رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

مصر تجدد موقفها.. خفض العنف وإقامة الدولة الفلسطينية وإخلاء المنطقة من أسلحة الدمار الشامل


26-6-2025 | 23:18

.

طباعة
بقلـم: حلمى النمنم

تثير الحرب الإيرانية - الإسرائيلية العديد من القضايا التى تستحق أن نتأملها بتدقيق وعناية، ذلك أن هذه الحرب ليست بعيدة تماما عنا، ولم تظهر فجأة ولا من الفراغ.. والمؤكد أن بعض آثارها سوف تنعكس علينا، وعلى كل دول المنطقة كذلك.

من التاريخ نعرف أن الحروب كانت تقع غالبا بسبب مناوشات على الحدود، أو لوجود أطماع لدولة فى ضم أو قضم بعض أجزاء من دولة مجاورة، كما هو الحال بين روسيا وأوكرانيا منذ سنة 2022، وهنا لا بد من تحرك القوات البرية، مشاة ومدفعية، ومن الوارد أن يسقط ضحايا كُثر من الجيوش المتحاربة.

الحرب الإيرانية - الإسرائيلية تقع بين دولتين ليس بينهما حدود مشتركة، ومن ثم ليس هناك أطماع من أى منهما فى امتلاك أو ضم جزء إليها من أرض الطرف الآخر، ولذا نلاحظ أن القوات البرية فى الدولتين لم تتدخل، لم تتحرك القوات الإسرائيلية على الأرض كما جرى فى غزة منذ السابع من أكتوبر.

الحرب هنا تتم كلها بالطائرات المقاتلة أو المسيّرة والصواريخ طويلة المدى أو الفرط صوتية، وفى هذه الحالة تصبح الكثير من المبانى والمنشآت المدنية، بما فيها العمارات السكنية أهدافا متاحة أمام كل طرف. ولا يكون الاستهداف -فقط- للمنشآت الحربية، كل طرف لديه بنك أهداف تتعلق بالبنية التحتية، محطات وقود، مصانع، منشآت عادية، مكاتب حكومية، مقر القنوات التليفزيونية والصحفية، وهكذا.

هنا لا يكون مقبولا عدم الاهتمام بالجاهزية القتالية والحربية، حتى لو لم تكن الحدود البرية مهددة أو ليس على أبوابها عدو أو خصم، قد يكون العدو بعيدًا عن حدودك، لكنه يستهدفك لأسباب أخرى، ليس من بينها احتلال الأراضى أو اقتحام الحدود، المقصود بالجاهزية القتالية هنا هى حروب الجو والفضاء بكافة أدواتها وأسلحتها.

مثل هذا النوع من الحروب يحتاج إلى وجود أجهزة أو جهاز مخابرات قوى وجسور، يكون قادرًا على جمع المعلومات عن الخصم أو من يمكن أن يصبح خصماً وتحديد الأهداف بدقة بالغة، وهذا يعنى توافر إمكانات هائلة، أهونها الإمكانات المادية.

نتابع منذ سنوات الحرب المخابراتية بين إيران وإسرائيل، تجنيد العملاء المحليين بكثافة، وتلك قضية كبرى وبالغة الخطورة، ثبت أن هناك وحدات كاملة للموساد الإسرائيلى تمركزت داخل إيران وأقامت مواقع مؤمّنة، أتاحت لها تهريب وإنشاء قاعدة داخل إيران للمسيّرات الإسرائيلية. إيران أيضا كان لها عملاء داخل إسرائيل، وقامت بعمليات داخل إسرائيل، لكن الواضح تفوق إسرائيل فى هذا الجانب منذ اغتيال كبير العلماء الإيرانيين فخر زاده سنة 2022، ثم اغتيال إسماعيل هنية العام الماضى داخل مقر مؤمّن للحرس الثورى فى قلب العاصمة طهران.

الطريف أن بعض الجواسيس داخل إيران كانوا يتعاملون مع الموساد عبر السوشيال ميديا ورسائل الواتس آب، أى أن التخابر علنا ومكشوف، فقط لمَن يدقق ويدرك.. والحق أن السوشيال ميديا باتت بابًا للاختراق المخابراتى والمعلوماتى، فى كثير من المجتمعات، تتابعها أجهزة المعلومات والمخابرات، دعنا الآن من مقولة إن السوشيال فى الأصل فكرة مخابراتية، الثرثرات الفارغة من البعض، وسخافات البعض، تتحول إلى كنز معلومات وانكشاف للمجتمع والدولة، قديما كنا نتندر بحكايات «المطار السرى»، لكن الآن هناك السوشيال بكل ما فيها من معلومات وفضائح، وتطوع بالكشف والانكشاف، حتى إن الجهات المسئولة فى إيران أوقفت الواتس والسوشيال فترة؛ تجنبا لمزيد من الانكشاف وتواصل العلماء، فتطوع «إيلون ماسك» صاحب «X» بتفعيلها، أى الإصرار على الاختراق والانكشاف.

