسه.
وإلى أى مدى أثرت الضربات الأخيرة على البرنامج النووى الإيرانى وقدراته الصاروخية؟
على مستوى المنشآت النووية، يبدو أنها تضررت، وفقا للتقييمات الحالية، وعادت لسنوات إلى الوراء، حيث تم تدمير المنشآت الرئيسية فى «نطنز» و«أصفهان»، وبالتالى تضررت أجهزة الطرد المركزى بمختلف أجيالها: الأول والثانى والثالث حتى السادس، وسلسلة العمليات كلها. وعلى مستوى الوقود المعدنى الذى يغذى المفاعلات النووية بالطاقة، أو حتى على مستوى القدرات الفنية، والأخطر من ذلك الكوادر البشرية، فقد تم اغتيال سبعة عشر عالمًا نوويًّا.
هل تفتقد إيران لسلاح الجو؟ وهل انتهت منظومة الدفاع الجوى الإيرانية؟
نحن نتحدث عن سلاح الجو وسلاح الدفاع والهجوم. فيما يتعلق بالطائرات الإيرانية، فطهران لديها قوة جوية تشمل طائرات سوخوى وفانتوم وطائرات روسية وطرازات أمريكية قديمة حصلت عليها قبل الثورة الإسلامية عام 1979. لذلك، فإن سلاح الجو الإيرانى معروف بأنه متآكل، ومنذ سنوات طويلة، وبسبب العقوبات المفروضة على إيران وحظر التسليح، لم تستطِع تحديث أسطولها الجوي، وبالتالى الطائرات قديمة ومتهالكة وتفتقد الفاعلية. والدليل على ذلك حادثة تحطم طائرة الرئيس الإيرانى إبراهيم رئيسي، وكان السبب الأول أن هذه الطائرة تحتاج إلى قطع غيار وتجهيزات خاصة لم تستطِع إيران جلبها. ولذلك لا تستطيع القوات الجوية الإيرانية أن تخوض معركة مع طائرات «إف - 16» و«إف- 22» الأمريكية، فضلًا عن القاذفات الاستراتيجية.
الأمر الثانى هو منظومة الدفاع. إيران دائمًا ما تعلن أنها عززت قدراتها فى هذا المجال، لأنها تعلم أنها لا تستطيع تصنيع طائرات عسكرية، وليس لديها التكنولوجيا أو الشراكات اللازمة بسبب حظر التسليح. لذلك، استثمرت فى منظومة الدفاع الجوي، فاعتمدت على منظومة معقدة ومركبة، مثل «خرداد 15»، ومنظومات «باور 373» و«آرمان»، وكلها منظومات محلية متنوعة ومتطورة تكمل بعضها بعضا. وهناك أنظمة دفاع جوى روسية مثل منظومة «إس - 300»، وأنظمة أخرى قديمة صينية وأمريكية.
ماذا يحدث فى الشأن الداخلى لإيران؟
تحدث الرئيس الإيرانى مسعود بزشكيان عن ضرورة تماسك الصف الداخلي، وعلى الشعب أن يقف خلف قيادته. تعلم إيران أن الضربة التى تعرضت لها كانت قوية للغاية، والداخل تعرض لصدمة، لذلك خاطب المرشد الأعلى الشعب الإيرانى بأن القيادة لا تزال قادرة على التحكم فى المشهد والسيطرة، ومن ثم يمكنهم الاطمئنان والوقوف خلف قيادتهم. أصبح الشارع الإيرانى لديه حس قومى عالٍ، وهو يقف خلف القيادة حتى لو كانت هناك مظالم بسبب الأوضاع الاقتصادية وآلية الحكم، لأن البلاد تتعرض لعدوان خارجي.
كما ترى القيادة الإيرانية أن المظاهرات التى كانت مستمرة سابقًا قد تُستغل لضرب النظام من الداخل، وقد دعا نتنياهو قبل أشهر الشعب الإيرانى مباشرة إلى الانقلاب على النظام، لذلك يعمل النظام الآن على ترميم منظومة القيادة والسيطرة عن طريق التعيينات المباشرة التى أصدرها المرشد فى المناطق التى قُتل قادتها. ويحرص النظام الآن على مخاطبة الشعب مباشرة، وحثه على الثقة فى القيادة التى ستوجه ردًا حاسمًا ضد إسرائيل. والآن الأمة الإيرانية، قيادة وشعبًا، فى حالة انكسار. إيران -كما حزب الله فى لبنان- شهدت انهيارًا فى القيادة والسيطرة عند اغتيال فؤاد شكر. لذلك، هى بالتأكيد لن تقدم تنازلات اليوم، لأن نتنياهو لن يرحم، وسيواصل طريقه لإسقاط النظام.
وأخيراً ما هو مصير عملاء الموساد فى إيران؟
هناك الآن حملة محمومة فى إيران من قِبل أجهزة الأمن للقبض على عملاء الموساد. والسبب أن هذه الخلايا بادرت بالكشف عن نفسها والقيام بعمليات مكشوفة. وربما هناك تعاون بين الشعب والأمن لرصد أى حركة مشبوهة، وطهران جاهزة بالطائرات المسيّرة لرصد الأهداف.
