خلال المؤتمر الصحفى المشترك، دعا الرئيس عبدالفتاح السيسى والرئيس إيمانويل ماكرون إلى وقف فورى لإطلاق النار فى غزة، والإفراج عن الرهائن، وضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى القطاع. وأشاد ماكرون بجهود مصر فى هذا الملف، معربًا عن تقديره لدورها المحورى فى تعبئة المساعدات ودعم استقرار المنطقة. وفى هذا السياق، شهدت القاهرة لقاءً ثلاثيًا جمع الرئيس المصرى عبدالفتاح السيسي، والعاهل الأردنى الملك عبدالله الثاني، والرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون، تناولوا خلاله تطورات القضية الفلسطينية وسبل احتواء الأزمة فى غزة. وأكد القادة الثلاثة على أهمية التهدئة، ودعم مسار حل الدولتين وفقًا لقرارات الشرعية الدولية، والحيلولة دون توسع رقعة النزاع فى المنطقة.
شملت المحادثات الثنائية أيضًا الأوضاع فى السودان وسوريا ولبنان ومنطقة القرن الإفريقى، حيث شدد الرئيسان على ضرورة بذل جهود مشتركة لتعزيز الأمن والاستقرار، مع التأكيد على احترام وحدة وسلامة أراضى الدول ودعم العمليات السياسية السلمية. كما أكد الرئيس السيسى التزام مصر بتعزيز التعاون بين دول حوض النيل بما يحقق التنمية المشتركة، وذلك وفقًا لمبادئ القانون الدولى.
يتماشى هذا التوافق مع اللقاءات السابقة بين الزعيمين، إذ اعتبر ماكرون فى زيارته عام 2019 مصر شريكًا رئيسيًا فى مكافحة التطرف، مشددًا على ترابط الاستقرار وحقوق الإنسان. وشهدت العلاقات بين البلدين تنسيقًا متواصلًا فى السنوات الأخيرة. ففى يونيو 2023، أكد ماكرون خلال لقائه بالسيسى فى باريس حرص فرنسا على تعزيز التعاون الاقتصادى وتكثيف التشاور حول القضايا الإقليمية والدولية، وأشاد بدور مصر المحورى فى استقرار الشرق الأوسط والبحر المتوسط وإفريقيا.
وفى يوليو 2022، استقبل ماكرون الرئيس السيسى فى باريس لبحث التعاون فى مجالات الأمن والدفاع، بالإضافة إلى مناقشة تداعيات الأزمة الروسية الأوكرانية على الأمن الغذائى والطاقة. وفى ديسمبر 2024، جدّد الزعيمان دعوتهما لوقف إطلاق النار فى غزة وتبادل الأسرى، محذرَين من مخاطر التصعيد، وشددا على ضرورة الحفاظ على سيادة سوريا وتسريع انتخاب رئيس للبنان.
فى هذا السياق يوضح الدكتور طارق وهبي، خبير العلاقات الدولية، فى تصريحات خاصة للمصور، أن التنسيق السياسى بين مصر وفرنسا ليس وليد اللحظة أو نتيجة للتطورات الدبلوماسية الراهنة، بل هو امتداد لعلاقة تاريخية متجذرة، رغم ما شابها من توترات فى فترات معينة مثل العدوان الثلاثى عام 1956. ومع ذلك، استمرت العلاقة بين البلدين فى التطور، لتصبح اليوم أحد أبرز محاور التنسيق فى منطقة المتوسط.
ويرى «وهبى» أن الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون يتبنى سياسة تعددية الأقطاب، وتأتى مصر فى مقدمة الدول التى يعتمد عليها فى هذا الإطار، خاصة بعد أحداث السابع من أكتوبر، فى ظل حاجة ملحة لحلول واقعية ومنطقية تصب فى مصلحة الشعب الفلسطيني، لا سيما فى قطاع غزة. كما أشار إلى تنسيق فرنسى مصرى ملحوظ فى الملف السودانى، حيث لعب البلدان دورًا مهمًا فى محاولة مساعدة السودان على الخروج من أزمته السياسية.
كما أشار «وهبى» إلى أن مصر، بدعم فرنسى، تمتلك القدرة على المساهمة فى صياغة حلول دبلوماسية مستدامة لأزمات إقليمية معقدة مثل الوضع فى سوريا ولبنان ومنطقة القرن الإفريقى. وأضاف أن التدخل الأمريكى فى المنطقة، الذى يتسم بالانحياز الواضح لإسرائيل، أدى إلى زعزعة الأمن والاستقرار، ما يفتح المجال أمام تحالفات مثل المصرية- الفرنسية لتلعب دورًا أكثر توازنًا وواقعية. وأكد أن مصر لعبت دورًا محوريًا فى لبنان عبر اللجنة الخماسية، بالشراكة مع فرنسا، لدعم انتخاب رئيس جديد وتشكيل حكومة أصيلة، كما تشارك مع مجلس التعاون الخليجى فى جهود دعم سوريا للخروج من أزمتها والتوجه نحو التنمية والديمقراطية. وتقدّر فرنسا هذه الجهود، وتدعمها سياسيًا واقتصاديًا.
