رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

ساناى تاكايشى.. من عازفة «الهيفى ميتال» إلى قيادة اليابان


18-10-2025 | 12:20

ساناى تاكايشى

طباعة
تقرير: أمانى عاطف

فى وقت تواجه اليابان تحديات اقتصادية وديموغرافية، تستعد ساناى تاكايشى المحافظة المتشددة لأن تصبح أول رئيسة وزراء فى اليابان، فى خطوة وصفتها وسائل إعلام محلية بأنها «ولادة المرأة الحديدية اليابانية»، إلا أن الواقع السياسى الصعب قد يدفع الزعيمة القومية نحو نهج أكثر براجماتية. ليبقى السؤال: هل ستقود سياسات اليابان الخارجية والاقتصادية فى اتجاهات تختلف بشكل كبير عن سياسات سلفها إيشيبا شيغيرو؟

 

تبدو اليابان على موعد مع مرحلة سياسية جديدة تقودها المرأة الحديدية، حيث تمكنت السياسية ساناى تاكايشى- 64 - عاما- من تحقيق النجاح بعد محاولتين فاشلتين، وهى الآن على أهبة الاستعداد لمحاكاة البريطانية مارجريت تاتشر وتحطيم الحاجز الزجاجى النهائى، بأن تصبح أول رئيسة وزراء لبلادها عند تصديق البرلمان على تعيينها يوم الأربعاء. جاء فوزها فى انتخابات قيادة الحزب الليبرالى الديمقراطى الحاكم فى الذكرى السبعين لتأسيسه بعد حصولها على الأغلبية فى جولة الإعادة ضد وزير الزراعة شينجيرو كويزومى، وذلك بدعم من تارو آسو، البالغ من العمر 85 عامًا، وهو أقوى صانع للملوك فى الحزب الليبرالى الديمقراطى ورئيس وزراء سابق. تضع تاكايشى نصب عينيها هدفًا واضحًا، يتمثل فى إعادة الثقة فى الحزب الحاكم واستعادة مكانة اليابان على الساحة العالمية.

اعتمدت تاكايشى بعد فوزها نبرة براجماتية يراها البعض محاولة للحفاظ على شريكها الليبرالى الحالى فى الائتلاف، حزب كوميتو، دون إبعاد المؤيدين الجدد المحتملين لحكومتها. كما اتفقت مع المعارضة على أن إلغاء ضريبة البنزين، التى مضى عليها 50 عامًا، كأولوية لمعالجة التضخم، ودعت إلى تعزيز قوة الجيش مؤكدة على أهمية التحالف الثلاثى مع الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية، مما خفف المخاوف من أن العلاقات التى تم إصلاحها مؤخرًا مع سيول قد تتدهور مجددًا بسبب مواقفها القومية.

تُعجب تاكايشى بمارجريت تاتشر، أول رئيسة وزراء بريطانية، وتعتبر نفسها «المرأة الحديدية» لليابان. ورغم ميولها المحافظة، فقد وعدت بإصلاحات اجتماعية تدعم النساء العاملات وتسهل التوفيق بين الحياة المهنية والعائلية، لكن مواقفها المحافظة المتشددة أثارت انتقادات لاذعة من خصومها، حتى إن رئيس الوزراء السابق كيشيدا وصفها بـ«طالبان تاكاشي». تمسكت تاكايشى بمواقفها التقليدية بشأن المرأة والمساواة بين الجنسين، وهى مواقف يفضلها كبار الشخصيات الحزبية الذكورية. كما تدعم اقتصار خلافة العائلة الإمبراطورية على الذكور، وترى أن المساواة فى الأجور بين الرجال والنساء تُشكل تهديدًا للقيم العائلية التقليدية، وتدعم قانونًا مدنيًا يعود إلى القرن التاسع عشر بشأن ألقاب الإناث، والذى يعتبره الكثيرون عتيقًا. يُلزم القانون الأزواج المتزوجين باختيار لقب، ومن القواعد غير المكتوبة أن تأخذ المرأة لقب زوجها، وقد عارضت تاكايشى الإصلاح الذى يسمح للزوجات بالاحتفاظ بألقابهن القديمة بعد الزواج.

تحدث الدكتور أحمد عبده طرابيك، الباحث فى الشئون الآسيوية، لـ«المصوّر»، بأن اختيار تاكايشى رئيسة للحزب الليبرالى الديمقراطى جاء لاعتقاد أعضاء الحزب بأنها أنسب شخصية للتعامل مع الرئيس الأمريكى دونالد ترامب فى هذا التوقيت الحساس الذى يشهد توترًا بين ترامب وبين كافة دول العالم، فقد أعربت تاكايشى عن تحفّظات بشأن الاتفاق التجارى الأمريكى - اليابانى، وأكدت أن إعادة التفاوض حول الاتفاقية ليس مستبعدًا، وأن طوكيو ملتزمة باستثمارات تبلغ 550 مليار دولار.

