فى خضم الجهود الأمريكية والعربية لإنجاح صفقة إنهاء الحرب فى غزة، ومع وضع الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، صفقة جادة، للمرة الأولى على الطاولة، أبدت حماس الاستعداد لتسليم ملف غزة إلى جامعة الدول العربية واللجنة العربية الإسرائيلية لا يزال من غير المعروف إذا كانت الحركة ستوافق على تسليم سلاحها، أو ما هى العراقيل التى سيضعها رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو، لعرقلة الصفقة التى قد تودى بمستقبله السياسى وتسقط حكومته اليمينية المتطرفة.
تقود القاهرة حربًا دبلوماسية شرسة لدحض فكرة تصفية القضية الفلسطينية، وكانت لها اليد العليا فى موجة الاعتراف الدولية بفلسطين كدولة ذات سيادة ورفض مخطط التهجير لسكان القطاع، فيما تسعى جاهدة لتشكيل قيادة عربية موحدة لإنهاء الإبادة الجماعية التى شنها الاحتلال منذ أكثر من عامين على القطاع، وإنجاح حل الدولتين وصفقة تضمن لسكان غزة البقاء على تلك الأرض التى لا تزال تجهل ملامح يومها التالى. وفى ظل التعنت الإسرائيلى الواضح، قوبلت الخطة الترامبية بشروط عربية تضمن حقوق الفلسطينيين والقضية الفلسطينية؛ إذ وضعت الدول العربية المشاركة باجتماع ترامب، مع القوى العربية على هامش فعاليات الجمعية العامة للأمم المتحدة، عدة شروط لدعم الخطة الأمريكية، على رأسها عدم ضم إسرائيل أى أجزاء من الضفة الغربية أو غزة، ووقف بناء المستوطنات، مع ضرورة احترام الوضع الراهن فى المسجد الأقصى، وزيادة المساعدات الإنسانية لقطاع غزة بشكل فورى.
وبحسب مصادر مطلعة على الاجتماع، أكد ترامب للقادة العرب أنه لن يسمح لإسرائيل بضم أى جزء من الضفة الغربية، وفى المقابل أعرب القادة العرب والمسلمون عن دعمهم للمبادئ الأمريكية، والتزموا بالمشاركة فى خطة ما بعد الحرب، والتى بحسب مصادر إسرائيلية تتضمن 21 بندًا، وتدعو لإطلاق سراح جميع الأسرى خلال 48 ساعة من التوقيع، مقابل انسحاب تدريجى للقوات الإسرائيلية من غزة، ولكن لا تتضمن الخطة جدولًا زمنيًا محددًا للانسحاب، إضافة شرط عدم اضطلاع حركة حماس بدور مستقبلى فى حكم غزة، فيما تنص على مستويين من الحكم المؤقت فى غزة، وهما هيئة دولية شاملة، ولجنة فلسطينية. كما أشارت الخطة الأمريكية إلى دور الأمم المتحدة فى تقديم الدعم الإنسانى، دون الإشارة إلى مؤسسة غزة الإنسانية. وفيما ينظر المجتمع الدولى لخطة ترامب، على أنها أولى الخطط الأمريكية جدية لإنهاء الحرب، تسود حالة من الإحباط فى الأوساط السياسية بسبب الموقف الإسرائيلى المراوغ؛ إذ إن اليمين الإسرائيلى لا يزال يطالب بفرض سيادة مطلقة على الضفة الغربية، وفيما تبدلت لهجة الإدارة الأمريكية التى أعربت عن رفضها للخطوة، لا يزال اليمين يضغط على نتنياهو –الذى يسعى للفوز بالانتخابات العامة القادمة– لكى يقدم على الخطوة التى من شأنها إنهاء أفق التفاوض فى أى لحظة.
وفى حديثه لـ«المصور»، أكد الدكتور أيمن الرقيب، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس، أنه على الرغم مما تتضمنته خطة ترامب من عوارات وغموض بشكل كبير جدًا، خاصة بملف انسحاب الجيش الإسرائيلى من غزة، والوصاية الدولية على الشعب الفلسطينى، ومحاولات شطب السلطة الفلسطينية من المشاركة فى كل هذه المعطيات، فإننا نقول إنه فى الوقت الراهن لا يسعنى سوى القبول بهذه الخطة لإنهاء الإبادة الجماعية التى تُمارس على سكان القطاع، على الرغم من تجاهل ترامب، للزعماء الفلسطينيين، فى أى اجتماعات تناقش اليوم التالى فى غزة. وأشار الرقيب، إلى أنه من المتوقع أن يرفض نتنياهو تلك الخطة التى تضع شرطًا واضحًا بعدم ضم الضفة الغربية، ولكن من السابق لأوانه التكهن بما سيفعله رئيس الوزراء الإسرائيلى فى الأيام المقبلة، خاصة أنه من الممكن أن يتحجج الجانب الإسرائيلى عن عوارات الخطة أو يضع العراقيل فيما يخص تسليم سلاح الحركة وخروجها الآمن من القطاع. وتبقى الآن الكرة فى ملعب حماس التى فى حال وافقت على الخطة سيكون من الصعب على إسرائيل رفض الخطة.
وفى تعليقه على الخطة الأمريكية، أوضح الدكتور عبدالمهدى مطاوع، المحلل السياسى الفلسطينى، أن خطة ترامب تخطت فكرة المفاوضات، وعلى ما يبدو أن الخطة حصلت على الموافقة ليس فقط من الدول العربية والإسلامية، فيما يمكن تشبيه الوضع بأنه قرار دولى الآن، كون العالم الدولى يرغب فى إنهاء الحرب فى غزة، كما أن الخطة –كما تبدو حتى اللحظة– تلبى العديد من شروط نتنياهو، ولكن فى اعتقادى، بأنه إذا رفضت حماس الخطة فهى الخاسرة فى المعادلة، وفى حال قبولها ستحصل على مقابل يتعلق بحياة قياداتها وإعطائها مساحة الإقامة فى أى دولة تريد، ولكن فى حال رفضت من المؤكد أنه سيتم تنفيذ المخطط حتى رغم رفضها حسب البند 17 فى الـ 21 نقطة التى تتضمنها الخطة، وفى حقيقة الأمر لن تستطيع حماس مواجهة العالم برفض الخطة، وهى خطوة تعنى استمرار الدمار فى القطاع وهذه مسئولية تاريخية لا تستطيع حماس تحملها. وأضاف مطاوع، أن الأمر الآخر الذى علينا وضعه فى المعادلة هو عودة العقوبات على إيران والتى تشكل ضغطا إيرانيا على حزب الله وحماس لتعطيل أى اتفاقيات، وهى نقطة أخرى مهمة؛ لأن طهران تعى بأنه فى حال خسرت كافة الأوراق سيكون من السهل القضاء عليها، ولهذا فهى تسعى لاستخدام أذرعها لمجابهة الجانبين الإسرائيلى والأمريكى.