رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

من قلب «شيكاغو» العاصفة.. أشباح الماضى تطارد ناطحات السحاب


5-10-2025 | 20:32

.

طباعة
رسالة شيكاغو: إيمان السعيد

قبل أيام من وصولى إلى مدينة شيكاغو، حذرتنى صديقتى الأمريكية من زيارة «المدينة العاصفة»، حيث انتشرت فى وسائل الإعلام الأمريكية العديد من القصص حول أزمة المهاجرين فى المدن الكبرى بالولايات المتحدة، الأزمة التى أصبحت محور الأخبار المحلية فى عدد كبير من الولايات. ولكن لم يكن الأمر بيدى، فزيارة المدينة جزء من الزمالة التى تحرص على أن نشاهد كل الجوانب الأمريكية.

على عكس اسمها المعروف بـ«المدينة العاصفة»، لم يكن الأمر متعلقًا بكثرة الرياح، فلقب المدينة ارتبط بها منذ أواخر القرن التاسع عشر. ورغم أن البعض يعتقد أن التسمية تعود إلى الطقس والرياح القوية القادمة من بحيرة ميشيغان، فإن أصل اللقب يرتبط أيضًا بالسياسيين والخطباء فى تلك الحقبة الذين كانوا يوصفون بأنهم «مليئون بالهواء الساخن» (أى كثيرو الكلام). لذلك أصبح اللقب جزءًا من هوية المدينة حتى اليوم.

انتقالًا من مدينة مينيسوتا الهادئة المليئة بالأشجار والبحيرات، جاءت شيكاغو لتضىء حياة أكثر حيوية فى الولايات المتحدة الأمريكية. هنا، فى المدينة الصاخبة المليئة بناطحات السحاب التى لم أتمكن من رؤية نهايتها فى اليوم الأول بسبب الضباب الكثيف، رأيت جانبًا آخر من المجتمع الأمريكي، أكثر تنوعًا وحيوية وصخبًا. فشيكاغو مدينة مليئة بالتناقضات والحقائق المدهشة، فهى ثالث أكبر مدينة فى الولايات المتحدة من حيث عدد السكان، وتشتهر بتنوعها العرقى والثقافى الهائل، وبوجود أحياء كبيرة للمهاجرين من جميع أنحاء العالم.

خلال زيارتى لشيكاغو، التقيت بجيلبرت بايلون، رئيس التحرير التنفيذى لمنصات الأخبار فى صحيفة «شيكاغو صن تايمز»، الذى حدثنى عن أزمة المهاجرين الحالية، حيث يعيش المهاجرون فى رعب حقيقى من هيئة إنفاذ قوانين الهجرة والجمارك الأمريكية (ICE) فى ولاية إلينوى، وخصوصًا فى شيكاغو، شهدت عمليات توقيف المهاجرين زيادة ملحوظة بعد أوامر الرئيس دونالد ترامب بتشديد إجراءات الهجرة. حيث أطلقت إدارة الهجرة حملات واسعة تستهدف المهاجرين غير النظاميين، خاصة من لديهم سجلات جنائية أو أوامر ترحيل سابقة. وأشار بايلون إلى أن التوقيفات أصبحت أحيانًا عشوائية وتثير الخوف بين الجاليات، بينما يبرر ترامب ذلك بأنه خطوة لمكافحة العنف فى المدن.

وأضاف بايلون أن هناك قصصًا إنسانية صادمة تصل إليه يوميًا، مثل أحد الآباء الذى تم توقيفه أثناء توصيله لأبنائه إلى حفلة عيد ميلاد، وأسرته لم تكن تعرف شيئًا عن مكان احتجازه أو مدة البقاء قبل الترحيل أو إطلاق سراحه. وأضاف أن الرعب أصبح يسيطر على جميع أفراد المهاجرين، حتى إن بعض الطلاب امتنعوا عن الذهاب إلى الجامعات خوفًا من التوقيف، وانتشر بين المهاجرين استخدام أجهزة لاسلكية لتحذير بعضهم البعض عند رؤية موظفى ICE فى الشوارع.

