رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

أيادٍ «تنقش» السعادة وتحافظ على ميزانية الأسرة سيدات «الكحك البيتى»


30-3-2025 | 22:47

.

طباعة
تقرير:أميرة جاد

تتحول كثير من البيوت فى كل ربوع مصر المختلفة، إلى ورش صغيرة لتصنيع «الكعك»، ومنافسة كبرى العلامات التجارية لصناعة الحلويات فى موسم عيد الفطر، فتتحول مطابخ ربات البيوت اللاتى يعملن فى تصنيع الكعك، إلى معرض كبير، يتم تسويقه، عبر الإعلان عن عروضها المميزة، لتدرّ دخلًا لأصحابها، وتعيد إلى كثيرين ذكريات الماضى.

 

يمثل كعك العيد عادة اجتماعية ذات جذور تاريخية، وهو أيضا مصدر رزق لكثير من سيدات «الأكل البيتى» مثل «أم يوسف»، وهى أم لطفلين، والتى تقوم بتصنيع الكعك من مطبخ منزلها فى مدينة الشروق، لصالح عملائها المنتشرين فى القاهرة الكبرى وتجمعاتها السكنية الفاخرة مثل مدينتى والتجمع الخامس ومدينة نصر -بحسب أم يوسف، التى قالت لـ«المصوّر»: إن زوجها يعمل فى أحد المقاهي، وهو عمل غير مستقر - بحسب وصفها، لذا لجأت إلى مشروع تصنيع الكعك البيتى فى عيد الفطر ومناسبات الزفاف، وذلك منذ أربع سنوات لتساعد زوجها فى نفقات المعيشة، مشيرة إلى أنها كانت تصنعه للجيران والأقارب بالمجان، ثم خطرت لها فكرة المشروع، وقررت البدء فيها.

«زبون الكعك البيتى.. مش أى حد»، حسبما أكدت «أم يوسف»، موضحة أن الإقبال على الكعك البيتى من فئات مختلفة، ولكن تحرص على الوعى بجودة المكونات وأخطار الزيوت النباتية المستخدمة فى منتجات الكعك الجاهزة فى المحال التجارية، مؤكدة أن بعض عملائها يحضرون المكونات بأنفسهم، وهى تقوم بتنفيذ الطلب وتعبئته وشحنه على عناوينهم.

لا أحد يمكنه إنكار أن سعر أى منتج عنصر جذب أو طرد للمستهلكين، ولذا ورغم ارتفاع أسعار الخامات المستخدمة فى تصنيع الكعك، تمكّن مصنّعو الكعك البيتى من عمل توازن بين السعر النهائى والجودة التى يسعى إليها العملاء، وهو ما تؤكده «أم يوسف»، بإشارتها إلى أن «سعر كيلو الكعك من منتجاتها يصل لنحو 200 جنيه وكذلك البسكويت، أما البيتفور فيبلغ سعر الكيلو 250 جنيهًا، وهى أسعار تلامس أسعار المحال التجارية مع فارق جودة المكونات».

نستولوجيا الكعك البيتى

نموذج «أم يوسف» يتكرر فى فاطمة حسن -خريجة تجارة إنجليزي، مع فارق بسيط وهو أن «فاطمة» تصنع الكعك البيتى لأهالى الإسكندرية، كونها تقطن فى منطقة سيدى بشر، وتؤكد أنها واثقة من قدرتها على منافسة الماركات التجارية الكبيرة فى تصنيع الحلويات لعدة أسباب، أنها تستهدف العملاء الباحثين عن جودة مضمونة ومكونات صحية، وهو ما تعرضه لعملائها أثناء تنفيذها لطلباتهم أون لاين، مؤكدة أنها تحضر ورشًا وكورسات تصنيع غذائى لاحتراف تصنيع الأكل البيتى، وعلى رأسه بالطبع «كعك العيد».

«فاطمة»، أوضحت أن بعض عملائها يلجأون لمنتجاتها سواء كعكا أو بسكويت أو بيتيفور، وذلك لاستعادة روح الأمهات وطعم أكلات الجدات.

