رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

«القاهرة - موسكو» وانطلاقة قوية نحو علاقات اقتصادية غير مسبوقة اتحاد «الجنيه والروبل»


7-6-2025 | 14:04

.

طباعة
تقرير: محمد رجب

تغييرات غير مسبوقة شهدتها العلاقات «المصرية - الروسية» خلال السنوات الماضية، تُوِّجت بإعلان الشراكة الاستراتيجية الشاملة فى عام 2018، ومنذ ذلك الحين، حافظ الزعيمان، الرئيس عبدالفتاح السيسى والرئيس الروسى فلاديمير بوتين، على وتيرة عالية من التواصل المباشر، توَّجتها زيارة الرئيس السيسى، ومشاركة وزير الاستثمار فى الدورة الـ15 للجنة المصرية - الروسية المشتركة بموسكو.

عكست الزيارة اهتمام مصر بتعزيز شراكاتها الدولية، والاستفادة من الخبرات والاستثمارات الروسية فى مجالات حيوية، وسط إشادات من خبراء الاقتصاد بدور السياسة المصرية فى استعادة الشركاء الاستراتيجيين وتوسيع آفاق التعاون الثنائى، حيث وقّعت روسيا ومصر اتفاقًا بشأن الحق طويل الأجل فى استخدام قطعة أرض داخل المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، وذلك فى إطار إنشاء منطقة صناعية روسية على الأراضى المصرية، تلعب دورًا محوريًّا فى تعزيز الشراكة الصناعية، حيث من المتوقع أن تستقطب استثمارات بمليارات الدولارات وتوفر آلاف فرص العمل، وستكون هذه المنطقة منصة لإنتاج وتصدير منتجات روسية إلى إفريقيا والشرق الأوسط، ما يعزز دور مصر كمركز إقليمى للتصنيع والخدمات اللوجستية.

ووفق الاتفاقية تسوى مصر وروسيا 40 فى المائة من معاملاتهما التجارية المشتركة بعملات أخرى بخلاف اليورو والدولار، بحسب ما قاله وزير الصناعة والتجارة الروسى أنطون أليخانوف، قبل أن يضيف أن «العملات الأخرى تشمل العملات المحلية، وأن هناك المزيد ليتم عمله بهذا الشأن، وهو ما جرت مناقشته خلال اجتماعات اللجنة الحكومية المشتركة، وبحسب أليخانوف، نمت التجارة بين مصر وروسيا 32 فى المائة العام الماضى لتجاوز 9 مليارات دولار، وهى أعلى 150 فى المائة عن مستوياتها قبل 5 أعوام».

ووفق تصريحات صحفية لأنطون أليخانوف، وزير الصناعة والتجارة الروسى، فإن «الشروط التفضيلية المنصوص عليها فى الاتفاق ستمتد لمدة ثلاث سنوات، وتم توقيع الوثيقة بين الهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس وشركة روسية خاصة تم تأسيسها مؤخرًا، ستتولى دور المطور للمشروع».

وأوضح الوزير: سنعمل على تحفيز الشركات الروسية وإطلاعها على المزايا التى ستجنيها من الوصول إلى أسواق الدول الأخرى. فمصر لديها أكثر من 70 اتفاقية تجارة حرة مع دول فى مناطق مجاورة، وبالتالى فإن الإنتاج فى هذه المنطقة سيوفر فرصة دخول عشرات الأسواق فى إفريقيا والشرق الأوسط.

وأعرب عدد من شركات الأدوية بالفعل عن اهتمامها بالمشاركة فى المشروع. وقال أليخانوف: «ناقشنا عقود توريد محتملة فى السوق المصرى ذاته، لتأمين حصة سوقية داخل البلاد، مع التوجه المستهدف نحو أسواق الدول الأخرى كما ذكرت سابقًا».

وأضاف أن «شركات من قطاعات الصناعات الكيميائية، والهندسة الميكانيكية، ومواد البناء قد تكون من بين المشاركين المحتملين فى المنطقة الصناعية الروسية، موضحًا أن «الاهتمام الرئيسى من الجانب المصرى يتركز فى مجالات الهندسة والمنتجات المعقدة، لكننا لا نحصر أنفسنا فى ذلك. هناك أيضًا صناعات كيميائية متنوعة، ليست فقط فى المجال الصيدلي، ومواد البناء، خاصة أن مصر تشهد حاليًّا نشاطًا مكثفًا فى بناء المدن الجديدة».

