هذا كتاب مهم كتب فى مقدمته المثقف صبرى سعيد إحدى قيادات الثقافة الجماهيرية الآن، ورئيس تحرير سلسلة «حكاية مصر» التى تصدر عن الثقافة الجماهيرية. يكتب كلمة مهمة فى مقدمة هذا الكتاب: «ثمن الحرية.. المصريون فى مواجهة الاحتلال». يكتب: قدر مصر أن تكون قوية، الكاتب المصرى ذو المذاق الخاص إبداعاً وفكراً، لخَّص كتابه ثمن الحرية الذى بين يدى القارئ ضمن سلسلة حكاية مصر برشاقة فكرية لا مثيل لها وتعبير حكيم ودال يلخص بالفعل فكرة الكتاب كله.
يأخذنا المؤلف محمد السيد عيد «12 نوفمبر 1947» شارحاً ومؤلفاً ومتوغلاً فى ثنايا تاريخ مصر الحديث المعاصر لإظهار مدى مقاومة المصريين لكل أنواع الاحتلال، استعرض المؤلف بداية الأطماع الأوروبية منذ الفرنسيين وحملتهم على مصر وحتى نصر أكتوبر والعبور العظيم عام 1973.
يكتُب المؤلف عن الكبار: صلاح عبد الصبور، ونجيب سرور، وعبد الرحمن الشرقاوى، وبيرم التونسي، وعزيز عيد. وما قدموه من مسلسلات تليفزيونية وإذاعية، وصاحب هذا الكتاب متعدد المواهب ناقد وسيناريست وابن بار للثقافة الجماهيرية الحقيقية التى تغيَّر اسمها للهيئة العامة لقصور الثقافة، والتى عمل بها حتى وصل لنائب رئيس الهيئة.
أما صاحب المقدمة صبرى سعيد فقد سبق أن تشرَّف برئاسة هيئة الثقافة الجماهيرية ذات التاريخ الطويل والثرى لاكتشاف المواهب الفنية بكل أنواعها، ونال شرف رئاسة تحرير إحدى سلاسلها لعلنا جميعاً نستطيع أن نحقق لمصر ما تستحقه.
قدر مصر
قدر مصر أن تكون قوية، هذه حكمة التاريخ المصرى الطويل، اقرأ تاريخ مصر منذ أقدم العصور وستجد التاريخ يؤكد لك هذه القاعدة فى كل سطر من سطوره، لذلك ليس غريباً أن تكون مصر من أولى الدول صاحبة الامبراطوريات الشاسعة، كما أنه ليس غريباً أن تكون صاحبة أول حرب تحرير فى التاريخ.
وليس غريباً أن تكون فى فترات قوتها صاحبة ممالك تمتد من الشرق الآسيوى إلى الغرب الإفريقي، وأن تقع فى فترات ضعفها تحت احتلال الفرس واليونان والرومان وغيرها من تلك الأمم، ولكن لأنها بلد لا تعرف الأمور الوسط، فهى سرعان ما تعود سيدة قوية يهابها الجميع، تمتلك حريتها وإرادتها بكل قوة وعزيمة.
لابد أن أؤكد أن النخبة المصرية لم تنظر إلى الاحتلال التركى على أنه احتلال أجنبى يجب التخلص منه، بل نظروا وقتها إليه باعتباره قد يمثل أصلاً من أصول الدين. ونفس هذا الموقف رآه مصطفى كامل الذى كان ينادى بالاستقلال عن الاستعمار الأوروبي، ولكنه لم ينظر إلى التبعية التركية نفس النظرة.
بل إن أحمد شوقى أعظم شعراء العربية جميعاً كان يقول القصائد العصماء فى مدح الخلفاء، وتمجيد كل ما يتعلق بدولة الخلافة. ولم يتغير وضع شوقى إلا بعد دخول سليم الأول إلى مصر. وعموماً كان الاحتلال التركى أجنبياً على طول الخط.
حروبنا مع العدو الإسرائيلى
دخلت مصر 4 حروب مع العدو الإسرائيلى هى: حرب 1948، حرب 1956، حرب 1967، حرب 1973، ومن المعروف تاريخياً أن الهزيمة وقعت فى الخامس من يونيو سنة 1967، وتحقق النصر فى السادس من أكتوبر 1973، وبين هذين التاريخين جرت أمور شديدة الأهمية، حيث إن جيشنا العظيم قرر الانتصار لمصر.
ويكفى ما جرى فى حرب الاستنزاف العظيمة، فقد جرى فى هذه الحرب تكبيد العدو أكبر قدر ممكن من الخسائر ليعرف أن بقاءه فى سيناء لن يكون سهلاً، بل سيدفع الثمن غالياً. وتم رفع معنويات الجندى المصرى وإكساب الثقة التى اهتزت فى يونيو 1967. التأثير فى الموقف السياسي، حيث إن السياسة ترتبط بالعمليات العسكرية ونتائجها.
تجربة العبور الكبرى
يقول المؤلف إن حرب الاستنزاف كانت تجربة حقيقية للعبور العظيم، بدأت يوم 8 مارس 1969، وكانت بداية ساخنة، راحت المدفعية المصرية تدُك العدو فى المنطقة الشرقية للقناة، وحين فكرت بعض المواقع فى الرد أسكتتها مدفعيتنا بوابل من النيران، وتكبد العدو خسائر فادحة فى هذا اليوم.