الأسعار فى المتناول

وأضافت أن «موسم الكعك هذا العام شهد ارتفاعا شديدا فى أسعار تكاليف الخامات سواء السمن أو الدقيق، وكذلك السكر والمكسرات والبيض وغيرها، وهو ما كان بمثابة تحدٍّ لمصنّعى الكعك البيتى ما بين تخفيض الجودة أو خفض هامش الربح، وباعتبار أن الجودة بمثابة عنصر تنافسية قوى لصالح الكعك البيتي، فكان القرار يتجه نحو تخفيض ربحية الكيلو مقابل الحفاظ على الزبائن والجودة، لذا فسعر الكعك البيتى فى المتناول، خاصة إذا تمت مقارنته بالأسعار فى محال العلامات التجارية الكبرى، حيث يتراوح سعر الكيلو هذا الموسم بين 240 جنيهًا إلى 500 جنيه للكيلو الواحد، حسب النوع والجودة والمحل، وعلى سبيل المثال، كعك سادة: 240-280 جنيهًا للكيلو، بينما كعك ملبن أو عجوة يتراوح سعر الكيلو 280-300 جنيه، فيما يصل سعر الكيلو من كعك عين جمل أو فستق إلى 400-500 جنيه».

تبدو المشروعات النسائية المنزلية فى تصنيع الكعك والطعام وغيرها «بسيطة»، ولكنها تصبّ فى صالح الاقتصاد القومى ولكن بشكل غير مرئي، إلا للمتخصصين، وهو ما أكدته رانيا عاطف، أستاذ الاقتصاد المنزلى، بقولها: مثل هذه المشروعات تُعد جزءًا أساسيًّا من الاقتصاد غير الرسمى فى مصر، ولها دور كبير فى دعم الاقتصاد المحلى من خلال توفير فرص عمل للكثير من النساء اللاتى لا تسمح ظروفهن بمغادرة المنزل أو لم يحالفهن التوفيق فى الحصول على فرص عمل خارجه، مما يساهم فى تحسين مستوى المعيشة وتقليل البطالة.

رحلة عبر تاريخ «دار الفطرة»

ما تقوم به «أم يوسف» و«فاطمة» وغيرهما يبدو فى ظاهره وسيلة لزيادة الدخل، ولكنهما وبشكل غير مباشر، تسهمان فى استمرار عادة ظهرت بقوة منذ عهد الدولة الفاطمية، التى اهتمت بالاحتفال بعيد الفطر بطرق مختلفة، أهمها الكعك، حتى إنهم أقاموا جهة حكومية خاصة عُرفت بـ«دار الفطرة»، كانت تهتم بتجهيز الكميات اللازمة من كعك وحلوى وكعب الغزال لتوزيعها، وكان العمل فى إعداد هذه الكميات الهائلة يبدأ من شهر رجب وحتى منتصف رمضان، وفقا لما ورد فى كتاب «رمضان زمان» للدكتور أحمد الصاوى الصادر عن مركز الحضارة العربية.

كما رصد الكتاب أن الدولة الفاطمية اعتادت رصد ميزانية ضخمة للكعك بأنواعه المختلفة بلغت فى بعض السنوات 16 ألف دينار ذهبى (وزن الواحدة 4.25 جرام) وذلك لشراء الدقيق وقناطير السكر واللوز والجوز والفستق والسيرج والسمسم والعسل، وماء الورد، والمسك، والكافور.

وكان يتم وضع إنتاج «دار الفطرة» فى وعاء هائل ليبدو كجبل عظيم أمام شباك القصر الفاطمي، حيث يجلس الخليفة بعد الصلاة ليرى بعينى رأسه، الناس وهى تحصل على الكعك لتأكله أو تهديه أو تبيعه فى الأسواق البعيدة عن القاهرة.. واستمر كعك العيد ظاهرة خلال الدولة الأيوبية رغم محاولات طمسه فى ذلك العهد، بينما اهتم المماليك بكعك العيد اهتمامًا كبيرًا، حتى إنهم اعتبروه من أوجه البرّ والصدقات التى توزع على الفقراء حتى لا يُحرموا منه فى عيد الفطر.

وتجد فى «وقفيات» العصر المملوكى أكثر من إشارة لعمل الكعك وتوزيعه على موظفى الجوامع والمدارس، وكذلك على تلاميذ المدارس وأطفال الكتاتيب، ومن جيل إلى جيل، ومن حكومة لأخرى، إلى أن وصل الكعك إلى أيادى «سيدات.. الكعك البيتى».

أخبار الساعة

الاكثر قراءة