وفى هذا السياق، قال الدكتور مصطفى خليل، عضو مجلس الأعمال المصرى - الروسى: إن «العلاقات بين مصر وروسيا تتسم بالقوة والمتانة، مشيرًا إلى أن هذه العلاقات شهدت تطورًا ملحوظًا على مر العقود، وخصوصًا فى السنوات الأخيرة»، موضحا أن «حجم التبادل التجارى بين البلدين زاد بسبب تنوع العلاقات بين البلدين فى كل المناحى الاقتصادية، وحتى على المستوى الثقافى، فإن هناك تعاونا كبيرا».

وأضاف «خليل»، أن دخول مصر فى مجموعة «بريكس» وتزايد الثقة فى المنتجات الروسية والمصرية يعكسان أهمية هذه الشراكة، متابعًا أن المنتجات الزراعية المصرية تحظى بإقبال كبير فى الأسواق الروسية، مما يفتح آفاقًا واسعة للتعاون المشترك بين البلدين، وفيما يتعلق بالتحولات فى العلاقات الدولية.

وأشار «خليل» إلى أن مصر تعد شريكًا مهمًا لروسيا فى منطقة الشرق الأوسط، ولفت إلى أن مصر أصبحت محطة لوجستية هامة للمنتجات الروسية فى ظل الظروف الحالية التى تمر بها روسيا، خاصة بعد تأثيرات الحرب مع أوكرانيا، مؤكدا أن المنطقة الاقتصادية لقناة السويس تمثل بوابة مهمة لإعادة تصدير المنتجات الروسية إلى الأسواق العالمية والإفريقية.

«خليل»، تابع أن «الشراكة الاستراتيجية بين مصر وروسيا تتجاوز البعد الاقتصادى، حيث تتوافق المواقف السياسية بين البلدين فى العديد من القضايا الدولية، كما أن السياسة المتوازنة التى تنتهجها مصر تتيح لها تعزيز علاقاتها مع كل من الشرق والغرب، مما يضمن مصالح مصر الاقتصادية والسياسية».

من ناحيته، قال الخبير الاقتصادى، هانى أبو الفتوح: إن «مشاركة الرئيس السيسى فى احتفالات روسيا بالذكرى الـ80 لعيد النصر تؤكد عمق العلاقات الاقتصادية بين مصر وروسيا، وإن هذه الشراكة تنمو بقوة فى ظل تحديات عالمية، وتظهر رغبة مشتركة لتعزيز التعاون»، موضحًا أن «حجم التبادل التجارى بين البلدين بلغ نحو 9 مليارات دولار فى 2024، بزيادة 30 فى المائة وأن هذا النمو –حتى مع التباين- يعكس ثقة متبادلة بين الجانبين المصرى والروسى».

ولفت إلى أن أهم الاستثمارات الروسية المرتقبة فى مصر تشمل المنطقة الصناعية فى قناة السويس بـ7 مليارات دولار، ومحطة الضبعة النووية بـ30 مليار دولار، ومصنع أسمدة بمليار دولار، موضحا أن هذه المشروعات ستدعم الاقتصاد المصرى بشكل كبير، خاصة فى الطاقة والصناعة.

وأضاف أن العلاقات الاقتصادية ستشهد قفزة هامة قريبًا، مع خطط استخدام العملات المحلية، مما قد يرفع التبادل إلى 10 مليارات دولار خلال 5 سنوات، وكذلك فتح آفاق جديدة فى الزراعة والتصنيع.

ووفقا لـ«أبو الفتوح»، فإن تعزيز الشراكة الآن يعنى تنويع الاقتصاد المصرى بعيدًا عن الغرب، خاصة مع العقوبات على روسيا، كما يدعم الأمن الغذائى عبر استيراد القمح، ويعزز الطاقة بمشاريع مثل الضبعة، خاصة أن تقليل الاعتماد على الدولار يقوى استقلال مصر اقتصاديًا، لكن تجب موازنته مع شركاء آخرين، مشيرًا إلى أن «الصادرات المصرية بلغت نحو 600 مليون دولار نحو روسيا فى العام 2024، ما يعنى أن الميزان التجارى يميل لصالح روسيا».