ما قامت به المخابرات الإسرائيلية فى إيران وجنوب لبنان بحاجة إلى أن يُدرس جيدا، فى الجنوب اللبنانى تطوع بعض أعضاء نافذين فى حزب الله بالعمل لصالح الموساد، أشهرهم المنشد الدينى وذلك الذى دل على والده، وثالث سلم عمه الذى رباه للقتل، نماذج وحالات بحاجة إلى أن تدرس بعمق شديد.

طوال التاريخ كان الجواسيس والعسس لهم دور فى الحروب، لكن ما نراه اليوم يختلف اختلافا كبيرا، باتت أعمال التخابر ركنا رئيسا فى هكذا حروب، الضربة الإسرائيلية الأولى اعتمدت على الجانب المخابراتى من ألفها إلى يائها، واستفادت من سوء تقدير القادة الإيرانيين.

فى جانب السوشيال ميديا والاختراق المخابراتى لها، لا بد من التوقف عند تربص السوشيال ميديا بالجيوش الوطنية، تسليحها وتنظيمها ومشاركتها فى عمليات التنمية، وغير ذلك كثير، هذا التربص المقصود، الذى يصل حدود التشهير، قد يكون فى جانب منه عملية مخابراتية من جهاز أو دولة بعينها، ضد الجيش الوطنى، أتحدث تحديدا عن الجيش المصرى وسخافات البعض وأحقاد البعض الآخرين، هل هى مجرد مشاعر سوداوية، ناكرة للوطنية المصرية وكارهة للدولة، أم أنها مهمة مخابراتية كُلِّف بها هؤلاء أم هما معا؟

الوقائع فى المنطقة، سواء ما جرى فى غزة منذ السابع من أكتوبر، وكذا جنوب لبنان، ثم ما بين إيران وإسرائيل، وقبلها ما جرى فى سوريا الشقيقة منذ يوم 8 ديسمبر الماضى، حيث تم حل الجيش السورى وتدمير أسلحته ومواقعه -يجب أن ينبهنا إلى خطورة ما يجرى من بعض دعاة الفوضى والأناركية مع فلول الجماعة الإرهابية، فضلا عن العملاء لأجهزة نراها فى المنطقة.

لا أمان للدولة ولا سلام للمجتمع دون وجود جيش وطنى قوى يسهر على حماية الحدود، أولا وحماية الداخل كذلك، أو لنقل الحدود البرية، وهناك أيضا الحدود الجوية فى سماء ملبّدة بالمسيّرات والصواريخ.

حروب المسيّرات والصواريخ لا تُحسم بضربة قاضية، كما هى الحال فى الحرب البرية، معركة الدبابات الكبرى فى سيناء أثناء حرب أكتوبر 1973 نموذجا، ولكن تُحسم بالنقاط، لذا فإنها يكمن أن تطول وتصبح حرب استنزاف ممتدة، هدفها تخريب كل شيء، البنية التحتية، كمساكن المواطنين وتهجيرهم، المؤسسات الإنتاجية، أى الانهيار الاقتصادى والإنسانى والاجتماعى، ينهار المجتمع من داخله، وقد ينهار النظام السياسى أيضا.

وإذا لم تكن الحرب صراعًا على الحدود والاستيلاء على أراضى الغير، فإنها قد تكون حروبا أو صراعات هوية، ما يجرى الآن هو فى جانب كبير منه صراع هوية بين القومية الإيرانية (الفارسية) مطعمة بالروح الإسلامية، على طريقة «الولى الفقيه» والمذهب الشيعي، الذى يُبنى على المظلومية والاستشهاد فى مواجهة استعانة الصهيونية بخلفياتها التوراتية والتاريخ القديم جدا، الذى يعود إلى عدة آلاف من السنوات.

وقد يكون صراعا على النفوذ فى المنطقة، لمَن السيادة والهيمنة، المشروع الإيرانى بأذرعه الممتدة فى عدة دول عربية وعلى حدود إسرائيل والمشروع الإسرائيلى الذى يمثل قاطرة الغرب فى المنطقة منذ سنة 1948، بكل قيم وروح الاستعمار الغربى القديم والجديد منه.