وفى اليوم التالى قرر الفريق عبد المنعم رياض رئيس أركان حرب الجيش المصرى العظيم أن يتفقد الجبهة، وعبد المنعم رياض من قرية سيبرباى القريبة من طنطا، مولود فى 22 أكتوبر 1919، تلقَّى تعليمه المبكر فى كُتَّاب القرية، ثم انتقل إلى المدارس بالقاهرة، حيث كان والده يعمل قائد بلوكات الطلبة بالكلية الحربية، التحق بكلية الطب ولكنه تركها بعد عامين ليدخل الكلية الحربية عام 1936، وكان ضمن الدفعة الطالب جمال عبد الناصر. والملاحظ أن عبد الناصر أيضاً دخل كلية أخرى غير الكلية الحربية ثم غيَّر اتجاهه ودخل الحربية. وهكذا نقرأ فيما كتبه هؤلاء القادة العظام.
الفريق فوزى يتكلم
تحدث الفريق أول محمد فوزى فى كتابه: حرب السنوات الست، وهو الوزير الذى تمت هذه المعركة فى عهده، قال:
- ظهرت أهمية لسان بور توفيق بعد عملية إصابة معمل تكرير الوقود ومخازنه فى الزيتية جنوب السويس، حيث إن موقع اللسان مكَّنهم من استخدام النيران مباشرة ضد منطقة البترول وميناء الأدبية، فضلاً عن عدم إمكانية استخدام ميناء السويس نفسه. وهكذا تمت التدريبات من أجل الهدف الكبير وهو إحراز النصر على العدو الإسرائيلي.
يكتب الفريق أول محمد فوزى عن حرب الاستنزاف فيرى أنها كانت استكمالاً لمرحلة الصمود والدفاع النشط. وتعد هى المرحلة التحضيرية والعملية لحرب أكتوبر 1973 فى ظل الظروف التى كانت سائدة بعد هزيمة 1967، وبالإضافة لذلك فإن شن هذه الحرب كان بمنزلة رسالة مستمرة إلى شعوب العالم أن مصر ودول المواجهة لم تنس أرضها المحتلة. وأنها ستعمل بكل الوسائل على تحرير الأرض بالقوة العسكرية.
إنها الحرب.. إنها الحرب
وقف الفريق أول محمد أحمد صادق القائد العام للقوات المسلحة ووزير الحربية مُرحِّباً بالفريق سعد الدين الشاذلى رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية قائلاً:
- أهلاً يا سيادة الفريق، تفضل.
جلس الجميع في يقظة. بادره الفريق أول صادق:
- أرجو أن تكون جاهزاً لطرح موقف القوات ومدى استعدادها للحرب
- جاهز يافندم.
وبدأ الفريق سعد الدين الشاذلى يقدم موقفنا القتالى فى البر والبحر والجو. وبعد هذا اللقاء وافق السادات على الخطتين، على أن يكون التركيز على خطة المآذن العالية. وبعد فترة وجيزة أقال الرئيس السادات الفريق أول صادق لهجومه على السوفييت وسط الجنود وجاء أحمد إسماعيل وزيراً للحربية، وكان بينه وبين الرئيس السادات اتفاق فى الهدف من الحرب. وصارت خطة المآذن العالية، لكنها لم تكون كل شيء. كانت سرية تماماً لا يعرف عنها السوفييت أى شيء أو غيرهم أى شيء.
فى برج العرب
مساء يوم 21 سبتمبر 1973 كان محمد حسنين هيكل على موعد مع الرئيس السادات فى استراحة برج العرب. لم يكن الرئيس فى الاستراحة. بل كان فى الكابينة الموجودة على الشاطئ. استقبل الرئيس السادات هيكل، نظر فى الأفق فى نوبة تأمل وشرود، ثم قال وكأنه يخاطب نفسه:
- القرار بالنسبة لكم جميعاً تعامل مع الأفكار والتقديرات والاحتمالات. أما بالنسبة لى فالقرار تعامل مع الحياة أو الموت.
ثم التفت إلى هيكل وقال:
- ليس من حق أحد أن يلومنى مهما كانت النتائج. قرار الحرب هو ما كانت البلد تريده. وما لم يكن منه على أى حال مفر. ولست أعرف كيف سيأخذ الناس حجم خسائرهم فى القتال؟ لكن أحداً لا يحق له أن يتوجه إلىَّ بلومٍ أو بنقد. كان هذا ما فرضته الظروف ويفرضه الواجب. وقد أديته. أما ما يحدث بعد ذلك....
بعد فترة صمت ثقيلة التفت إلى هيكل وقال له:
- أحمد «يقصد أحمد إسماعيل» يطلب توجيهاً سياسياً مكتوباً يتضمن الأمر بالبدء فى القتال ويحدد هدف العمليات.
ناقش الرئيس السادات هيكل الذى سيكتب التوجيه فى بعض التفاصيل. ثم طلب منه كتابة التوجيه. وحين أرسل السادات التكليف للفريق أول أحمد إسماعيل، جرت بعض التعديلات للتكليف الذى كان ينص فى صياغته الجديدة على إزالة الجمود العسكرى الحالى بكسر وقف إطلاق النار اعتباراً من يوم 6 أكتوبر 1973، وتكبيد العدو أكبر خسائر ممكنة فى الأفراد والمعدات والأسلحة. والعمل على تحرير الأرض المحتلة على مراحل متتالية حسب نمو وتطور إمكانيات وقدرات القوات المسلحة.
وتنفذ هذه المهام بواسطة القوات المسلحة المصرية منفردة أو بالتعاون مع القوات المسلحة السورية.
9 رمضان 1393 – 5 أكتوبر 1973
أنور السادات – رئيس الجمهورية
إنها فصول يرويها لنا المقاتل محمد السيد عيد فى كتابه المهم: ثمن الحرية.. المصريون فى مواجهة الاحتلال.