أما عن التمايز فى هذا التحالف، فرأى «وهبى» أن ما يميز الشراكة المصرية الفرنسية هو قدرتها على خلق توازن بين المصالح الإقليمية والدولية، فى وقت تراجع فيه النفوذ الفرنسى فى بعض مناطق الساحل الإفريقي. وتعمل مصر كوسيط عقلانى بين هذه الدول وفرنسا، مع التأكيد على أن فرنسا وإن كان لها ماضٍ استعماري، فإنها تسعى حاليًا، كما مصر، إلى دعم نهضة الدول الإفريقية وتطلعاتها نحو التنمية.
واعتبر «وهبى» أن الثنائى المصرى الفرنسى يمكن أن يشكل نموذجًا جديدًا فى السياسات الإقليمية، يمتد أثره ليشمل شرق المتوسط، بل وحتى إسرائيل، إن التزمت بالقرارات الدولية. وأكد أن هذا التحالف، إذا ما استمر بهذا الزخم، سيكون قادرًا على خلق فرص سياسية واقتصادية واجتماعية جديدة، تعزز نظرية أن السلام أقوى من الحرب والابتزاز السياسى، لا سيما من قبل الإدارة الأمريكية الحالية، التى أهدرت جهودًا كبيرة أُنجزت منذ مؤتمر مدريد وحتى اتفاقية أوسلو، والأيام المقبلة ، بحسب «وهبى»، كفيلة بإثبات مصداقية هذا التحالف، الذى قد يكون حجر الأساس لمسار جديد من الحوار فى شرق المتوسط وإفريقيا.
من جانبه، أضاف على المرعبى، امين عام اتحاد الصحفيين والكتاب العرب فى أوروبا، أن التطورات الجيوسياسية الأخيرة دفعت فرنسا إلى البحث عن متنفس جديد لدورها الدولى، خاصة بعد سلسلة من النكسات التى تعرضت لها فى إفريقيا، كان آخرها أزمة النيجر، وفشلها فى الحفاظ على نفوذها التقليدى فى دول الساحل. وأضاف المرعبى أن قرار الرئيس الأمريكى دونالد ترامب برفع الرسوم الجمركية، والتباين الحاد فى المواقف بشأن الحرب فى أوكرانيا، ساهم أيضًا فى زيادة الضغط على فرنسا، ما جعلها ترى فى مصر شريكًا إقليميًا استراتيجيًا يُمكن الاعتماد عليه.
وقال «المرعبى» إن باريس تعتبر مصر، الدولة العربية الأكثر قدرة على الموازنة بين القضايا الإقليمية والدولية، نظرًا لموقعها الجغرافى، وثقلها السياسى، وتجربتها فى التعامل مع ملفات معقدة مثل القضية الفلسطينية، والسودان، ولبنان. وأشار إلى أن زيارة ماكرون إلى القاهرة ليست فقط بروتوكولية، بل تحمل أبعادًا أعمق تتعلق برغبة فرنسية واضحة فى إعادة تموضعها إقليميًا عبر البوابة المصرية.
وأوضح أن فرنسا سبق أن حاولت الانخراط فى الملفات العربية، بدءًا من انفجار مرفأ بيروت عام 2020، ثم عبر مبادراتها لدعم العملية السياسية فى لبنان، لكن تلك المحاولات لم تحقق أهدافها كاملة. من هنا ، بحسب «المرعبى»، تأتى زيارة ماكرون الأخيرة إلى مصر كخطوة تهدف إلى التنسيق ووضع جدول أعمال مشترك للتعامل مع القضايا الأكثر إلحاحًا، وفى مقدمتها الأزمة الإنسانية فى غزة، والحرب الدائرة فى السودان، فضلًا عن إعادة بناء التفاهم حول ملفات الأمن فى البحر المتوسط. وأكد «المرعبى» أن التنسيق المصرى- الفرنسى، إذا استمر وتوسع، قد يكون بوابة لدور أوروبى أكبر فى المنطقة، بعيدًا عن الهيمنة الأمريكية، بما يعزز من فرص تحقيق السلام والتنمية فى محيط مضطرب، يحتاج إلى توازن جديد فى العلاقات الدولية.