رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

ألمانيا تراهن على «أوكرانيا» هل تنجح فى استعادة زعامة القارة العجوز؟


8-6-2025 | 19:31

المستشار الألمانى فريدريش ميرز مع الرئيس الأوكرانى فولوديمير زيلينسكى

طباعة
تقرير : سلمى أمجد

مع تولى المستشار الألمانى الجديد، فريدريش ميرز، منصبه، يواجه اختبارًا حاسمًا فى التعامل مع التهديدات الروسية المتزايدة فى المنطقة، ورئيس أمريكى عازم على جعل حلفاء «الناتو» يتحملون المزيد من العبء فى الدفاع عن أنفسهم. وسط الضغوط المحيطة من كل الجهات، تقع على عاتق ألمانيا، أكبر اقتصاد فى القارة العجوز، مسئولية اتخاذ دور قيادى أكبر، وتقديم مساهمات أكبر لحماية تحالف الناتو من خلال زيادة الإنفاق الدفاعي، وبناء أول قاعدة عسكرية فى الخارج، وتعزيز الدعم العسكرى لأوكرانيا.

أبرزت زيارة الرئيس الأوكرانى فولوديمير زيلينسكى الأخيرة إلى برلين، جهود الدولة لإعادة ترسيخ القيادة الألمانية بين الحلفاء الأوروبيين، وتعزيز حضورها على الساحة العالمية فى الوقت الذى تنأى فيه الولايات المتحدة بنفسها عن الصراع، وتُجبر فيه أوروبا على تولى زمام المبادرة. وقد صرح «ميرز»، دون الخوض فى تفاصيل، أن ألمانيا ستعزز دعمها لأوكرانيا، بمزيد من التمويل لتعزيز الإنتاج المحلى للأسلحة - بما فى ذلك الأسلحة بعيدة المدى - وإرسال المزيد من المعدات العسكرية إلى كييف. كما أيد «ميرز» توسيع العقوبات لإجبار الرئيس الروسى فلاديمير بوتين على الموافقة على وقف إطلاق النار.

ويمثل احتضان «ميرز» لزيلينسكى تناقضًا صارخًا مع العلاقة الفاترة فى البداية التى كانت تربط أولاف شولتس، المستشار الألمانى السابق، بالزعيم الأوكراني، حيث لم يزر شولتس أوكرانيا إلا بعد عام من بدء الحرب. لكن بعد ثلاثة أيام فقط من أدائه اليمين، سافر «ميرز» إلى أوكرانيا، مما يسلط الضوء على تغير جذرى فى الاستراتيجية الألمانية.

تعقيبًا على ما سبق، قال علاء ثابت، عميد الجالية المصرية بألمانيا، لـ«المصور» إن زيارة زيلينسكى لبرلين بمثابة رسالة دعم ألمانى للرئيس الأوكراني، وهى أول زيارة منذ تولى «ميرز» منصب المستشار. وتعد ألمانيا أكبر داعم لأوكرانيا بعد الولايات المتحدة. كذلك، هذه الزيارة موجهة للداخل الألمانى فى ظل الانتقادات من زيادة دعم كييف. حيث ترغب ألمانيا فى إقناع الشعب بوجوب الوقوف بجوار أوكرانيا بالدعم المادى والسلاح لخطورة الحرب، وهو أمر فى غاية الصعوبة.

أكد «ثابت» أن ألمانيا هى قاطرة الاتحاد الأوروبى، والضامن الأوروبى للشراكة الاستراتيجية طويلة الأمد لأوكرانيا، وأن المساعدة تتجاوز الدعم العسكرى، وتفتح الباب أمام الدور الألمانى فى إعادة بناء أوكرانيا ما بعد الحرب، وهو دور مهم جدًا وينعكس على المحادثات المشتركة مع الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون، ورئيس الوزراء البريطانى كير ستارمر.

وقد جعل «ميرز» الإنفاق العسكرى حجر الزاوية فى أجندته بعد التغييرات الكبيرة، التى أحدثتها الحرب الروسية - الأوكرانية فى المشهد الأمنى الأوروبي. وقبل أن يؤدى اليمين الدستورية كمستشار، نسق تصويتًا لتغيير دستور البلاد لفصل الإنفاق العسكرى عن حد الاقتراض الألمانى فى سابقة من نوعها بعد اعتماد ألمانيا سياسة «كبح الديون» لفترة طويلة. هذا القرار التاريخى الذى أقره البرلمان الألمانى «البوندستاغ»، يسمح للحكومة بإنفاق مئات المليارات من اليورو على الجيش. وأشار وزير الخارجية الألمانى، يوهان فادفول، مؤخرًا إلى استعداد ألمانيا لزيادة الإنفاق إلى ما يصل إلى 3.5 فى المائة من ناتجها الاقتصادى على الدفاع، و1.5 فى المائة أخرى على البنية التحتية الدفاعية الأساسية. ومن المتوقع أن يكون هذا الالتزام موضوعًا رئيسيًا عندما يجتمع أعضاء الناتو فى لاهاى فى 24 يونيو الجارى.

