وبهذا المعنى فإن تقديم معلومات مبهمة أو غامضة أو غير واضحة ومبهمة لا يصح أن يمارسه الإعلام مع الناس؛ فإن الصدق هو سمة العلاقة الصحيحة والصحية بين الناس ووسائل الإعلام التى تحرص على مصداقيتها وثقة الناس فيها.
الإعلام الذى يتسم بالكفاءة هو الذى يعلم الناس ويخبرهم بما هو صحيح من المعلومات وسليم من الأخبار.. أما إشاعة مخاوف الناس فهذا ليس من سمة الإعلام الجيد والطيب والكفء.
الإعلام يقدم للناس المعلومات بعد التحقق من صحتها وسلامتها ومصداقيتها؛ لينير لهم حياتهم، وليعلمهم بما يحدث حولهم ولهم، ولكى يساعدهم على فهم ما يجرى ويدور وتداعياتها عليهم.
أما ترويج المعلومات المبتورة والغامضة والناقصة وغير الواضحة، فإنه من شأنه على الأقل إثارة قلق الناس لا طمأنتهم، وقد يصل الأمر لإثارة فزعهم وهلعهم، وهذا أسوأ خطأ يقع فيه الإعلام، وأخطر شيء يرتكبه فى حق الناس.
الإعلام -كما توحى الأحرف التى يتكون منها- اختُرع ليعلم الناس بالحقائق، لا لإشاعة الغموض وإثارة الارتباك والذعر بينهم. والتنافس بين وسائل الإعلام المختلفة هو تنافس بين ما تقدمه كل وسيلة إعلامية من معلومات صحيحة وسليمة وتسبق به غيرها، وما تتيحه من انفرادات ومصايات خبرية سليمة وصحيحة للمستمعين والمشاهدين والقراء.
مفهوم بالطبع أن تخرج علينا صحيفة أو موقع إلكترونى أو «فضائية» بخبر مزلزل ومفاجئ بل وحتى صادم، ما دام سليما وصحيحا، وهى تحققت من ذلك وتأكدت منه، ولكن ليس من الشطارة العالمية أن تروج وسيلة إعلامية لأحداث غامضة مفاجئة أو صادمة أو لتحولات جديدة غريبة حولنا، أو أن تتورط وسيلة إعلامية فى إثارة خوف وفزع وذعر الناس، بما ينتظرهم قريبا، أو بما يتوقع أن يحدث لهم أو حولهم أو فى بلدهم أو فى منطقتهم.
الشطارة الإعلامية التى يتعلمها الطلاب الدارسون للإعلام هى المصداقية والسبق فى تقديم المعلومات السليمة والصحيحة وسبق الوسائل الإعلامية والمنافسة فى تقديمها للناس.
ثم إننا نمر الآن فى مرحلة عاصفة بما يحيط حولنا من تطورات وأحداث نالت من استقرار منطقتنا والتى لها بالتأكيد تداعياتها علينا وعلى بلادنا، وهنا لا بد أن يراعى الإعلامى الوطنى كل ذلك، ولا يكون مصدرًا لإثارة قلق وفزع الناس وإشاعة الخوف فى صدورهم بما تأتى به لهم الأيام المقبلة.. هذا ليس من الوطنية فى شيء، وأيضًا وهذا مهم ليس إعلاما ماهرا أو غير ماهر.
نحن لا نقول أن يحبس الإعلامى ما لديه من معلومات حول أحداث مقبلة حرصا على مصلحة الوطن أو لعدم إثارة قلق الناس؛ وإنما ما نطالب به فقط هو الوضوح فيما يقدمه الإعلامى من معلومات أو توقعات بخصوص أحداث مقبلة ومنتظرة والتخلى عن الغموض المزعج والمثير للفزع.
إن الغموض يفتح -كما نرى- باب التخمين على مصراعيه بين الناس، وهذا أمر خطر لأن التخمين قد يذهب بهم بعيدا عن الواقع الحقيقى، وقد يأسرهم الخوف والفزع للأسف الشديد.. أما الرغبة فى أن يُبين الإعلامى أنه عليم ببواطن الأمور ويقوم بترديد أقاويل غامضة وتوقعات غير واضحة وتقبل كل التفسيرات، فإنه يشبع حالة من عدم اليقين لدى عموم الناس الذين يخشون بشدة الآن على وطنهم من تداعيات ما يحدث حولهم من أحداث عاصفة، سواء فى الشرق أو الغرب أو الجنوب من البلاد والتى تهدد استقرار منطقتنا وكل البلاد المحيطة بنا.
والإعلام الذى يرتكب ذلك لا يخطئ فى حق مهنة الإعلام فقط، وإنما يخطئ أيضا فى حق وطنه، ولا نقول أكثر من ذلك؛ أملا فى أن يعود بعض الإعلاميين إلى جادة الصواب.. الصواب مهنيًّا والصواب وطنيًّا.
