رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

السلام تصنعه وتضمن استمراره القوة .. تسليح الجيش المصرى وقوته


7-6-2025 | 13:50

.

طباعة
بقلـم: حلمى النمنم

مجددًا، عادت نبرة القلق من تسليح الجيش المصرى فى الصحافة والمواقع الإسرائيلية، هذه المرة ليست عبر كُتاب ومحللين فقط، بل بواسطة خبراء عسكريين، فى الاحتياط. نبرة القلق تبدو فى تساؤلات مثل: هل ينقض المصريون معاهدة السلام؟ ولماذا كل هذا التسليح؟ وفيمَ يُستخدم؟.. تساؤلات كثيرة من هذا النوع.

سوف نلاحظ أن معظم هذه التساؤلات أثارها فى وقت ما إعلام جماعة حسن البنا الإرهابية، وكذلك بعض الذين تبنوا «الفوضى الخلاقة» فى مصر سنة 2011 وما بعدها، وقد يدعونا الأمر إلى السؤال التالى: هل ثمة علاقة ما بين هؤلاء والمنصات الإسرائيلية، الواضح أن إسرائيل كانت تطرح قلقها عبر هؤلاء، ولما لم يكن مجديًا ذلك تقدمت هذه المرة بوضوح وبشكل مكشوف.

الصحف والمواقع الإسرائيلية ليست منبتة الصلة بالمؤسسات العميقة فى إسرائيل، مثل جيش الدفاع والموساد والشاباك وغيرها.

تسليح الجيش وزيادة قدراته، فى أى دولة، أمر يخص السيادة الوطنية، وضرورات الحفاظ على الأمن القومى للبلاد وحماية حدودها والدفاع عن سيادتها، ما لم يلجأ إلى أسلحة أو وسائل محرمة دوليا، ومن ثم لا شأن للآخرين به، ولا يعد ذلك تهديدًا لدول الجوار، ولا يعبر عن نية اعتداء على أحد.

التساؤلات الإسرائيلية امتدت إلى مشروعات التنمية فى سيناء؛ بدءاً من الأنفاق أسفل مجرى القناة، إلى ازدواج خط الملاحة بالقناة، وصولاً إلى المنشآت العمرانية.. زراعيا وصناعيا داخل سيناء، كأنهم يريدونها صحراء جرداء، خاوية من أى تنمية أو إعمار.. هم يرون فى كل خطوة قصداً حربيا وعسكرياً.

بالنسبة لإسرائيل اختارت مصر طريق السلام منذ مبادرة روجرز فى يوليو سنة 1970، أيام الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، حين تم وقف إطلاق النار بين مصر وإسرائيل وانتهت حرب الاستنزاف. وبعد رحيل الرئيس عبدالناصر طرح الرئيس السادات فى فبراير سنة 1971 مبادرة للسلام، تتركز فى انسحاب القوات المتحاربة مسافة 15 كيلو مترا شرق قناة السويس وغربها، وتبدأ الملاحة فى القناة، لكن هذه المبادرة قُوبلت بالرفض البات من قِبل جولدا مائير رئيسة وزراء إسرائيل، وكذلك موشى ديان وزير الدفاع، رفضتها الحكومة الإسرائيلية كلها، فضلاً عن أن العالم لم يساند المبادرة.

طريق طويل سارت فيه مصر، مملوء بالتفاصيل الكثيرة، قاسية ومريرة، انتهت بتوقيع اتفاق السلام سنة 1980.

بعد استشهاد السادات وتولى حسنى مبارك المسئولية، سنة 1981 تلقى مبارك عرضًا من أطراف عربية كانت مناوئة للسلام، تتعهد بدفع 40 مليار دولار لمصر، سدادًا لديونها وأن تتولى تسليح الجيش المصرى، أى تتحمل تكلفة التسليح، بكل ما يحدده رجال الجيش أنفسهم، فى مقابل أن تقوم مصر فوراً بإلغاء معاهدة السلام مع إسرائيل، وكان الرد هو الرفض التام من قِبل مصر، والسبب أن الدولة تحترم المعاهدات التى توقع عليها، ولأن السلام لم يكن خيارًا عابرًا لنا، ببساطة خيار السلام تتمسك به مصر وتدعو له، هو خيار استراتيجى أول لديها، وهنا نصل إلى لب السؤال: لماذا هذا التسليح والتدريب للجيش؟ بل يتساءل بعض الحمقى فى مصر والبلاد العربية: لماذا وجود جيش أصلًا؟! بعض الحمقى يطرحون السؤال هكذا، وبعضهم يطرحونه بهيئة تهكم بذىء، من عينة: لماذا يصنّع الجيش «مكرونة»، ولماذا، ولماذا؟!