وأضاف أن «الصادرات المصرية إلى روسيا معظمها تتركز فى المنتجات الزراعية، فى مقابل واردات القمح والذرة وبعض المعادن والمنتجات الأخرى»، متابعًا أن «الميزان التجارى بين البلدين مؤهل للزيادة بدرجة كبيرة، خاصة فى ظل العلاقات التاريخية بين البلدين، كما أن المنتجات الروسية أمامها فرص كبيرة للوصول إلى السوق الروسى، خاصة البديلة للمنتجات الأوروبية التى كانت تصدر لروسيا وتأثرت بسبب الاضطرابات بين روسيا والغرب».

ولفت إلى أن «المنطقة الصناعية الروسية فى قناة السويس ستدفع بالميزان التجارى نحو النمو بصورة ملحوظة، بالإضافة إلى زيادة الاستثمارات المباشرة، داخل المنطقة الصناعية لقناة السويس، كما أن الاستثمارات المباشرة فى المنطقة الصناعية لقناة السويس، يجب أن تركز على الصادرات مرة أخرى، وعدم الاقتصار على الداخل المصري، خاصة أن الصادرات نحو الخارج تمهد بشكل كبير لتعزيز الجنيه أمام العملات الأخرى».

من جانبه اعتبر الدكتور إسلام شاهين، أستاذ الاقتصاد، أن «الانتقال إلى استخدام العملات المحلية فى التسويات المالية يمثل خطوة استراتيجية قد تُحدث تحولًا جذريًّا فى الاقتصاد المصري، حيث يسهم هذا التحول فى تعزيز استقرار سعر الصرف من خلال تقليل الاعتماد على الدولار، مما يحُد من التقلبات الحادة فى سوق الصرف»، مؤكدا أن هذا بدوره قد يُساعد فى خفض معدلات التضخم وتحسين مؤشرات الاقتصاد الكلي، مما يعزز من القدرة الشرائية للمواطنين، ويُساهم فى استقرار السوق المحلية.

وأضاف «شاهين»، أن «استخدام الجنيه المصرى فى المعاملات التجارية مع دول مثل روسيا والسعودية يُعزز من حجم التبادل التجارى ويسهم فى دعم التكامل الاقتصادى مع الدول الإفريقية والآسيوية، وهذا التوجه يمكن أن يساعد مصر فى تنويع شراكاتها التجارية، مما يعزز من قدرتها على مواجهة الأزمات الاقتصادية العالمية. كما أن تقليل التكاليف المرتبطة بتبادل العملات الأجنبية قد يُعزز من تنافسية المنتجات المصرية فى الأسواق الخارجية».

وأكد الخبير الاقتصادى على ضرورة تعزيز التعاون مع البنوك المركزية وتوقيع اتفاقيات تبادل عملات مع الدول الشريكة كخطوات أساسية للتغلب على هذه العقبات، كما أشار إلى أن زيادة التبادل التجارى مع روسيا يمكن أن يعزز عددًا من القطاعات الاقتصادية المصرية.

بدوره، قال الدكتور جمال الدين البيومى، أمين عام اتحاد المستثمرين العرب، أن «العلاقات المصرية - الروسية مرت بتراجع فى فترات سابقة، إلا أن مصر استطاعت استعادة هذه العلاقات مجددًا»، مشيرًا إلى أن هذا يُظهر مدى حكمة وفاعلية السياسة الخارجية المصرية فى إدارة ملفات الشراكة الدولية.

وأوضح «البيومى» أن نسبة التبادل التجارى بين مصر وروسيا كانت تصل فى وقت سابق إلى 60 فى المائة، ما يعنى أن السوق الروسى يمثل فرصة مهمة للصادرات المصرية، معربًا عن ثقته بأن مصر ستستفيد مجددًا من هذا التعاون فى ظل الاستقرار السياسى والدبلوماسى الحالي.

من جانبه، قال الدكتور على الإدريسى، أستاذ الاقتصاد الدولى: إن العلاقات الاقتصادية بين مصر وروسيا تشهد نموًا ملحوظًا خلال الفترة الأخيرة، فى ظل توقيع اتفاقيات استراتيجية وتنفيذ مشروعات استثمارية ضخمة تهدف إلى تعميق التعاون الثنائى ودعم الاقتصاد الوطني، هذا ما يؤكده حجم التبادل التجارى بين مصر وروسيا الذى بلغ نحو 7.2 مليار دولار خلال عام 2023، مشيرًا إلى أن روسيا استحوذت على أكثر من 80 فى المائة من واردات مصر من القمح، بكمية تتجاوز 8 ملايين طن، ما يعكس أهمية الشريك الروسى فى تأمين احتياجات مصر الغذائية.