وأشار الدكتور طرابيك أن تاكايشى، التى شغلت منصب وزيرة الأمن الاقتصادى قبل ذلك، تُعرف بتوجهاتها المحافظة المتشددة، حيث كانت تربطها علاقات وثيقة مع رئيس الوزراء الراحل شينزو آبى. فقد دعت تاكايشى إلى تبنى موقف متشدد تجاه الصين، ومواقف مرنة مع تايوان الأمر الذى من شأنه أن يثير حفيظة بكين. كما أنها تؤيد تعديل الدستور السلمى لليابان، خاصة المادة التاسعة التى تقيد حق البلاد فى شن الحروب. وقد أثارت زياراتها السابقة لضريح ياسوكونى المثير للجدل، الذى يكرّم قتلى الحروب اليابانيين، بمَن فيهم مجرمو الحروب، انتقادات شديدة من قِبل الصين وكوريا الجنوبية اللتين تعتبران الموقع رمزًا لعدوان طوكيو فى زمن الحرب. ولكن يتوقع أن تتبع تاكايشى سياسة حذرة فى التعبير عن مواقفها، خاصة فى ما يتعلق بالسياسة الخارجية. إذا كانت مواقفها تجاه الصين وكوريا معروفة جيدًا، لكنها تدرك أيضًا ضرورة الحفاظ على علاقات جيدة مع هذه الدول، وخاصة مع الولايات المتحدة، لأن لكل منها تأثيرًا كبيرًا على وجهات الصادرات اليابانية الرئيسية. ولكن رغم كل ذلك فستظل توجهات تاكاشى القومية قوية إلى حد ما.

وأضاف الدكتور طرابيك أن ما زال أمام تاكايشى مهمة إقناع حزب واحد على الأقل من أحزاب المعارضة فى البرلمان اليابانى لدعم حزبها فى تشكيل حكومة برئاستها، وذلك بعد أن فقد الحزب الليبرالى الديمقراطى أغلبيته فى مجلسى البرلمان خلال عامى 2024 و 2025، ليضطر إلى الحكم كأقلية. ولذلك فعندما ينعقد البرلمان فى 15 أكتوبر، يمكن نظريًا لأحزاب المعارضة عرقلة تثبيت تاكايشى فى منصبها رئيسة للحكومة، وإن كان هذا الاحتمال يبدو ضعيفًا. فأحزاب المعارضة ترى أن انضمامها إلى ائتلاف مع الحزب الحاكم قد يمنحها نفوذًا أكبر، لكنه قد ينفّر الناخبين الساخطين على الحزب الليبرالى الديمقراطى. وإذا تأكد تولى تاكايشى رئاسة الوزراء فى اليابان فسيكون أمامها تحديات كبيرة، يأتى فى مقدمتها الضغوط الاقتصادية الناتجة عن أزمة ارتفاع تكاليف المعيشة، وإدارة العلاقات الأمنية والتجارية مع الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، إضافة إلى معالجة المخاوف الداخلية بشأن تزايد أعداد الأجانب المقيمين أو الزائرين لليابان

وتابع الدكتور طرابيك بأن توجهات تاكايشى وعلاقتها برئيس الوزراء الراحل شينزو آبى، تشير إلى أن الزعيمة الجديدة لليابان، قد تعيد إحياء نهج «آبينوميكس» الاستراتيجية الاقتصادية التى تبناها رئيس الوزراء الأسبق شينزو آبى، والتى ارتكزت على سياسات نقدية ميسّرة، وإنفاق مالى واسع، وإصلاحات هيكلية، خاصة أنها قد انتقدت فى السابق خطط بنك اليابان المركزى لرفع أسعار الفائدة، فى وقت أكد فيه محافظ البنك كازو أويدا أن تحديد أسعار الفائدة سيتم «دون أى تصورات مسبقة»، وهذا يعد سياسات مغايرة لسياسات سلفها رئيس الوزراء السابق إيشيبا شيغيرو. ولكن هذا لا يعنى أن تاكايشى سوف تتمكن من كبح التضخم، باتباعها سياسات آبينوميكس السابقة، وهو ما يعنى ضعفًا حادًا فى قيمة الين، وزيادة فى الإنفاق الحكومى، وبالتالى تضخمًا أعلى.

وأضاف الدكتور طرابيك أن الرئيسة الجديدة للحزب الحاكم فى اليابان تاكايشى تأمل فى حال توليها رئاسة الحكومة المقبلة تمرير تشريع فى البرلمان لخفض ضريبة البنزين وإعداد ميزانية تكميلية، ولذلك لتمكينها من إصدار أمر بإعداد حزمة من الخطوات لتخفيف الأثر الاقتصادى لارتفاع تكاليف المعيشة وتخفيف المعاناة عن المواطنين حتى لا تؤثر تلك الأعباء الاقتصادية سلبًا على الاستهلاك وأرباح الشركات، الأمر الذى من شأنه إلحاق الضرر بالاقتصاد اليابانى.

 
 

الاكثر قراءة