رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

«نمر طنطا»بين الأقاويل المتناثرة والحقيقة الغائبة..!


12-4-2025 | 03:19

محمد رمضان

طباعة
بقلم : محمد رمضان

«ذراع بسطاويسى ما بين الحذر المنقوص والقدر المحتوم».. مأساة عاشها المجتمع وتعاطف معها منذ الأسبوع الماضى بعد تناول بعض المواقع الإلكترونية لها والتى أشعلت فتيل الاحتقان ما بين مدافع ومهاجم لما حدث من فاجعة داخل سيرك مدينة «طنطا» عاصمة محافظة الغربية والذى تمتلكه مدربة الأسود والنمور أنوسة كوتة التى تنحدر من عائلة ذات باع طويل فى ترويض الأسود والنمور، فوالدها هو مروض الأسود الشهير مدحت كوتة، وجدتها لأبيها مروضة الأسود والنمور الراحلة محاسن الحلو التى تحمل أنوسة اسمها.

بدأت هذه الحادثة المروعة بالتهام نمرها الأبيض ذراع شاب يدعى محمد بسطاويسى الذى ظل يعمل لمدة عشر سنوات ضمن سياس السيركات الخاصة المختلفة.

 

تضاربت الأقاويل واختلت الروايات حول أن الضحية أتى إلى سيرك «أنوسة» برفقة أصدقائه لكى يشاهد العرض كــ«ضيف» إلا أنه قام بإدخال يده ما بين قضبان الحاجز الحديدى الذى يفصل الجمهور عن حلبة السيرك أو كما تسمى «المانيش» بدعوى أن المروضة أنوسة طلبت منه أن يربط النمر الأصفر فى الحاجز الحديدى حسب كلام محاميه، إلا أن النمر الأبيض المجاور له انقض على ذراعه لكى يلتهمها.

 

تبادل الطرفان الاتهامات حيث علل السايس «بسطاويسى» بأن أنوسة تقوم بتجويع الأسود والنمور منذ العاشر من شهر رمضان، بل إنه تراجع عن هذا الادعاء قائلاً:بأن هذه الحيوانات المفترسة لم تتناول الطعام منذ عشرة أيام فقط لكى تضمن المدربة الحفاظ على نشاطها أثناء العرض ثم تكافئهم بعد انتهائه بمنحهم اللحم، فى حين أن أنوسة كوتة صرحت بأن محمد بسطاويسى فور نقله للمستشفى يعمل معها كمساعد لها، بينما ظهر أخوها فى فيديو مستفز مدعياً بأن بسطاويسى فعل فعلته لكونه يسعى لكى يصبح «تريند».

 

وما زاد الطين بلة أن شريك أنوسة كوتة المروض محمد ممدوح الحلو الشهير بـ«حماصة» أعلن أن محمد بسطاويسى كان لا يعمل مع أنوسة كوتة ولكنه أتى لمشاهدة العرض وبصحبته مجموعة من أصدقائه، كل هذه الأقاويل المتضاربة تجعلنا نقف أمام الحقيقة الغائبة التى جعلت كل هؤلاء الأطراف يصرحون بكلمات بعيدة عن المصداقية فادعاء «بسطاويسى» بتجويع أنوسة للأسود والنمور كان سيجعلها هى أول فريسة لهم ووليمة شهية لهذه الحيوانات المفترسة.

 

بينما ادعاء شريك أنوسة بأن بسطاويسى لا يعمل معها وأنه حضر كــ«ضيف» مع أصدقائه محاولاً تبرير صحة كلامه بأن بسطاويسى لم يكن يرتدى الملابس الخاصة بعمال هذا السيرك «اليونيفورم» ما يجعل هذا الادعاء يعكس أمراً خطيراً بأنه لا يوجد من قبل إدارة هذا السيرك أى نوع من الحزم فى التصدى لتصرفات من يحضرون عروضه ومن ثم فإن كل من يحلو له من الجمهور فعل أى شيء تترك له الحرية.

