رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

المستقبل الواعد


24-4-2025 | 17:29

محمد الشافعي

طباعة
بقلم : محمد الشافعي

تحتل سيناء مكانة سامقة فى سجل التاريخ المصرى.. فمنذ أن استطاع الملك مينا توحيد القطرين.. ليصنع أول دولة مركزية عملاقة فى التاريخ.. وشبه جزيرة سيناء تمثل بوابة مصر الشرقية.. تنفذ منها أى مطامع أو غزوات ضد الأراضى المصرية.. ويخرج منها أى فتح مصرى أو مطاردة للغزاة.. وظلت جزءا أصيلاً من اللحمة الجغرافية المصرية.. إلى أن تم شق قناة السويس (1859 - 1869).. لتمثل حاجزاً مائيا بين سيناء وبقية الأراضى المصرية.. ولتعمل على زيادة أهمية هذه البقعة المقدسة من جغرافية العالم..

 

حيث ناجى نبى الله موسى ربه من على أرضها.. بل تجلى الله سبحانه وتعالى على تلك الأرض،. كما كانت معبراً وطريقا لأنبياء الله إبراهيم ويعقوب ويوسف وإخوته.. ثم كانت مسرى نبى الله محمد صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء والمعراج.. وكلما ازدادت الأهمية زادت المطامع.. فمن الهكسوس الذين عبروا سيناء ليحتلوا شمال مصر على مدى ما يقرب من قرن ونصف القرن من الزمان.. ثم طردهم وهزمهم وطاردهم الملك أحمس عبر سيناء.. ومن بعدهم جاء الحيثيون.. وخاض معهم الملك رمسيس الثانى الكثير من المعارك أشهرها قادش.. حتى انتهى الصراع باتفاقية سلام بين الطرفين.. وتواصلت المطامع من الحملة الفرنسية (1798 - 1801).. إلى الاحتلال الإنجليزى (1882).. إلى العدوان الصهيونى (1967).. وتواصلت بطولات المصريين على مدى كل هذه السنوات.. حتى تحولت سيناء إلى منجم عملاق للبطولات والتضحيات وخاصة بعد ثورة يوليو 1952.. حيث بلغت المطامع والاستهدافات ضد مصر ذروتها.. بعد ظهور مخططاتها الواضحة للتنمية.. ممثلة فى بناء السد العالى.. وتأميم قناة السويس.. وبداية النهضة الصناعية.. إلخ، فاجتمع الاستعمار القديم والجديد على ضرورة وأد التجربة المصرية الرائدة.. حتى لا يتم استنساخها أو تعميمها فى كل دول العالم الثالث.. وبدأت هذه الاستهدافات بالعدوان الثلاثى على مصر عام 1956.. حيث اشتركت كل من إنجلترا وفرنسا والدولة العبرية فى هذا العدوان.. وكان لكل طرف من هذه الأطراف أسبابه الخاصة.. والهدف المعلن هو منع مصر من ممارسة حقها القانونى فى تأميم قناة السويس.. واستطاعت مصر دحر هذا العدوان.. والاحتفاظ بقناة السويس.. لتصبح من أهم روافد الاقتصاد المصرى.. ورغم أن إغلاق مصر لمجرى القناة فى وجه قوات العدوان.. قد أدى إلى تقليل حدة المواجهات بين الجيوش.. إلا أن المصريين من أبطال القوات المسلحة والفدائيين.. كانت لهم بطولات عظيمة على أرض سيناء وفى مدينة بورسعيد.