بالنسبة لإسرائيل يمكن ردّ السؤال بسؤال، والردّ على القلق بقلق أشد: ولماذا ينفرد الجيش الإسرائيلى بامتلاك سربين من طائرات «إف 35»، ولديه تعاقد بسربين أكثر تحديثًا وأشد قوة من نفس الطائرة!.. هذه الطائرات لم تسمح الولايات المتحدة لأى جيش فى العالم غير الجيش الإسرائيلى بامتلاكها.. ولماذا تنفرد إسرائيل فى المنطقة بامتلاك رءوس نووية، قُدرت منذ سنوات أنها 200 رأس، حتى جولدا مائير فكرت بعض الوقت أثناء حرب أكتوبر 1973 باستعمالها ضد مصر وضد سوريا؟! هناك عشرات الأسئلة من هذا النوع يمكن طرحها وإثارتها حول نوعية الأسلحة والذخائر التى تقدمها الولايات المتحدة لإسرائيل، لكن الأكثر أهمية من ذلك هو أن «السلام» تصنعه القوة وتصونه القوة أيضًا.. السلام لا يأتى من ضعف ولا يصونه الضعف، سلام الضعف هو المهانة والاستسلام، وعادة ينتهى بحروب خاصة، النموذج المعاصر هو «ألمانيا» بعد الحرب العالمية الأولى، فُرض عليها سلام الضعف والهوان، وقبلت بشروط مذلة فكانت النتيجة أن استعدت عسكرياً ودخلت فى الحرب العالمية الثانية بشكل أشرس وأعنف.

وفى التاريخ الوسيط لدينا نموذج «أبوعبدالله محمد»، آخر أمراء الأندلس، يسميه الأوروبيون «محمد الصغير»، ويسميه أهل الأندلس «المنحوس» أو «المتعوس»، هذا الرجل وقّع معاهدة سلام سنة 1492 مع فرديناندو وإيزابيلا، هذه المعاهدة بشروطها وُصفت أنها «أفضل معاهدة يوقّعها قائد مهزوم فى التاريخ»، لكنه بمجرد توقيعها قام بتسريح الجيش وصرف المقاتلين وانصرف هو إلى حياته الخاصة فى قصره وسط الخدم والحشم، والجوارى، قدر عددهم بأكثر من ألف عنصر، حوالى 1100، وعاش حياة ممتدة معتكفًا وحزينًا.

غير أنه بعد التوقيع بأسابيع فقط، نقض فرديناندو وإيزابيلا المعاهدة التى وقعاها مع أبوعبدالله، فعلًا العكس تمامًا مع كل بند، ولو كانت المعاهدة نُفذت لبقى المسلمون فى إسبانيا قوة اجتماعية واقتصادية وثقافية إلى يومنا هذا.. ربما تغير شكل أوروبا والعالم العربى كله، لو تم الحفاظ على تلك المعاهدة.

هدمت إيزابيلا المعاهدة بسهولة، دون أن يعترض أحد، ودون أن يؤاخذها أحد، لأن المعاهدة كانت بلا قوة تحميها وتصونها، الطرف الآخر فى المعاهدة لم يعد موجوداًَ وليس لديه أى قوة للرد.

وفى أيامنا هذه، أمامنا سوريا الشقيقة، وقعت سوريا سنة 1974 معاهدة فض اشتباك مع إسرائيل عقب حرب أكتوبر 1973، التزمت إسرائيل وكذلك سوريا بالاتفاق، لكن مع انهيار الجيش السورى يوم 8 ديسمبر الماضى، خرقت إسرائيل الاتفاق، بعد نصف قرن من توقيعه قامت إسرائيل باجتياح المناطق المعزولة أو منزوعة السلاح لسبب بسيط، هو أنه ليست هناك على الجانب السورى قوة تحافظ على الاتفاق وتصونه.. لم يقف الأمر عند هذا الحد، بل امتدت الغارات الإسرائيلية إلى كل العمق السورى، وكان آخرها صباح يوم السبت الماضى حين شنت إسرائيل غارات مكثفة على مناطق الساحل السورى فى اللاذقية وحمص، ونصح المبعوث الأمريكى لدمشق الإدارة السورية بضرورة الإسراع فى التفاوض مع إسرائيل للوصول إلى معاهدة «عدم اعتداء» نسى الجميع اتفاق سنة 1974.

باختصار «السلام» تبنيه وتصنعه القوة والقدرة، بمعنى أدق تدفع إليه القوة العسكرية، بعد هزيمة 1967 تعرض الجيش المصرى للسخرية وتم التهكم على الرئيس عبدالناصر، وقالت إسرائيل، ومعها معظم دول الغرب، أمام مصر، نصف قرن على الأقل حتى يمكن أن يسمع لها العالم، بلغ الأمر بوزير الدفاع الإسرائيلى موشى ديان أن أعلن أنه يجلس على الضفة الشرقية للقناة بجوار التليفون ينتظر مكالمة الاستسلام من القيادة المصرية، إلى هذا الحد كان الصلف وكانت الاستهانة بقرارات مصر والمصريين. لكن تمت إعادة بناء القوات المسلحة مباشرة، وخضنا حرب الاستنزاف التى استمرت ألف يوم، وكانت حربا ضارية وقاسية للطرفين، مصر وإسرائيل.

