رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

الرياح الموسمية التعليمية


10-2-2025 | 23:31

الرياح الموسمية التعليمية

طباعة
بقلم: إيمان رسلان

على مدار الأسبوع الماضى أصدرت محكمة القضاء الإدارى حكمين قضائيين بإبطال قرارات لوزارة التعليم؛ الأول خاص بالمدارس الدولية وتدريس اللغة العربية والتاريخ لها بمجموع 20 فى المائة بالشهادات، والثانى خاص بإلغاء أن يكون التابلت لطلبة الثانوى عهدة تسترد فى نهاية المرحلة، ولا أعلم هل هناك قضايا أخرى تمس وضع المدرسين بعد إلغاء موادهم الدراسية فجأة ودمج بعضها؟.

 

وهذا يجعلنا نعيد التذكرة بأن التعليم قضية علمية ولها أسس ومعايير وليس من بينها الانفراد أو المفاجآت، وهو ما سبق وحذرنا منه فور صدور هذه القرارات.

أعلم أن هناك درجة أخرى من التقاضى أمام الحكم الأخير، لكن أتمنى ألا تطعن الحكومة عليهما لا سيما حكم التابلت، وهو ما كتبته منذ شهور قليلة هنا بـ«الـمصور»، ونبهت لمخاطر هذا القرار خاصة وأن قرار استعادة التابلت ليس فى صالح الطالب وأسرته بل والعملية التعليمية ومستقبل التكنولوجيا بالوطن، والآن أو هذا الأسبوع تحديدا وجدنا أمامنا تجربة الصين فى الوصول إلى تطبيق ذكاء اصطناعي ميسر ومجانا ومفتوح المصدر، لينافس بقوة احتكار الشركات الأمريكية، فكيف أطلب من الطالب المصرى إرجاع التابلت وكان فى السابق هدية، ولا يسترد منه وطالبت وقتها بتوسيع القاعدة لتضم طلاب الفنى والجامعات لنشر العلم والتكنولوحيا، بل والأخطر اعتباره عهدة تسلم فى نهاية المرحلة ليعاد تدويره، وكلمة عهدة يعنى قضية فهل سنحاكم الطالب وولى أمره على العهدة المستعملة؟!

 

لا أجد سببا منطقيا أو علميا فى قرار الوزارة، لذلك أرى أنه من الحكمة وأتمنى عدم الطعن على حكم المحكمة التى انتصرت لحق الطالب والأسرة ومساواة السابقين مع الحاليين ورسم البسمة على شفاه الأجيال الجديدة التى ستنافس مستقبلا لأن الأحكام جاءت جرس إنذار لتصحيح الأوضاع .

 

لذلك لابد من التنبيه بضرورة فتح مجال المناقشة فى قضايا التعليم وأن تستمع الوزارة لكل الآراء خاصة أهل العلم، وعدم اقتصارها على أعداد محدودة مختارة، أو استدعاء المرءوسين لسماع رأيهم؟!، بل الاحتكام لأهل التخصص والمفكرين والأحزاب، وهم الذين غابوا تقريبا عن مناقشات التعليم على عكس ما حدث فى الحوار الوطنى ولجنة التعليم به؟!

 

ومن هنا جاءت أهمية عقد نقابة الصحفيين لمائدة حوار حول المشروع المقترح للثانوية العامة أو ما أطلقت عليه وزارة التعليم «البكالوريا»، حيث أشارت د. نادية جمال الدين المدير الأسبق لمركز البحوث التربوية إلى تجربة الوزارة قبل عقدين فى عقد جلسات عمل ونقاش لتطوير المرحلة الثانوية فى عهد د. حسين كامل بهاء الدين، واستمرت لمدة عامين بجلسة شهرية استمع فيها لكل الأطراف وبأعداد كبيرة للغاية، كما ذكرت عدم الإشارة فى المشروع إلى طلاب الثانوى الفنى والمواد الدراسية وسنوات الشهادة، رغم أن مسمى الشهادة هو إتمام المرحلة الثانوية، وأشارت إلى نقطة بالغة الأهمية وهى: هل التعليم وظيفته فقط هى الإعداد لسوق العمل، وهل يعيش الإنسان بالخبز وحده؟ فالتعليم له وظائف التنمية الاجتماعية والثقافية والعلمية والاقتصادية والتكنولوجية والتى أصبحت ضرورة ملحة الآن، فنحن نعد للمستقبل ولذلك قصر النظر إلى التعليم بوظيفة واحدة فقط وهى الإعداد لسوق العمل نظرة ضيقة للغاية لوظيفة التعليم أو التربية لأنها من أجل التنشئة الاجتماعية والتعلم المستمر لأن فقدان هذه المقدرة تعنى حتى عدم التأهيل لمواجهات التغيرات المتسارعة فى عالمنا المعاصر، وبالتالى قصر ومحدودية الإعداد للطالب أو المسارات وذلك ليس فى صالح المستقبل.

