رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

قانون الإيجار القديم.. ومأزق إنهاء العلاقة الإيجارية


26-6-2025 | 23:24

.

طباعة
بقلـم: محمد الحنفى

ما من شك أن أجواء التوتر والتحديات الخطيرة التى تهدد المنطقة العربية كافة بسبب اندلاع الحرب «الإيرانية - الإسرائيلية»، ولا أحد يعلم متى تنتهى، أو إلى ما ستنتهى -تستوجب اصطفافًا وطنيًا وصلابة غير مسبوقة للجبهة الداخلية، فى وقت ندرك فيه أن الوطن مستهدف، وأن أطماع العدو الصهيونى معروفة ومعلومة، لا سيما إذا انتصر فى هذه الحرب «لا قدر الله»، رغم يقينى أن لنا جيشا عظيما قويا رادعا لأى معتدٍ، قادر على حمايتنا، والذود عن كل حبة رمل أو ذرة تراب من أرضنا المقدسة.

 

هذا الاصطفاف الوطنى، الذى دائمًا ما يتحقق عند استشعار أى مخاطر يمكن أن تحدق بنا أو تهدد أمننا القومى بل والعربى -يجعلنا ننأى به عن أى شيء يمكن أن يمسه، أو يُحدث انقسامًا فى الشارع المصرى الذى عوّدنا أن نكون يدًا واحدة مع جيشه العظيم وشرطته الوطنية القوية فى الأزمات، ودائمًا ما كان حصنًا منيعًا حال دون المساس بالبلاد على مر العصور.

لكنى -وبكل أسف- أرى الحكومة مُصرّة ومُصممة على تصدير أزمة اسمها مشروع قانون الإيجار القديم، هذا المشروع الذى سيدخل مرحلة الحسم بالتصويت عليه فى مجلس النواب يوم الأحد القادم الموافق 29 من الشهر الجارى -أحدث بالفعل انقسامًا خطيرًا فى الجبهة الداخلية، واشتباكًا وشيكًا بين ملايين المستأجرين والمُلاك بشكل بات يهدد الأمن القومى والسلم الاجتماعى، كان يمكن احتواؤه ببساطة لو تنازلت الحكومة عن البند الخاص بتحرير العلاقة بين المالك والمستأجر، هذه العلاقة التى حددتها المحكمة الدستورية العُليا فى حكمها الصادر عام 2002 فى المد لجيل واحد فقط، بعد أن كانت عقود الإيجار أبدية تنتهى بهدم المبانى أو انهيارها.

 كان يمكن احتواء الأزمة المرتقبة لو اكتفت الحكومة بإصدار قانون يقضى بزيادة سنوية عادلة للأجرة الشهرية تنفيذًا لحكم الدستورية العُليا الأخير الصادر فى نوفمبر من عام 2024 الذى لم يتطرق إلى إنهاء العلاقة الإيجارية، وهو حلٌ يرضى جميع الأطراف، حلٌ يعيد الحقوق المشروعة إلى المُلاك فى الحصول على عوائد مُجزية تعوّض ما كانوا يتحصلون عليه من فتات، ويضمن الستر والحماية لملايين البسطاء والفقراء والشيوخ من أصحاب المعاشات والمرضى طريحى الفراش من المستأجرين الذين لا حول لهم ولا قوة، وظروفهم المادية والصحية لا تسمح بطردهم أو تشريدهم فى الشوارع، وهم فى خريف العمر.

لماذا تصرّ الحكومة على إصدار قانون قد يشوبه عوار دستورى؟ قانون من السهل الطعن عليه بعدم الدستورية؟، ناهيك عما قد يُحدثه من تعكير الصفو العام وتهديد السلم المجتمعى، وما يمكن أن يقود إلى إثارة مشكلات لا وقت لها، لا سيما أنها -أقصد الحكومة- لم تقدم حلولًا بديلة تضمن الستر والأمان لأكثر من 10 ملايين مواطن على الأقل، معرضين للطرد من شققهم بعد 7 سنوات، اللهم إلا أولوية وليس التزامًا، فى الحصول على شقق بمشروعات إسكان مستقبلية تنفذها الدولة، وربما لا تتوفر بالفعل خلال هذه الفترة القصيرة المحددة لإنهاء العلاقة الإيجارية القديمة.

هل فكرت الحكومة وهى تضع خطوط وبنود هذا المشروع بقانون بشكل موضوعى وواقعى فى المصير المظلم المحتمل الذى ينتظر هؤلاء المستأجرين من شاغرى الشقق أو المحال التجارية؟ ولماذا مالت كل الميل نحو المُلاك ولم تكن موضوعية أو محايدة؟

على أية حال.. الكرة الآن فى ملعب مجلس النواب الموقر، وعلى رأسه قيمة وقامة قانونية كبيرة وفقيه فقهاء المحكمة الدستورية العليا ورئيسها السابق الدكتور حنفى جبالى، رئيس مجلس النواب، الذى كان رئيس هيئة المفوضين وقت إصدار حكم الدستورية العليا عام 2002 الشهير الذى حمل رقم 105 لسنة 2019 قضائية، الذى أكد دستورية المادة 18 من القانون 136 لسنة 1981 الخاصة بالامتداد القانونى للأماكن المؤجرة لغرض السكنى، لضرورة اجتماعية شديدة الإلحاح، وللحفاظ على الأمن والسلم المجتمعى، كما أكد الحكم فى حيثياته ضرورة الوفاء بهذه العقود، ووصفها بغير المؤبدة، وجعل نهايتها مرهونة بوفاة الدرجة الأولى للمستأجر، ومن ثمَّ فقد ألغى الحكم أبدية تلك العقود وقصر الامتداد أو التوريث على جيل واحد فقط، شريطة إقامته إقامة كاملة هادئة ومستقرة لمدة عام على الأقل قبل وفاة المستأجر الأصلى.