ودفعنا تكلفة إنسانية باهظة، لكن هذه الحرب هى التى جعلت الرئيس الأمريكى ريتشارد نيكسون يطلق مبادرة روجرز للسلام، وقبلت بها إسرائيل.. قوة الجيش المصرى وبناء حائط الصواريخ، كانا السببين البارزين فى إطلاق المبادرة، دونهما ما كانت «مائير» لتستمع إلى صوت عبدالناصر، ناهيك عن مطالب السلام العادل والشامل والدائم، هو مطلب مصر ثابت إلى يومنا هذا.

ولما طرح السادات مبكرًا مشروع السلام فى فبراير 1971، سخرت جولدا مائير من المشروع، وكان رأيهم هناك أن قوة مصر انتهت بوفاة عبدالناصر، لذا ليسوا بحاجة إلى سلام معها وفق الشروط المصرية.. لكنهم بعد حرب أكتوبر 73 ونتائجها المبهرة كانوا هم مَن طالبوا بالسلام وسعوا إليه، من هنا كانت الرحلات المكوكية لهنرى كيسنجر وزير خارجية أمريكا بين القاهرة وتل أبيب سنة 1974.

الإسرائيليون يتعمدون تجاهل وضع مصر وكينونتها، الحدود الملتهبة حولنا فى كل مكان، الأعداء متربصون، عملية «حق الشهيد» فى سيناء، ضد الجماعات الإرهابية، كانت حربًا بالمعنى الكامل للكلمة، ولو لم يكن لدينا جيش قوى، لديه أفضل تدريب وأحدث تسليح، ما كنا استطعنا تحرير شمال سيناء منهم بدأت عملية «حق الشهيد» سنة 2017 بتكليف من القائد الأعلى للقوات المسلحة الرئيس عبدالفتاح السيسى واستمرت أكثر من أربع سنوات، قدمنا فيها شهداء من رجال الجيش والشرطة والمواطنين المدنيين، ما يفوق عدداً الشهداء الذين قدمناهم فى حرب 1973، أما التكلفة الاقتصادية فقد تجاوزت وقتها 24 مليار جنيه مصرى .. الميليشيات الإرهابية تنتشر حول العالم، وإذا لم يكن لدينا قوات تمتلك أحدث وأقوى الأسلحة ونظم التدريب فإننا سوف نكون مهددين.

إسرائيل تعرف ذلك جيدًا، حين احتلت داعش مدنًا عربية بأكملها، لم يتم دحرها إلا بتدخل الطيران الأمريكى والبنتاجون، ونحن لا نحب أن يدافع أحد عنا ولا أن يحمى أحد حدودنا، لا نريد قوات أجنبية ولا قواعد عسكرية أجنبية على أراضينا وفى بلادنا، تلك قصة طويلة لمَن لا يعرف، للذاكرة فقط يمكن الرجوع إلى حكاية الخبراء السوفييت عندنا سنة 1972، حين اتخذ الرئيس السادات قرارا بإنهاء مهامهم، بعد مطلب ملحّ وضاغط من وزير الحربية –آنذاك- الفريق أول محمد أحمد صادق، كان وجودهم غير مريح لنا كمصريين، ولم يكن ممكنًا أن نخوض حرب التحرير فى أكتوبر 1973 مع وجود مستشارين أجانب فى ميدان القتال.

نعم، حاربنا إسرائيل، لكن مَن قال إنها يمكن أن تكون العدو الوحيد، إذا لم يكن هناك سلام معها، الجماعات الإرهابية والميليشيات التى تملأ المنطقة، خطر أشد وعدو أبغض – نظرة واحدة حولنا تؤكد ذلك.. فى ليبيا وفى السودان.

السلام تصنعه القوة المسلحة، وتحييه أيضًا هذه القوة.. فى سنة 1980، وقعت مصر معاهدة سلام مع إسرائيل، أقرها مجلس الشعب المصرى، وطرحها السادات للاستفتاء الشعبى، وافق عليها حوالى 90 فى المائة من المصريين وهى معتمدة فى الأمم المتحدة، ونحن مصرون عليها ومتمسكون بها، لا نريد الحرب ولا نسعى إليها، مشروعات البناء والتنمية التى تقوم بها مصر تتطلب السلام.. أنفاق التنمية فى سيناء للبناء وليست للحرب.

مشروعات السياحة فى مصر والاستثمار لا تتحقق إلا مع السلام وفى وجوده.

أفضل ضمان للتنمية وللسلام وللاستقرار فى مصر، وفى المنطقة كلها هو وجود الجيش المصرى بكل قوته، بأحدث تسليح وأفضل تدريب، دون ذلك الفوضى والحرب.

 

 

أخبار الساعة

الاكثر قراءة