 

كما أشار د. سامى نصار العميد الأسبق لكلية الدراسات العليا للتربية بجامعة القاهرة، إلى أن ما يحدث فى التعليم أشبه بالرياح الموسمية تهب علينا مع كل تغيير وزارى، وبتغيير فى السياسات الحاكمة له خاصة فى جزئية صغيرة هى الثانوية العامة فقط، كما أن فكرة سوق العمل انتهت عالميا لأن وظيفة المدرسة هى عملية تكييف وتأهيل للطلاب ليختار بعدها ما يناسبه، ولكننا بدلا من ذلك وضعنا له مسارات بمسميات الكليات هذا طب وهذا هندسة؟! وهذا لا يوجد فى العالم، فماذا لو لم يلتحق بهما الطالب هل يموت أم نحبط أحلامه، ولماذا إلغاء المقررات التى تؤهل للتكييف والتفكير وتكوين الشخصية بإلغاء العلوم الإنسانية؟ فكيف سيعرف الطلاب هذه التخصصات أو ميولهم إذا لم يتعرفوا عليه؟! لذلك فالمشروع المطروح يزيد من البنية المشوهة ويهدم كثيرا من بنية النظام التعليمى والتربويّ، ولا يحل الأزمة البنيوية الحقيقية، فالتقارير الأخيرة تشير إلى انخفاض المنصرف على التعليم من 4,2 فى المائة العام الماضى إلى 7,1 فى المائة هذا العام من الناتج القومى الإجمالى، ولم نسمع عن نظام تعليمى يلغى تدريس اللغة القومية واللغات الأجنبية فى الصف الثالث ويقرر التربية الدينية فقط؟! والحل لذلك بدلا من زيادة الاحتقان بالمجتمع هو تدريس مقرر للقيم والأخلاق لدعم حالة التماسك الاجتماعى بدلا من فرطه وتمزيقه .

 

ويشرح د. أنور مغيث أستاذ الفلسفة بجامعة حلوان، أصل كلمة البكالوريا، وهى أنها كلمة فرنسية، وبما أنه درس فى فرنسا فعاد إلى ما يدرس فى البكالوريا الفرنسية الآن قائلا: «إن البكالوريا تنقسم إلى منهج مشترك إلزامى للجميع يتضمن اللغة الفرنسية والفلسفة والتاريخ والجغرافيا والتعليم الأخلاقى واللغة الحية 1، واللغة 2، والمنهج العلمى، والتعليم البدنى أى عشر مواد إلزامية، ثم مناهج التخصص وفيها يختار الطالب ثلاث مواد من مواد التخصص وهى لها عدة مسارات متعددة منها الآداب، أو العلوم، والاقتصاد والتقنيات، والعلوم التطبيقية بجانب البكالوريا التكنولوجية أو المهنية» وأشار إلى أن اللغة الاجنبية 1 تضم لغات كثيرة، واللغة الأجنبية 2 تتوسع فى اللغات حتى لغات محلية، ومن هنا سنلاحظ أن المطروح هنا الآن من «بكالوريا» الآن هو مجرد تشابه أسماء، ولكن المضمون مختلف كثيرا، فمثلا هناك لديهم مواد جذع مشترك كثيرة للجميع، بينما نحن نلغى الفلسفة مثلا التى هى أساسا علم كشف المغالطات والتفكير والسؤال الذى هو أساس التفكير العلمى، بجانب أن تقسيم الطلاب إلى هندسة وطب ليس وظيفة المدرسة التى هى من المفترض تقدم أنواع المعارف كلها حتى يجد الطالب نفسه وليس فرض تخصص عليه، تماما مثلما اقتُرح فرض درجات التربية الدينية فى المجموع، وهذا يسمى تمييزا بين الطلاب ويخلط بين دور المدرسة ودور المؤسسة الدينية والعبادة من جامع أو كنيسة، فالمدرسة مهمتها المعرفة وليس الاعتقاد، ونخلق من الدواء ليصبح هو الداء .

