ما إن سنحت فرصة زيارة العاصمة العراقية بغداد، حرصت على زيارة مسجد الإمام الأعظم فى الأعظمية ببغداد، وصليت ركعتين لله فى ضريحه، وترحمت على الإمام العظيم، وسألت عن مولده، وعلمت بأن يوم مولده ليس ثابتا ثبوت سنة مولده، لذا تشكلت لجنة عراقية رفيعة المستوى لتوكيد يوم مولده الذى سيكون إعلانه قريبا حدثا إسلاميا فريدا.
**
ولد الإمام أبو حنيفة النعمان فى الكوفة سنة 80 هجرية على أصح الأقوال، وبها نشأ، وكان يشتغل فى تجارة الحرير، وأخذ الفقه عن شيوخها وعن شيوخ مكة المكرمة، ويعد من التابعين لأنه أدرك جماعة من أصحاب رسول الله محمد (صلى الله عليه وسلم)، والإمام أبو حنيفة فقيه العراق، وهو واحد من الأئمة الأربعة أصحاب المذاهب الفقهية المتبوعة.
عرف أبو حنيفة بسعة علمه وقوة حجته، وانتشر مذهبه الفقهى فى العراق، والشام، وتركيا، وباكستان، وأفغانستان وغيرها من بلاد الإسلام، وكان هو المذهب المتبع فى الإمبراطورية العثمانية.
اسمه كاملا تاما، «النعمان بن ثابت بن زوطى التيمى الكوفى مولى بنى تيم بن ثعلبة»، وقيل فى سبب تكنيته بـ«أبو حنيفة» ملازمته للدواة المسماة «حنيفة» بلغة العراق ولاجتهاده فى طلب العلم، فأبو حنيفة كنية وليست اسمًا.
حياة حافلة بالعطاء العلمى للإمام أبى حنيفة النعمان حتى شهد له الدانى والقاصى بالإمامة فى الفقه، وأصبح الناس بعده عيالًا عليه، توفى رحمه الله سنة 150 هـ فى شهر رجب وهو ابن سبعين سنة، ودفن فى مقابر الخيزران ببغداد.
فى عام 375 للهجرة (985 للميلاد) أى بعد وفاة أبى حنيفة بأكثر من قرنين، بنى بجوار قبره مسجد سمى بمسجد الإمام الأعظم الذى هو أحد ألقاب أبى حنيفة النعمان، ولا يزال المسجد الجامع شاخصا إلى يومنا هذا وتسمى المنطقة التى بجواره منطقة الأعظمية، وهى تسمية مشتقة من لقب الإمام الأعظم، وهى من أعرق أحياء بغداد.
جامع الإمام الأعظم أو جامع أبو حنيفة النعمان هو أحد المساجد والمدارس التاريخية فى مدينة بغداد، وتسمى المنطقة حول الجامع منطقة الأعظمية نسبة إليهِ وتقع فى شمال بغداد على جهة الرصافة ويقابلها منطقة الكاظمية نسبة إلى مرقد موسى الكاظم الذى يقع فيها، وقد بنى المسجد عام 375 هـ، بجوار قبر الإمام أبى حنيفة النعمان، ثم فى عام 459 هـ/ 1066م، بنى مشهد وقبة على القبر وكذلك مدرسة كبيرة.
تعتبر مدرسة أبى حنيفة الفقهية من أقدم المدارس وتسمى حاليًا كلية الإمام الأعظم، وهى واحدة من ثلاثة أقدم جامعات على مستوى العالم، حيث سبقتها جامعة القرويين فى المغرب، إذ بنى جامع القرويين فى عام 859م، والجامع الأزهر فى مصر الذى تأسس فى عام 972م، ولقد بنيت أولى الجامعات الأوروبية بعد ذلك فى عام 1088م، وهى جامعة بولونيا فى إيطاليا.
**
وبعد الغزو الأمريكى للعراق عام 2003م حدثت معركة عسكرية فى الأعظمية يوم 10 أبريل 2003م، ودمّر على أثرها جزء من منارة الجامع والساعة والضريح وأجزاء أخرى داخل الجامع، ولقد تحطمت المبانى حول الجامع ومنها مبنى جمعية منتدى الإمام أبى حنيفة.