 

وعندما فشلت مؤامرة العدوان الثلاثى.. ازدادت حدة المؤامرات والاستهدافات.. فجاء العدوان الصهيونى فى الخامس من يونية 1967.. ذلك العدوان الذى كان أشبه بمؤامرة كونية.. وقد ظهرت الآلاف من وثائقه.. يوجد الكثير منها فى كتاب (العملية سيانيد).. من تأليف البريطانى بيترهونام.. ورغم شراسة هذا العدوان إلا أن هناك الكثير من البطولات لأبطال الجيش المصرى تمت على أرض سيناء من 5 – 10 يونيو 1967.. ومن أهمها قيام كتيبة صاعقة مصرية بتدمير أربعين دبابة للعدو فى منطقة جلبانة.. وهناك الكثير من البطولات من منطقة القسيمة وأبو عجيلة.. والأهم أن المصريين.. لم يجعلوا العدو يشعر بالنصر.. ولم يجعلوا الهزيمة تلحق بهم.. فالنصر فى الاستراتيجيات العسكرية ليس له إلا معنى واحد هو (فرض الإرادة).. أما الهزيمة فهى (شل الحركة والتسليم لإرادة العدو).. ولم يحدث أى من الأمرين.. حيث استطاع ابطال الجيش المصرى أن ينتفضوا من الكبوة إلى المقاومة فى أقل من خمسة وعشرين يوما.. فى معركة رأس العش مساء يوم الثلاثين من يونيو 1967.. حيث عبر ثلاثون بطلا من أبطال الصاعقة المصرية يقودهم ملازم حديث التخرج اسمه فتحى عبدالله.. ومعه الرقيب حسن سلامة.. واستطاع هؤلاء الأبطال تدمير أكثر من خمس عشرة دبابة ومدرعة وسيارة وقتل وجرح كل من كان فيها.. والأهم أنهم استطاعوا إفشال خطة العدو فى احتلال مدينة بور فؤاد.. والتى تمثل جزءاً أصيلاً من جغرافية سيناء.. رغم تبعيتها الإدارية لمحافظة بور سعيد.. وقد سعى العدو لاحتلال بور فؤاد لكى يسيطر على كامل الشط الشرقى للقناة.. وقد فشل فى كل مخططاته.. وكاد وزير دفاعه يبكى وهو يعلن عن خسائره فى معركة رأس العش.. تلك المعركة التى كانت مجرد شرارة البدء لحرب الاستنزاف العظيمة.. تلك الحرب التى استمرت ثلاث سنوات ونصف السنة (1041 يوما).. وتم خلالها 4400 عملية ضد قوات العدو.. الغالبية العظمى منها على أرض سيناء.. والكثير من هذه العمليات ما زال يدرس فى الأكاديميات العسكرية العالمية.. باعتبارها العمليات النموذج.. ومنها تدمير المدمرة إيلات.. الإغارة خمس مرات على ميناء إيلات.. عملية السبت الحزين.. عملية لسان التمساح.. عملية لسان بور توفيق.. إلخ.. واستطاع أبطال القوات المسلحة المصرية خلال معارك حرب الاستنزاف بناء كل الأعمدة.. التى سيتم من خلالها تحقيق النصر العظيم والنهائى.. ومن هذه الأعمدة بناء حائط الصواريخ الذى قطع الذراع الطولى للعدو (الطيران).. وتم الانتهاء من بناء هذا الحائط العملاق فى الثلاثين من يونيو 1970.. وتنفيذ خطة العبور كاملة خلال عملية لسان بور توفيق فى العاشر من يوليو 1969.. من خلال العبور بالقوارب نهاراً بعد حساب المد والجزر للقناة وبعد تمهيد مدفعى قوى.. وتم خلال هذه العملية قتل 54 من جنود العدو.. وتدمير خمس دبابات.. ومن الأعمدة المهمة أيضا اختراع مدفع المياه الذى حطم الساتر الترابى.. ذلك المدفع الذى قدم فكرته المقدم باقى زكى يوسف فى مايو 1969 نتيجة عمله فى السد العالى.. ومن الأعمدة أيضا غلق أنابيب النابالم بالخلطة السحرية.. التى ابتكرها المقدم أحمد حسن المأمون فى 1969.. ومن الأعمدة أيضا الإغارة على النقاط الحصينة فى لسان التمساح وبور توفيق ومعرفة أدق تفاصيلها.. ولذلك انهارت الغالبية العظمى من تلك النقاط الحصينة (31 نقطة).. خلال الساعات الأولى من العبور العظيم يوم السادس من أكتوبر 1973.. ولم تصمد إلا نقطة لسان بور توفيق.. التى سقطت يوم الثامن من أكتوبر.. والطريف أن الكتيبة التى أسقطتها هى ذات الكتيبة التى أغارت عليها فى يوليو 1969.