لكن أزمة الهجرة ليست سوى وجه واحد للتحديات التى تعيشها شيكاغو، فهناك أيضًا العنف المسلح الذى يلقى بظلاله الثقيلة على المدينة العاصفة، فخلال زيارتى لـ CRED ، وهى منظمة غير ربحية مقرها شيكاغو. تهدف المنظمة إلى منع العنف المسلح فى المدينة، أشار آرنى دنكان، الشريك الإدارى فى منظمة Cred ووزير التعليم الأمريكى الأسبق فى إدارة الرئيس باراك أوباما، أنه منذ عودته إلى شيكاغو عام 2016 كرّس جهوده لمكافحة العنف المسلح الذى يحرم أطفال الجانبَين الجنوبى والغربى من العيش بأمان بعيدًا عن الخوف والصدمات. وأوضح أن التركيز الأساسى اليوم هو التعامل مع العنف باعتباره قضية صحة عامة، وبناء بنية تحتية دائمة ممولة من القطاع العام لدعم برامج التدخل المجتمعي. وأشار إلى أن غياب العدالة فى النظام القضائى وقلّة التحقيقات فى جرائم القتل أدّيا إلى تراكم الصدمات وتفشى منطق الانتقام و«العدالة فى الشارع»، الأمر الذى حوّل الأطفال أحيانًا إلى ما يشبه «جنود صغار» يولدون فى نزاعات لا يعرفون بدايتها سوى أن بيئتهم وعائلاتهم منخرطة فيها.

وأضاف «دنكان» أن سهولة الحصول على السلاح فى الولايات المتحدة تجعل أى خلاف عرضة للتصعيد القاتل، سواء كان بين مجموعات متنازعة أو داخل الأسرة أو حتى بسبب مشادة بسيطة، لافتًا إلى أن هذا الواقع يضاعف من حدة الأزمة فى أحياء فقيرة تعانى أصلًا من نقص فى الموارد الأساسية.

وتوقف «دنكان» عند الجانب التشريعى والسياسي، موضحًا أن حظر السلاح الهجومى الذى أُقر فى ضاحية هايلاند بارك بعد حادث يوم 4 يوليو 2022 عندما فتح رجل النار من سطح بناء على الحضور خلال موكب الاحتفال بيوم الاستقلال فى هايلاند بارك بولاية إلينوي، ما أدى إلى مقتل سبعة أشخاص، يتم الطعن فيه حاليًا من قِبل إدارة ترامب.

ورأى أن هذا يعكس مأزقًا أكبر تعيشه البلاد، إذ بينما تحاول بعض الولايات والمجتمعات فرض قيود لحماية الناس، تأتى السياسات الفيدرالية لتعطّل هذه الجهود أو تعكسها. وأكد أن هذا الانقسام يعكس غياب الإرادة السياسية الحقيقية لمعالجة أزمة السلاح على المستوى الوطني، وهو ما يدفع منظمته للتركيز أكثر على تعبئة التمويل العام لبرامج الصحة المجتمعية وبناء الثقة بين الناس والشرطة.

ومع نهاية رحلتى فى المدينة الصاخبة، ذهبت فى «جولة الأشباح» فى شيكاغو لاستكشاف الجانب المظلم والغامض للمدينة. كانت التجربة مليئة بالقشعريرة، ومن أبرز القصص التى سمعتها كانت عن فندق «Congress Plaza» ، الذى يكتنفه الغموض منذ افتتاحه، حيث يروى الزوار سماع أصوات أقدام وضحكات فى الممرات ليلاً، ورؤية ضيوف يختفون فجأة، واهتزازات غريبة للأجهزة دون سبب واضح، كأن المكان يحتفظ بذكريات الموتى ولا يريد أن يتركها تغيب عن العالم الحي. هذه الجولة جعلتنى أرى شيكاغو من زاوية مختلفة تمامًا.. مدينة مليئة بالحياة من الخارج، لكنها تخبئ قصصًا مثيرة ومذهلة خلف ناطحات السحاب وضوضاء المدينة، لتظل شيكاغو مدينة لا يمكن فهمها إلا حين تعيشها بكل تفاصيلها، حيث كل شارع وكل مبنى يحمل حكاية تستحق أن تُروى.

 

أخبار الساعة