وتعطلت صلاة الجمعة بعدها لمرة واحدة، ثم قام جمع خير من أهالى الأعظمية بتنظيف المكان وإزالة الزجاج المتهشم وآثار المعركة وحماية الجامع والمرقد وكلية الإمام الأعظم من محاولات ذوى النفوس الضعيفة للسرقة أو التخريب، وأقيمت الصلاة فى يوم الجمعة التالية وقام ديوان الوقف السنى وبالتعاون مع عدد من الشركات الساندة، وكذلك مع عائلة السيد محسوب الشهيرة بالأعظمية ومساعدة بعض شباب المنطقة، منذ عام 2003م بترميم الجامع والمرقد وإعادة نصب ساعة الأعظمية إلى برجها.
وإلى يومنا هذا تتواصل الجهود فى تحديث وترميم الجامع ومرفقاته، ومنها توسعة المسجد، وبناء فندق لمبيت الزائرين من خارج البلاد ومن المحافظات البعيدة.
**
يفتخر المسجد بوجود «شعرة» من لحية النبى محمد (صلى الله عليه وسلم). إدارة المسجد تعرض هذه «الشعرة» مرتين فى العام، وهما المولد النبوى وليلة القدر، من أجل رؤيتها والتبرك بالنظر إليها.
وفى مكتبة الجامع وثائق قيمة مهداة وموقوفة من قبل بعض المتبرعين منها، مصحف كبير ومذهب ومزخرف هدية من حافظ محمد أمين الرشدى سنة 1236 هـ للسلطان محمود.. وقد طبعته وزارة الأوقاف ثلاث مرات فى الأعوام 1379 هـ، 1386 هـ، و1391 هـ. والطبعات الثلاث بإشراف الخطاط هاشم محمد البغدادى.
فضلا، المصحف المشهور بـ«قرآن أنور باشا» بخط إسطنبولى محلى بالذهب، غلافه من الذهب مرصع بالألماس، أهدى خلال الحرب العالمية الأولى.
ومصحف كبير الحجم مزخرف ومذهب جميعه، كل صفحة سطران كبيران بخط كبير، كتب بماء الذهب، وبعضها بحروف أصغر. يقال لهذا النوع ياقوتي. أوقفه مصطفى آغا القابولى سنة 1073 هـ.
تتعدد المصاحف النادرة ما يشكل ثروة قرآنية يحافظون عليها بأرواحهم، محظوظون أهل السنة من أهل العراق، فى مسجد الإمام باقة من المصاحف، مصحف زخرفته قليلة «بخط ياقوت» وليس عليه تاريخ، ومصحف كتب بماء الذهب للسطر الكبير، وبقية الأسطر بالحبر الأسود، وفى أطرافه دوائر مزخرفة بالذهب والألوان أهداه مصطفى آغا سنة 1073 هـ وكان موضوعًا على صف مزخرف بالصدف.
لافت محفوظ مصحف كتبتهُ امرأة، ومصحف ضخم جدًا مذهب ومزخرف على أطرافه تعليقات كوفية مزخرفة بالذهب، كتب سنة 1048 هـ. أهداه مصطفى باشا، ومصحف مذهب ياقوتى سطر كبير والبقية أسطر صغيرة، كتبه سنة 1100 هـ محمد الكاتب.. وهو النسخة الخامسة والعشرون مما نمقه، ومصحف كبير الحجم، تذهيبه قليل وزخرفته قليلة أيضًا، كتبه عمر بن الشيخ حسين سنة 1095 هـ.
متحف الإمام الذى يعرض ما كان محفوظا فى غرفته، يعرض مصحفا كبيرا جدًا كتب سنة 1160 هـ أوقفه محمود خان مصطفى، ومصحف كبير وضع داخل صندوق من الفضة المزخرفة والمطعم بالأحجار النفيسة، وهو هدية ملك الأفغان محمد ظاهر شاه سنة 1950م.
وهناك مصاحف كثيرة جدًا بعضها مزخرف ومذهب فى بدايته ونهايته والبعض الآخر بلا زخرفة أو تذهيب، ولكنها محفوظة فى القلوب.