ببساطة صراع هيمنة، سواء بالهوية الثقافية والقومية أو بالسيطرة وفرض النفوذ داخل الإقليم، هذا النوع من الصراع قد يستغرق سنوات وأجيالا، لا يحل بين يوم وليلة ولا تحسمه موقعة حربية، إلا إذا كانت قاصمة قاضية، كما جرى فى هيروشيما وناجازاكى صيف سنة 1945، بين اليابان والولايات المتحدة، الخطورة فيما هو حادث الآن بين إيران وإسرائيل، أن كلا منهما لديه مفاعل نووى، به يورانيوم مخصب، أى أن خطأ بشريا ما، أو لحظة جنون من أى طرف، أو حتى خطأ بشرى غير مقصود فى لحظات الارتباك -يمكن أن يعرض دول المنطقة لإشعاعات نووية مدمرة لأجيال.

إذا حدث ذلك جراء الهجمات الإسرائيلية على المفاعلات فى إيران، فإن الخطر سوف يكون على الشعب الإيرانى، ثم بالدرجة نفسها على دول الخليج العربى، والمسافة قريبة جدا، وربما على بعض مناطق العراق المجاورة لإيران.

وإذا حدث ذلك بالنسبة لمفاعل ديمونة فى صحراء النقب، وقد هددت إيران باستهدافه فإن الخطر سوف يطال مباشرة سكان غزة والضفة الغربية، أى الفلسطينيين قبل الإسرائيليين، ونعرف القلق الذى ساور البعض بخصوص إمكانية أن يصل الإشعاع إلى سيناء، خاصة فى الشمال، لكن الخبراء وهيئة الطاقة الذرية أكدوا أن سيناء ومصر بعيدة عن هذا الخطر.

مع ملاحظة أن أحدا لا يعرف على وجه التحديد ماذا لدى إيران بالضبط فى مفاعلاتها، ولا ما هو لدى إسرائيل، منطقة غامضة وعمياء، لكن التحذير الروسى من أن استهداف مفاعل بوشهر الإيرانى سوف يؤدى إلى نتيجة تشبه ما جرى فى مفاعل تشرنوبل أواخر سنوات الاتحاد السوفييتى -أمر يجب أن يثير قلق الجميع، حول العالم.

المدهش حقا أن العالم والمؤسسات الدولية تتعامل وكأن الأمر لا يعنيها، الكل يعلق الجرس فى رقبة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب والموقف الذى سوف يتخذه، وقد اتخذ ترامب موقفه بالغارات التى نفذتها القوات الأمريكية على المفاعلات الإيرانية فجر السبت، وتبين أن إيران - ربما كان لديها علم سبق - فأخلت المفاعل من اليورانيوم عالى التخصيب، مما جنب إيران والمنطقة خطراً مميتاً.

حتى الذين لم يشتركوا فى هذه الحرب يمكن أن يقع الضرر الشديد عليهم، ومن هنا يمكن أن نتفهم جيدا ونقدر الموقف المصرى الذى يطالب من اللحظة الأولى بخفض وتيرة العنف وتجنيب المنطقة حربا شاملة تدمر كل شيء. وكان الموقف المصرى مبكرا جدا ضد الهجمة الإسرائيلية، واستنكرت الخارجية المصرية ذلك بشدة، ثم فى موقف الرئيس عبدالفتاح السيسى ومكالمته مع الرئيس الإيرانى مسعود بزشكيان، التى جدد فيها الرفض المصرى للعدوان الإسرائيلي.

الموقف المصرى واضح جدا منذ سنوات بعيدة دعت مصر إلى ضرورة إخلاء المنطقة من السلاح النووى وكافة أسلحة التدمير الشامل، وتبنت مصر مبادرة بهذا المعنى عُرضت على الأمم المتحدة.

الآن مع الهجمات المتبادلة والتخوف من تسريب إشعاعى من المفاعلات النووية فى إيران أو مفاعل ديمونة فى إسرائيل، بات ضروريا الدعوة والعمل جديا على إخلاء المنطقة.. ويكفى ما بها من صراعات تقليدية لم يتم حسمها، فهل نضيف المخزون النووى أيضا؟

وأم المشاكل فى المنطقة هى عدم قيام دولة فلسطينية مستقلة، وفق المبادرة العربية، إذا قامت الدولة الفلسطينية فلن يكون هناك مبرر لوجود «فيلق القدس» بالحرس الثورى الإيرانى، ولا إنشاء أذرع إيرانية فى أى دول عربية ولا هجمات إرهابية.

أخبار الساعة

الاكثر قراءة