 

لست بصدد الدفاع أو توجيه الإدانة لأحد من أطراف هذه المأساة التى أراها بمثابة حادث طارئ يندرج تحت مفهوم الإيمان بالقضاء والقدر، خاصة أن جميع الشواهد السابقة تؤكد على تفاوت نسب الخطورة التى تعرض لها رواد وفطاحل السيرك أنفسهم وعلى رأسهم محمد الحلو الذى انقض عليه الأسد «سلطان»، حيث قفز عليه وأنشب مخالبه فى جسده فأصابه فى مقتل، كذلك تعرضت ابنته مروضة الأسود الراحلة محاسن الحلو لاعتداء نمر عليها فأسقطها على الأرض وكاد أن يلتهمها إلا أنها نجحت فى استعادة توازنها مرة أخرى فنجت من الموت المؤكد، كما تعرض ابنها مروض الأسود والنمور الشهير مدحت كوتة للهجوم عليه من أسد إفريقى بسبب غيرته من أسد روسى كان معه داخل العرض، فنشب بينهما خلاف فأراد مدحت كوتة فض هذا الاشتباك بينهما ما جعل الأسد الإفريقى يطرحه أرضاً، فتجمعت عليه بقية الأسود وكاد أن يفقد حياته لولا تدخل مساعديه، الغريب أن هذه الحادثة الأخيرة التى تعرض لها «بسطاويسى» داخل مدينة طنطا لم تكن الأولى فى تاريخ هذه المدينة المنكوبة بحوادث السيرك، ففى عام 2015 تعرضت مروضة الأسود الكبيرة فاتن الحلو لواقعة هجوم الأسد «مندى» الذى أسقطها على الأرض وقام بجذبها من شعرها وكاد أن يقضى عليها لولا تعامل مساعديها مع هذا الموقف الصعب.

 

يتضح لنا من كل هذه الحوادث أن هناك مخاطر قد تؤدى إلى فقدان الحياة لكل من يعملون فى السيرك بين لحظة وضحاها لأنها ترتبط بطبيعة مهنتهم بسبب الخطورة التى يواجهها فنانو السيرك وخاصة مروضى الأسود والنمور، فمن خلال هذه الوقائع سالفة الذكر نستخلص أن عائلة الحلو نفسها رغم تاريخها الطويل فى ترويض الأسود والحيوانات المفترسة إلا أنها عائلة منكوبة بالعديد من الحوادث التى كادت أن تُفقد أبناءها حياتهم لكى يلحقوا بأبيهم وجدهم الراحل محمد الحلو الذى أوصاهم بعد افتراس الأسد «سلطان» له بألا يقتلوه لكن هذا الأسد مات حزناً وكمداً بعد انتقاله إلى حديقة الحيوان بالجيزة بعد فترة وجيزة.

 

المغزى من سرد كل هذه الحقائق الدامغة أن ممارسة فنون السيرك يومياً أشبه بما أسميه بــ«رياضة الموت» لأن اللعب مع هذه الحيوانات المفترسة يترتب عليه تعرض فنانى السيرك لنسبة ليست بالهينة من المخاطر والكوارث التى ربما تصل بهم إلى فقدان حياتهم للأبد، لذا فإن مسألة التهام النمر الأبيض لذراع محمد بسطاويسى ما هى إلا مسألة قدرية لكن هذا ليس مبرراً بألا يحصل «بسطاويسى» على التعويض المناسب له، خاصة أنه أصبح لديه عاهة مستديمة تمنعه عن كسب قوت يومه وهو مازال فى ريعان شبابه، إلا أننى فى الوقت نفسه أتحفظ على طلبه «خمسين ناقة» أو ما يعادلها بخمسة ملايين جنيه لأنه حتى لو حصل على مليارات الدولارات فإن هذا لن يعوضه عن بتر ذراعه لذلك أتساءل ليس بوازع التهكم على شخص بسطاويسى ولكن بوصفى من ضمن المتابعين لمأساته، فمن الذى أشار عليه بطلب دية عبارة عن «خمسين ناقة» ما جعله عرضة لسخرية البعض منه، خاصة أن لسان حال هذا البعض يقول رغم تعاطفه معه بأن شر البلية ما يضحك.