 

وبعد أن حدثت معجزة إعادة بناء القوات المسلحة المصرية فى الفترة من يوليو 1967.. وحتى أغسطس 1970 عندما قبلت مصر مبادرة روجرز.. أغسطس 1970 استعدادا لخوض المعركة الفاصلة فى ربيع (1971 مارس – أبريل).. تلك المعركة التى تأجلت نتيجة رحيل الرئيس جمال عبد الناصر فى 28 سبتمبر 1970.. وراحت القوات المسلحة تستكمل استعداداتها لخوض المعركة الفاصلة.. ولها مئات العيون التى ترصد كل حركة للعدو على أرض سيناء.. حتى جاء اليوم الموعود فى السادس من أكتوبر 1973.. لتخوض مصر أول حرب إلكترونية فى العالم.. من خلال حائط الصواريخ العملاق.. وليعزف الجيش المصرى واحدة من أعظم السيمفونيات العسكرية ومن خلال الأداء المبهر للأسلحة المشتركة.. والقوات المختلفة.. القوات البحرية.. القوات الجوية.. القوات البرية.. المشاة والصاعقة.. المدرعات.. المدفعية.. الدفاع الجوى.. سلاح المهندسين.. المظلات.. الإمداد والتموين.. إلخ.

 

سيمفونية عظيمة سعت الولايات المتحدة الأمريكية ومعها كل الغرب لتعكير صفو الأداء العظيم.. لإنقاذ الكيان المحتل.. من خلال الجسر الجوى الذى حمل أحدث ما فى الترسانة العسكرية الأمريكية.. والأهم من خلال إحداث ثغرة الدفرسوار.. ولكن بطولات الجيش المصرى تواصلت ضد العدو.. وقدم هؤلاء الأبطال آلاف التضحيات من الشهداء والجرحى.. حتى عادت سيناء كاملة إلى حضن الوطن.. لتبدأ بعد ذلك معارك التنمية.. تلك المعارك التى تأخرت كثيرا بسبب العدوان الثلاثى وعدوان يونيو.. حيث كان من المخطط مد مياه السد العالى إلى سيناء.. لاستزراع مئات الآلاف من الأفدنة وسط سيناء.. ومنذ عودة سيناء فى عام 1982 شهدت عمليات تنمية سياحية كبيرة.. ربما على حساب كل أنواع التنمية الأخرى.. ولكن منذ عام 2014 بدأت رؤية التنمية السيناوية تسير فى العديد من الخطوط المتوازية والمتقاطعة.. فمن تنمية بحيرة بردويل إلى الاستثمار فى المناجم.. إلى الاستثمار الزراعى.. والاستثمار الصناعى.. وإنشاء العديد من الطرق التى تساعد فى إنجاز خطط التنمية.. وتسعى كل هذه الخطط إلى وضع سيناء داخل المثلث الذهبى.. تنمية البشر والحجر والشجر.. وهذا يتطلب الدفع بمئات الآلاف من المصريين.. ليسكنوا سيناء ويشاركوا فى خطط التنمية.. حيث تبلغ مساحة سيناء 61.5 كيلو متر مربع أى 6 فى المائة من مساحة مصر.. بما يعنى أن بإمكانها استيعاب أكثر من عشرين مليون نسمة.. والحقيقة أن خطط التنمية الطموحة التى تتم على أرض سيناء يمكن أن تستوعب أكثر من هذا العدد من المصريين.. لتؤكد أن هذه الأرض المقدسة ستظل دوماً منجما للبطولات.. ومستقبلا مزهراً للتنمية الحقيقية فى مصر.

أخبار الساعة

الاكثر قراءة