أعرب رئيس الوزراء اللبناني نواف سلام استعداد بلاده، في ظل التحديات المتسارعة التي تشهدها المنطقة العربية، للمساهمة مع الأشقاء العرب في مواجهة الأزمات الإقليمية الكبرى التي تهدد مسارات النمو والعدالة الاجتماعية، ومعدلات البطالة المرتفعة، لاسيما بين الشباب وتحديات تغير المناخ والتصحر وندرة المياه وارتفاع درجة الحرارة وأزمات النزوح واللجوء المتكررة، فضلا عن التحدي الهائل المتمثل في إعادة الإعمار بعد الحروب، مشيرا إلى أن كلها قضايا تفرض نفسها بقوة على الأجندات التنموية في المنطقة.
وقال سلام - في كلمته خلال القمة العربية التنموية الاقتصادية والاجتماعية في دورتها الخامسة، المنعقدة في العاصمة العراقية بغداد، اليوم /السبت/ - "إننا ندرك أيضا أن تحقيق التنمية غير ممكن دون تحقيق الاستقرار"، مؤكدا أن التعاون العربي المشترك لتعزيز الأمن والاستقرار وإنهاء الحروب لم يعد خيارا بل ضرورة ملحة.
كما أكد أن لبنان يسعى اليوم ليس فقط إلى التعافي، بل العودة إلى موقعه الطبيعي في الحضن العربي، مساهما فاعلا في مسارات التنمية البشرية والبيئية والرقمنة والشراكة والتكامل الاقتصادي وتطوير التعليم والرعاية الصحية، وتمكين المرأة والطاقة المستدامة، وغيرها.
وأضاف: أن "الدولة اللبنانية كانت دائما من رواد المنطقة، ورأس مالها البشري المتميز والمنتشر في كل أرجاء العالم العربي، وهي على أتم الاستعداد للمشاركة في نهضة جماعية عربية عادلة تعيد للمنطقة دورها على الساحة الدولية"، موضحا أن بلاده مرت خلال السنوات الخمس الماضية بأزمة غير مسبوقة طالت مختلف جوانب الحياة فيه، مع فقدان الليرة اللبنانية أكثر من 98% من قيمتها وتعثر القطاع المصرفي وتضخم كبير وانهيار في الخدمات الأساسية، فضلا عن ارتفاع الفقر إلى 33%، وانكماش الاقتصاد بنحو 40% مقارنة بعام 2019.
وتابع: "كما تخللت هذه المرحلة كارثة انفجار مرفق بيروت عام 2020، والذي بلغ ضحاياه مئات القتلى وآلاف الجرحى، بالإضافة إلى إلحاق دمار واسع بالمرفق ومحيطه وتعطيل حركة التجارة.. كما أدت الأزمة متعددة الأبعاد في موجة نزوح للكفاءات وهجرة للطاقات الشابة، مما عمق خسائر في رأس المال البشري وأضعف آفاق التنمية والتعافي، كما زاد العدوان الإسرائيلي الأخير من حدة الانهيار، موقعا أكثر من 4000 ضحية، وخسائر تقدر بـ14 مليار دولار بالبنية التحتية".
ونوه رئيس وزراء لبنان إلى أنه منذ انتخاب رئيس الجمهورية وتشكيل الحكومة اللبنانية في فبراير 2025، تم إطلاق مسار إصلاحي شامل يرتكز على ثلاث أولويات مترابطة، وهي: الاستقرار الاقتصادي والمالي والحوكمة وتفعيل المؤسسات وتنمية رأس المال البشري، كما تم اعتماد آلية جديدة للتعيينات في الإدارة العامة تقوم على الجدارة والشفافية، وأجريت تعيينات في مواقع حيوية بالدولة.
وشدد على أن الدولة اللبنانية الآن ليست في مرحلة انتقالية، بل في لحظة تأسيسية تضع فيها أسس دولة القانون، وتستعيد فيها ثقة اللبنانيين، كما تمهد إلى تعاف اقتصادي واجتماعي مستدام، مشيرا إلى تعهد الحكومة اللبنانية بإعادة بناء كل ما دمرته الحرب الأخيرة ضمن أُطر شفافة ومسارات خاضعة للمساءلة، معربا عن تطلع بلاده لدعم الأشقاء العرب في هذه المسيرة، بما يعزز من قدرة لبنان من النهوض مجددا واستعادة دوره في المنطقة.
وجدد التزام لبنان بنهج التضامن، ليس فقط في أوقات الشدة، بل أيضا في بناء نماذج اقتصادية واجتماعية أكثر عدالة وإنصافا، مضيفا: "أننا نؤمن بأن الشباب هم الثروة الأساسية، كما أن الاستمرار في التعليم والمعرفة والتكنولوجيا وتوسيع فرص المشاركة الاقتصادية والاجتماعية هو السبيل نحو نهضة عربية شاملة تحفظ الخصوصيات الوطنية ضمن مشروع جماعي طموح".
وبين أن المستقبل العربي يبدأ من الإنسان وتنميته، فهو الركيزة الأولى لأي استقرار وازدهار مستدام.. وجدد، في ختام كلمته، شكره للأخوة العراقيين على وقوفهم المستمر إلى جانب لبنان في أصعب الأزمات وأقصي الظروف، متمنيا لهم النجاح والتوفيق في رئاسة الدورة الخامسة للقمة العربية التنموية لما فيه الخير لمنطقتنا العربية المتطلعة للتطور والنماء والحداثة.