بلا شك أن فاجعة «بسطاويسى» جعلتنى أبحث وأتحرى الدقة فى معرفة بعض الأمور الخاصة بسيركات القطاع الخاص، حيث يتم الموافقة عليها من لجنة تراخيص السيركات داخل البيت الفنى للفنون الشعبية والاستعراضية وفقاً لاستيفائها لبعض الشروط والضمانات ومنها أن يمتلك صاحب السيرك «خيمة» مجهزة لإقامته وأن يكون معه مدرب أسود ونمور ذو باع طويل فى ممارسة هذه المهنة، وأن يكون لديه بطاقة ضريبية وسجل تجارى، وأن يقدم صحيفة الحالة الجنائية «فيش وتشبيه»، وأن يكون حاصلاً على موافقة قطاع الحماية المدنية الممثل فى الدفاع المدنى بتوفير كافة سبل الحماية ضد الحريق، وأن يكون حاصلاً على موافقة شعبة السيرك بنقابة المهن التمثيلية، وألا يتضمن برنامجه أى أعمال منافية للآداب العامة، وألا تقل مدة برنامجه عن ساعتين، وبعد توافر كل هذه الشروط تمنحه لجنة تراخيص السيركات بالبيت الفنى للفنون الشعبية والاستعراضية الموافقة بإقامة هذا السيرك فى المحافظات التى لا يوجد بها عروض للسيرك القومى التابع للدولة باستثناء ثلاث محافظات هى «القاهرة والإسكندرية ومرسى مطروح»، ثم تقوم إدارة التراخيص الفنية بقطاع الإنتاج الثقافى بوزارة الثقافة بمنح صاحب السيرك الترخيص بإقامة هذا السيرك فى إحدى المحافظات أو المدن لمدة عام ويجدد، ومن يخل بأحد هذه الاشتراطات من أصحاب السيركات الخاصة التى يبلغ عددها على مستوى الجمهورية حوالى عشرة سيركات يتم إلغاء الترخيص له، كما فعل الفنان الكبير تامر عبدالمنعم رئيس البيت الفنى للفنون الشعبية والاستعراضية فور حدوث واقعة التهام النمر لذراع «بسطاويسى»، حيث تم إلغاء ترخيص سيرك أنوسة كوتة، ومن المرجح أن تتم توقيع عقوبة عليها فى مثل هذه الحالات بمنعها من إقامة هذا السيرك لمدة لن تقل عن عامين.

 

كما أننى آمل أن يضاف إلى كل هذه الاشتراطات لمنح ترخيص للسيركات الخاصة ضرورة توافر مظلة للحماية الاجتماعية لكافة العاملين داخلها من خلال التأمين الاجتماعى عليهم على غرار العاملين بالسيرك القومى التابع لوزارة الثقافة لكى يضمنوا حقوقهم ضد كل هذه المخاطر التى من الوارد أن يتعرضوا لها أثناء ممارستهم لعملهم داخل أى سيرك قطاع خاص.

فى الوقت نفسه طالب بعض رواد وسائل التواصل الاجتماعى بإلغاء فقرة الحيوانات المفترسة من برنامج أى سيرك، لكن هذا المطلب فى حد ذاته يتنافى مع القيمة الفنية لفقرات السيرك والتى تعتمد على روح التحدى والمغامرة والمتعة والإثارة لدى جمهوره، فضلاً عن أن فقرة الأسود والنمور تُعد من أهم الفقرات التى يعتمد عليها السيرك عالمياً، ومن ثم فإنه لا يجوز أن نتخلف عن العالم كله باستبعادنا لأهم فقرة ضمن فنون السيرك.

أخبار الساعة

الاكثر قراءة