«تقسيم الدوائر الانتخابية» من أدق العمليات التشريعية التى تلقى أثرًا كبيرًا فى ضبط ميزان التمثيل النيابى وتحقيق جوهر الإرادة الشعبية، وهى الركيزة التى قام عليها تعديل قانون مجلس النواب وتقسيم الدوائر.
وجاء مشروع قانون تقسيم الدوائر الجديد، ليضمن التمثيل العادل للسكان، والمحافظات، ومراعاة التوزيع السكانى فى ضوء أحدث البيانات الإحصائية، على أن يكون الانضباط مرتبطًا بمعيار انحراف مقبول عن المتوسط النيابى فى حدود لا يتجاوز عن 25 فى المائة سواء ارتفاعًا أو انخفاضًا، كما شمل مشروع القانون تعديل قيمة التأمين الواجب دفعه عند الترشح وفقًا للمادة 10 من القانون.
لماذا تم تعديل قوانين مجلس النواب وتقسيم الدوائر؟
لأن الفصل التشريعى للمجالس النيابية الثانى لمجلس النواب والأول لمجلس الشيوخ أوشك على الانتهاء، وهو ما يُلزم معه إجراء انتخابات برلمانية، وفى المادة 102 الفقرة الثالثة من الدستور المصرى، ألزمت المشرع متمثلاً فى مجلس النواب أن يكون هناك تمثيل عادل للسكان والمحافظات والوحدات الإدارية فى المجلس، ويبين القانون شروط الترشح والنظام الانتخابى للدوائر الانتخابية بما يراعى التمثيل العادل للسكان والمحافظات والتمثيل المتكافئ للناخبين.
فالنص الدستورى يعنى أن المجلس القادم حتى لا تحدث شبهة عدم دستورية فى الانتخابات القادمة، لا بد أن يكون هناك تمثيل عادل للسكان وفقًا للواقع العملى، وفى حالة إجراء الانتخابات بالقانون القديم 2020، ستكون لدينا مشكلتان، الأولى أنه وفقًا للإحصاءات التى أصدرها الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء، تُوضح أن ديموجرافية السكان تغيرت منذ 2020، وهناك زيادة قُدرت بـ7 ملايين و 428 ألفًا و756 نسمة، وهذه الزيادة لم تتوزع توزيعًا متماثلًا بين المحافظات، وبالتالى الأوزان النسبية تغيرت.
كما أن الوزن النسبى للمقعد البرلمانى وفقًا لحكم المحكمة الدستورية العليا للقضية رقم 18 / 37 قضية دستورية لجلستها الأولى فى مارس لسنة 2015، حددت الطريقة الحسابية للمقعد البرلمانى، وهذه المعادلة حددت عدد المواطنين الذى سيمثلهم نائب واحد أسفل القبة البرلمانية، وتلك المعادلة هى حاصل قسمة عدد سكان الجمهورية، مضافًا إليه عدد الناخبين، ثم قسمته على عدد المقاعد المخصصة للنظام سواء «فردى» أو قائمة، وهو 568 للناخبين الذين ستفرز عنهم الانتخابات، وهناك 5 فى المائة وهم 28 نائبًا لا تشملهم المعادلة الحسابية.
وماذا لو زادت إحدى الدوائر على 155 ألف مواطن أو نقصت؟
تتم المعادلة الحسابية بهذا الشكل كالآتى حيث يبلغ عدد السكان 107 ملايين بشكل تقريبى ونجمع 69 مليونًا بشكل تقريبى الموجودين فى قاعدة الانتخابات، ثم نقسمهم على 2، وبعدها تتم قسمة الناتج على 568، ويكون للنائب الواحد تمثيل متوسط 155 ألف مواطن و193 شريحة من المواطنين للنظامين فردى وقائمة. كما أن الانحراف فى متوسط التمثيل، يعنى أن بعض الدوائر قد تزيد على أكثر من 155 ألفًا أو تقل عن هذا الرقم، وهنا نتحدث عن نسبة هذا الانحراف بالزيادة أو النقصان، فالمتاح ألا تزيد هذه النسبة سواء بالزيادة أو النقصان على 25 فى المائة، وهو المنصوص كاستحقاق دستورى.
وكيف تتحقق المعادلة الحسابية فى المحافظات الحدودية،؟
التمثيل النيابى للمحافظات الحدودية يُراعى فيها الجزء الخاص بالأمن القومى، وفى حالة حساب التمثيل الخاص بها على المتوسط الحسابى لن تُمثل بأعداد متناسبة من المواطنين، وبالتالى استثناء المحافظات الحدودية من قاعدة احتساب متوسط التمثيل النيابى، يعكس اهتمام المشرع بأهميتها الجغرافية، وهى سياج الأمن القومى المصرى وخط الدفاع الأول للدولة بأكملها، والاستثناء لا يمثل أى مخالفة دستورية، بل على العكس، والمحكمة الدستورية العليا أبرزته فى حكم المحكمة الدستورية فى قضية رقم 18 / 37 قضية دستورية لجلستها الأولى فى مارس لسنة 2015، وقالت إن للمحافظات الحدودية استثناء، وبالتالى ليس فيه أدنى مشكلة دستورية أو قانونية بل على العكس يُعد تمييزاً إيجابياً.
البعض يردد أن مبلغ التأمين كبير.. لماذا زاد على الانتخابات السابق؟
إن التأمين الانتخابى، هو مجرد تأمين ومبالغ مستردة بعد العملية الانتخابية، وفى حالة التزام المرشح بالضوابط التى وضعتها الهيئة العليا للانتخابات واللجان الفرعية والمركزية للمحافظات، بعدم إتلاف المنشآت العامة، والأماكن العامة، وتقديم طلب وشهادة من الحى بعدم وجود مخالفات خاص بحملته الانتخابية، سيسترد المبلغ بعدما يقارب أسبوعين من انتهاء العملية الانتخابية.
البعض يطالب بزيادة أعداد الممثلين فى مجلسى النواب والشيوخ؟
هناك اتجاه عالمى بتخفيض المقاعد البرلمانية وليس الزيادة، والبرلمانات فى أوروبا تقل الأعداد فيها، والقوانين والاستحقاقات تتجه نحو تقليل عدد المقاعد وليس الزيادة، والأهم الجودة وليس العدد، والجودة فى اختيار الناخب والترشيح من الأحزاب السياسية متعددى المجالات والخبرات، وألا تقتصر على الجانب السياسى ولكن تضم شتى مجالات الحياة، فالتشريع جزء قانونى وجزء فنى وتقنى خاص بالمجالات المختلفة.
وماذا عن مناداة البعض بالقائمة النسبية؟
الوضع القائم حاليًا مع التميز الإيجابى لبعض الفئات، يُصعب اللجوء لهذا النظام الانتخابى، وقد يكون سهل تطبيقه فى الماضي، عندما كان لدينا عمال وفلاحون فقط، لكن يصعب تنفيذه فى سبع فئات، وهو أمر معقد جدًا، وقد يُهدد قانون الانتخابات بشبهة عدم الدستورية، ويُهدد العملية الانتخابية لإعادتها وقد تصل لحل المجلس فى حالة حدوث خطأ فى تمثيل إحدى الفئات التى لها تميز إيجابى، وبالتالى يصعب تغير النظام الانتخابى فى الوقت الحالى.