وسؤالى الآن: هل سيوافق مجلس النواب على قانون يتعارض مع حكم المحكمة الدستورية العليا؟ وهل سيسمح الدكتور حنفى جبالى بذلك؟

هل سيوافق حزب الأغلبية «مستقبل وطن» على مشروع القانون الذى سبق أن رفضه بالإجماع بسبب الفقرة الخاصة بتحرير العلاقة بين المالك والمستأجر بعد 5 سنوات، لمجرد أنه مد الفترة لـ7 سنوات؟

هنا دعونى أذكّركم بحكم الدستورية العليا الصادر فى عام 2011 بشأن الدعوى التى حملت رقم 105 لسنة 1981 التى طالب مقدمها بإلغاء امتداد عقود الإيجار، فهذا الحكم أكد امتداد عقد الإيجار لغرض السكنى لجيل واحد، ورفض الدعوى المقامة بعدم دستورية الامتداد، أى أن حكم الدستورية العليا فى 2011 قد أكد أنه بمقتضى المادتين 48 و49 من قانون محكمة مصر العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 79، يصبح للمحكمة حجية مطلقة، لا تقبل تأويلًا أو تعقيبًا من أى جهة، مهما بلغت سلطتها أو قوتها أو أهميتها.

وأنتم يا مَن تتبنون مشروع القانون، وترون أنه لا شبهة دستورية فيه، وأن إصداره سيجعل حكم الدستورية العليا عام 2002 كالعدم، ألا ترون أنكم تقللون من شأن أحكام المحكمة الدستورية العليا النافذة على الكافة، وتتناسون أنها رقيب على السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية؟، أى أنها فى مكانة أسمى من تلك السلطات، باعتبارها الوحيدة صاحبة الحق فى الحكم بدستورية القوانين من عدمها، وأنها الجهة الوحيدة أيضًا صاحبة الحق فى مراقبة القوانين؟، إذًا كيف لمجلس النواب الذى له حق التشريع أن يفتئت على أحكام الدستورية المحصنة بالمادة 195 من الدستور، التى تنص على ضرورة نشر الأحكام والقرارات الصادرة من المحكمة الدستورية العليا فى الجريدة الرسمية، وأن تكون ملزمة للكافة ولجميع السلطات، فضلًا عن كونها تمتلك حجية مطلقة لا تقبل الجدل كما سبق أن ذكرت؟

نفهم من ذلك أن إصدار أى تشريع أو قانون يخالف أحكام المحكمة الدستورية العليا سيكون مصيره الإلغاء وهو أمر لا يليق بمجلس النواب الحالى.

التساؤل الأخير: لمصلحة مَن إحداث انقسام بين فئات الشعب فى هذه الظروف الراهنة الحرجة؟ لمصلحة مَن طرد وتشريد ملايين المصريين فى الشوارع؟ لمصلحة مَن هذا الاحتقان المكتوم؟ من هنا أتوجه إلى الرئيس عبدالفتاح السيسى، ربان سفينة الوطن، وزعيم الأمة، وحبيب الملايين، والمنحاز دومًا إلى الفئات غير القادرة، أناشده كى يتدخل لتعديل القانون أو تجميده فى الفترة الراهنة، وكلّى ثقة أن الرئيس الذى قضى على العشوائيات وقدم مبادرة القرن «حياة كريمة» لا يمكن أن يقبل بأى حال من الأحوال طرد الملايين من أصحاب المعاشات والأرامل والمسنين فى الشوارع، وهو يعلم أن مستأجرى شقق الأحياء الراقية قلة لا تمثل 5 فى المائة، بينما الـ95 فى المائة الباقية فقراء يسكنون الأحياء الشعبية، ليس بمقدورهم الحصول على مساكن بديلة.

أناشدك يا سيادة الرئيس، وبمناسبة الذكرى الثانية عشرة لثورة 30 يونيو المجيدة، أن تتدخل لنزع فتيل الأزمة، وتنهى حالة الانقسام المحتمل بحذف الفقرة الثانية من القانون والخاصة بتحرير العلاقة الإيجارية.. دع العلاقة تُصفِّ نفسها بنفسها وفق حكم الدستورية العليا الذى ألغى أبديتها وقصرها على جيل واحد، أو بإلزام الحكومة بتوفير بديل لائق يضمن ستر الملايين الذين طالما أحبوك.

لقد عودتنا يا سيادة الرئيس بحكمتك ورحابة صدرك وسعة أفقك على التدخل فى الوقت المناسب لإنهاء عديد من الأزمات أو المشكلات التى كثيرًا ما عجزت الحكومة عن حلها، وربما كانت أصعب بكثير من أزمة قانون الإيجار القديم.

الاكثر قراءة