وفى خطابه السياسى الرئيسى الأول أمام البرلمان، تعهد «ميرز» أن يصبح الجيش الألمانى «أقوى جيش تقليدى فى أوروبا». كما زار ليتوانيا للاحتفال بأول وحدة عسكرية ألمانية دائمة فى الخارج منذ الحرب العالمية الثانية. وهو تغيير تاريخى لبلد احتله النازيون بوحشية قبل ثمانية عقود. وستضم وحدة القتال الثقيلة الجديدة، لواء الدبابات 45، 4800 جندى ألمانى و200 موظف مدني. ومن المقرر أن تصل إلى كامل قدرتها التشغيلية بحلول عام 2027. ويهدف هذا الانتشار، غير المسبوق للجيش الألماني، إلى تعزيز دفاع ليتوانيا وجمهوريات البلطيق الأخرى: إستونيا ولاتفيا، الدولتان السوفييتان السابقتان اللتان أصبحتا عضوين فى الناتو والاتحاد الأوروبي، وتخشى هجومًا روسيًا معاديًا. حيث تمثل الوحدة الألمانية درع حماية للجناح الشرقى لحلف شمال الأطلسى «الناتو”.

وقد رحب الشركاء الأوروبيون بخطط «ميرز» القوية باعتبارها «نقطة تحول» فى سياسة الدفاع الألمانية. وعلى صعيد آخر، رغم التحديات الاقتصادية الأخيرة، لا تزال ألمانيا أكبر اقتصاد فى أوروبا، وتلعب دورًا حاسمًا فى النمو الاقتصادى للقارة. وفى الفترة القادمة، تسعى إلى تعميق التعاون الاقتصادى مع الحلفاء فى الحلف، وتعزيز مكانتها كوجهة للأعمال.

ومع ذلك، يبدو أن الطريق أمام ألمانيا لاستعادة زعامة القارة العجوز سيكون مليئًا بالتحديات. حيث كشف تقرير حديث أعدته إيفا هوغل، المفوضة البرلمانية للقوات المسلحة الألمانية، أن العديد من الثكنات العسكرية متداعية، وأن بعض مرافق التدريب - مثل الصالات الرياضية - مغلقة بشكل دائم، وأن حتى الأسوار الأساسية المحيطة ببعض القواعد العسكرية بحاجة إلى إصلاحات. ووجد التقرير أن بعض الكوادر العسكرية عالية التدريب عالقة فى وظائف إدارية وغير قادرة على العمل فى المراكز التى تدربوا عليها، وأن العديد من الوحدات غير جاهزة للعمل بسبب نقص الكوادر. حيث يبلغ عدد الجيش الألمانى 181.500 جندى فقط. وستحتاج البلاد، وفقًا لرئيس اتحاد الجيش الألماني، أندريه فيستنر، إلى ما يصل إلى 260 ألف جندى فى الخدمة الفعلية لتلبية متطلبات الدفاع المتزايدة للحلف، وهى زيادة كبيرة مقارنة بالهدف الحالى 203 آلاف جندى.

وعلى الرغم من تخصيص 100 مليار يورو فى السابق لشراء أنظمة أسلحة جديدة ومتطورة، إلا أن العديد من الوحدات اضطرت إلى الاستغناء عن معدات كافية مثل الدبابات أو مدافع الهاوتزر، نظرًا لإرسال كميات كبيرة من الأسلحة إلى أوكرانيا. كما تظل الذخائر وقطع الغيار غير كافية لتلبية احتياجات الجيش لفترة طويلة فى حالة وقوع هجوم. وبينما يُطالب حزب الديمقراطيين المسيحيين بتفعيل نظام التجنيد الإجبارى الذى أوقفته ألمانيا عام 2011، يواصل شركاؤه فى الائتلاف الحكومى، الحزب الاشتراكى الديمقراطى، رفض هذه الفكرة. لذلك تستعد الحكومة الألمانية لإطلاق برنامج جديد للخدمة العسكرية التطوعية يتضمن إرسال استبيان إلى جميع الرجال فى عمر 18 عامًا لتقييم مدى كفاءتهم للخدمة. كما يمكن للنساء المشاركة طوعًا. وفى النهاية، لا نغفل عن المخاوف التاريخية من عودة الهيمنة الألمانية، مما سيتطلب من ألمانيا جهودًا مضاعفة لتعزيز نفوذها مع الحرص على تحقيق توازن والحفاظ على علاقتها مع الشركاء فى القارة.

أخبار الساعة

الاكثر قراءة