أكد القرآن الكريم على أهمية المسجد الأقصى كمقدّس إسلامى، من خلال ذكره فى سياق معجزة الإسراء والمعراج، فى قوله تعالى: «سُبْحَانَ الَّذِى أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِى بَارَكْنَا حَوْلَهُ» [الإسراء: 1]، وهى آية تؤكد بركة هذه البقعة وقداستها، كما جاء فى السنة النبوية: «لا تُشَدُّ الرِّحالُ إلَّا إلى ثلاثةِ مساجدَ: المسجدِ الحرامِ، ومسجدى هذا، والمسجدِ الأقصى» (رواه البخارى ومسلم).
وقد كان المسجد الأقصى أول قبلةٍ للمسلمين، قبل تحويل القبلة إلى المسجد الحرام، وهو ثانى مسجد بُنى فى الأرض بعد الكعبة المشرفة، ويتضاعف أجر الصلاة فيه، كما فى حديث عبدالله بن عمرو بن العاص عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال:«... وأنه لا يأتى هذا المسجدَ أحدٌ لا يُريدُ إلا الصلاةَ فيه إلا خرج من ذنوبِه كيومِ ولدته أمُّه...» (رواه النسائى وابن ماجه).
التسمية:
تُشير كلمة «الأقصى» إلى البُعد، وقد أُطلق هذا الاسم على المسجد لكونه الأبعد عن مكة جغرافيًا زمن نزول الوحي، غير أن البُعد فى دلالة الاسم لا يقتصر على المسافة، بل يُعبّر أيضًا عن رفعة المكانة، ما يجعل «الأقصى» دالًا على قدسية ومقام رفيع فى العقيدة الإسلامية، باعتباره مسرى النبى صلى الله عليه وسلم، وثالث الحرمين الشريفين.
وقد عُرف المسجد الأقصى بعدة مسميات أخرى فى التراث الإسلامى، منها:بيت المقدس: وهى تسمية قديمة تعكس طهارة المكان وقدسيته، إيلياء: وهو الاسم الذى أُطلق على المدينة فى الفترات البيزنطية، وورد فى بعض الروايات الإسلامية المبكرة، المسجد الأقصى الشريف: وهو الاسم الأشمل والأكثر استخدامًا فى العصر الحديث، بيت المقدس أو البيت المقدَّس: وهى تسميات استخدمها العلماء والرحالة المسلمون، وترد كثيرًا فى كتب الفضائل.
الموقع والمعمار:
يقع المسجد الأقصى فى الزاوية الجنوبية الشرقية من البلدة القديمة فى مدينة القدس، ويشغل نحو سدس مساحتها، ويضم فى نطاقه المعمارى الشامل جميع المصليات والساحات والمآذن والقباب والمدارس والمرافق من فوق الأرض وتحتها، فضلًا عن الأسوار المحيطة به، ويقدّر عدد معالمه المعمارية بأكثر من مئتى أثر، تعود إلى عصور إسلامية مختلفة.
أبرز معالمه:
قبة الصخرة المشرفة: والتى تعود إلى العصر الأموى وتتوسط ساحته، وتُعد تحفة معمارية ذات قبة ذهبية أنشأها الخليفة الأموى عبدالملك بن مروان.
الجامع القبلى: يقع فى أقصى الجنوب، ويتكوَّن من سبعة أروقة ترتكز على 53 عمودًا رخاميًا و49 سارية حجرية، ويمتد المسجد القبلى ليشمل اليوم: مصلى المغاربة، مصلى النساء، المصلى الرئيسى، الأقصى القديم، المصلى المروانى، ومرافق مثل مصلى عمر ومحراب زكريا.
الآبار والأسبلة: يضم المسجد الأقصى 25 بئرًا للمياه العذبة وسبلًا للشرب، من أبرزها سبيل قايتباى، وسبيل البديرى، وسبيل قاسم باشا.
والمآذن: توجد فيه أربع مآذن تعود للعصر المملوكى: مئذنة باب السلسلة، المئذنة الصلاحية، مئذنة باب الغوانمة، والمئذنة الفخرية.
والمدارس: تنتشر داخله مدارس أثرية تعود للعصور الأيوبية والمملوكية، مثل: المدرسة الختنية، الباسطية، الجاولية، المنجكية، والأرغونية.
القباب: يوجد فى المسجد الأقصى أربع عشرة قبة، أشهرها قبة الصخرة، وتشكل القباب الأخرى جزءًا من المشهد المعمارى الذى يعكس عظمة الفن الإسلامي.
حائط البراق: هو جزء من الجدار الغربى الجنوبى للمسجد الأقصى، ويُعد من مقدسات المسلمين، ولم يعرفه اليهود باسم «حائط المبكى» إلا بعد احتلالهم للقدس.
التراث الإسلامى فى فضائل بيت المقدس:
حظى المسجد الأقصى بمكانة عظيمة فى مؤلفات العلماء المسلمين، الذين سجلوا فضائله ومعالمه فى كتبهم، ومنها:مفتاح المقاصد ومصباح المراصد فى زيارة بيت المقدس للعلاّمة ابن شيت القرشي(ت625ه/ 1227م). والأنس فى فضائل القدس للقاضى أمين الدين الشافعى (ت750ه/ 1349م). ومثير الغرام إلى زيارة القدس والشام لشهاب الدين ابن تميم المقدسي(ت765ه/1363م). والمستقصى فى فضائل الأقصى لنصير الدين الحنفى (ت952ه/1545م). وحسن الأستقصا لما صح وثبت فى المسجد الأقصى لمحمد التافلاتى المقدسى الأزهرى مفتى الحنفية بالقدس الشريف (ت1191ه/1777م).
إن المسجد الأقصى ليس مجرد مَعلم معمارى أو موقع أثرى، بل هو جزء أصيل من العقيدة الإسلامية، ورمز متجذر فى الوجدان الجمعى للمسلمين، فضائله راسخة فى القرآن الكريم والسنة النبوية، وتاريخه شاهد على عصور من النضال والازدهار، وقد حظى بعناية العلماء والفقهاء عبر القرون، فألّفوا فيه الكتب، وزاروه، وعلّقوا القلوب به، واليوم، ومع اشتداد الحملات لتهويده وتشويه تاريخه، يُصبح واجب الأمة تجاه الأقصى مضاعفًا، لا يقتصر فقط على الدعم السياسى والميدانى، بل يبدأ بمعركة الوعى والمعرفة، وهى معركة كل مسلم، فى بيته ومدرسته ومنصاته، ليحفظ الحقيقة وينقلها للأجيال القادمة، فالمعرفة درعٌ يحمى المقدسات، والوعى جسرٌ للكرامة، وتثبيت هوية المسجد الأقصى فى العقول والقلوب هو واجب دينى، وثقافى، وتاريخى، لا يقبل التراخى ولا التأجيل.