 

بينما أكد د. عماد جاد أنه فى العلوم السياسية التى درسها من وظائف الدولة التنشئة والقانون والعدالة الاجتماعية، وليست الدولة مسئولة عن دخول المواطن الفرد حسب معتقدهم إلى الجنة، فهذا عمل فردى اجتماعى، والمدرسة جزء من الدولة أى أن دورها هو توصيل المعارف وليس إدخال الطالب للجنة حسب اعتقادها بطرح إدخال الدين فى مجموع الدرجات، ومن هنا جاء طرح فصل الدين عن الدولة التى هى لجميع المعتقدات، وليس فصل الدين أو المعتقدات عن المجتمع نفسه، فنحن لا نطالب بفصل الدين عن المجتمع وممارسة المعتقد، والفارق بينهما كبير، ففى إتاحته للمجتمع فهذا حقه ليمارس عقيدته، ولكن ليس ممارسة الدين فى مؤسسات الدولة التى هى للجميع، لأننا بفرض ذلك ودخول الدرجات يمكن أن يجد الطلاب أنفسهم أمام تهمة ازدراء أديان؟! وعلينا أن نراجع تاريخ التعليم ولنعلم كيف توغل الإخوان من أيام كمال الدين حسين وزير التعليم وقبله من أيام البنا، وعلينا أن ننتبه أنه على عكس ما يجرى فى المنطقة من تناحر وقسمة دينية وطائفية وقبائلية، نحن ليس لدينا مثل هذا التناحر، فلماذا أجذب التناحر والصراع إلى مؤسسات التعليم والتنشئة، وأن نقول إنه حتى مسميات وطرح فكر الكتاتيب أو مسمى البكالوريا كان لضرورة زمنية وتاريخية، فالسيارة والطائرة حلت محل الجمل والمدرسة محل الكتاتيب، وبالتالى اقتراح بنسبة 15 فى المائة ؜من المجموع للدين ستؤدى إلى تراشق واتهامات نحن فى غنى عنها.

 

وأشارت د. ثريا عبد الجواد أستاذ علم الاجتماع بجامعة المنوفية إلى مقولة سقراط إنه لا يمكن له إعطاء تلاميذه كل المعارف وإنما دوره هو أن يحثهم على التفكير، وكتب التاريخ تدلنا أن أغلب الأفكار العلمية والتطور جاءت من الفلسفة والتفكير، وبالتالى فإن المشروع المقترح الآن البكالوريا لابد وأن ندرسه، وهل هو مشروع للجميع أم للتمييز؟ وأن نتحدث أولا عن جوهر العملية التعليمية ومضمونها، فنحن نتحدث عن إلغاء ودمج مواد ولا نتحدث عن تطوير المناهج أو عجز المدرسين أو المبانى، مثلما حدث فى مشروع التابلت نحدث من أعلى فى الشكل وبنية التعليم ومناهجه كما هى، والآن يحدث نفس الشىء بل طرح دخول درجات التربية الدينية لمغازلة بعض التيارات الدينية السياسية، وبحجة التخفيف عن الأسرة، مع أن الجوهر هو العكس.

 

وأشار د. محمد محيى الدين أستاذ علم الاجتماع بجامعة المنوفية، إلى أن أهمية العلوم الاجتماعية والإنسانية فى تدريسها وإطلاع الطلاب عليها قضية أساسية وملحة جدا، فها هو الدكتور شيشترن بجامعة «بن جوريون» يُصدر كتابه الثانى عن مصر والمجتمع والطبقة المتوسطة، وها هو العدو الرئيسى لنا يستخدم العلوم الاجتماعية والإنسانية ليدرس ويشرح مجتمعنا، فكيف أحرم طلابنا نحن من دراسة هذه العلوم وحتى لمبادئها العامة بالمدرسة وتأهيلهم لدراسة وفهم العدو بالعلم الاجتماعى، وليس فقط بالطب والهندسة، ونعود لمقولات اللورد كرومر أن التعليم يكون محدودا فى الإتاحة ولخدمة سوق العمل .

 

هذه الآراء والتحذيرات من المتخصصين من أهل التربية والعلم نقدمها لعله تكون هناك مراجعة وتدارك بدلا من أن يبطل القضاء ويدق ناقوس الخطر على ما يطرح، وأعطوا العيش لخبازه .

 

الاكثر قراءة