وأشار أستاذ الاقتصاد الدولى إلى أن الاستثمارات الروسية فى مصر تقدر بنحو 4.5 مليار دولار، وتشمل مشروعات كبرى أبرزها محطة الضبعة النووية، التى تمثل خطوة نوعية فى قطاع الطاقة المصري، إلى جانب المنطقة الصناعية الروسية بالمنطقة الاقتصادية لقناة السويس، والتى يُنتظر أن تصل استثماراتها إلى 7.5 مليار دولار.

وأضاف «الإدريسى»، أن «تلك المؤشرات تعكس توجه الدولة المصرية نحو تنويع شراكاتها الاقتصادية مع قوى دولية مؤثرة مثل روسيا، بما يسهم فى تحقيق أهداف التنمية المستدامة وتعزيز قدرة الاقتصاد الوطنى على مواجهة التحديات العالمية والإقليمية».

وقال الدكتور رامى عاشور، أستاذ العلاقات الدولية: إن التطور اللافت الذى تشهده العلاقات المصرية - الروسية فى الآونة الأخيرة، هو استمرار للعلاقات التاريخية الوطيدة التى جمعت بين مصر والاتحاد السوفييتى سابقًا، مؤكدًا استمرار هذا التعاون فى ظل التحديات المشتركة وتوافق المواقف بين البلدين، موضحا أن روسيا تولى تقديرًا كبيرًا لمصر، خاصة بعد عام 2014، نظرًا لتوجه روسيا الثابت ضد التنظيمات المسلحة والإرهابية.

وأشار إلى أن روسيا صنفت المباحثات مع مصر على المستوى السياسى بـ«رفيعة المستوى» والتى لا تطبقها روسيا إلا مع دول قليلة تعتبر قوى كبرى، مشيرا إلى التكرار اللافت للزيارات المتبادلة بين البلدين، لافتًا إلى أن الرئيس السيسى يعد من أكثر الرؤساء مشاركة فى الاحتفالات السنوية لذكرى الانتصار على النازية فى روسيا، وهو ما يعزز اللقاءات الثنائية والتعاون فى الملفات الأمنية المشتركة، مثل مكافحة الإرهاب والتطرف، وجهود إخلاء منطقة الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل، ومواجهة التهديدات الأمنية فى المنطقة.

وحول ما إذا كانت العلاقات تتجاوز التعاون المرحلى نحو شراكة استراتيجية، أكد «د. عاشور»، أن العلاقات المصرية - الروسية تشهد بالفعل نوعًا من الشراكة الاستراتيجية، موضحًا أن هذه الشراكة تنبع من الاشتراك فى التحديات والتهديدات الإقليمية، حيث يتلاقى الموقف الروسى فى كثير من جوانبه مع الموقف المصرى فى مواجهة هذه التحديات، على عكس بعض الاختلاف فى المواقف مع الولايات المتحدة الأمريكية.

ونوه بأن التوجهات المصرية تتجه نحو التوافق مع المواقف الروسية بشكل أكبر، خاصة على المستوى الأمنى، نظرًا للخبرة الكبيرة التى يمتلكها الجيش المصرى فى مكافحة الإرهاب، والتى تتوازى مع الخبرة الواسعة للجيش الروسى على المستوى العالمى فى هذا المجال.

وأشار «د. عاشور» إلى أن هناك توجهًا لتعزيز التعاون الاقتصادى بين دول البريكس لتقويض الهيمنة الدولارية، خاصة بعد «انكشاف الوجه الحقيقى» لدونالد ترامب، على حد تعبيره، لافتًا إلى أن روسيا اعتمدت الجنيه المصرى فى التبادلات التجارية مع مصر ودول البريكس، ورأى أن مصر، فى ظل قيادة الرئيس السيسى، تمثل نموذجًا لقوة الدولة وهو ما يعزز العلاقات الثنائية.

 
 
 

أخبار الساعة

الاكثر قراءة