رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

«استقرار الاقتصاد الكلى» يتصدر الأولويات.. «السردية الوطنية».. صناعة «اقتصاد مصرى جديد»


5-10-2025 | 20:24

.

طباعة
تقرير: رانيا سالم

تحسّن المؤشرات الاقتصادية لم ولن يكون وليد الصدفة، بل هو نتاج جهود إصلاحية مستمرة، وانتهاء برنامج صندوق النقد الدولى لن يكون نهاية تلك الرحلة، بل هناك بداية جديدة للإصلاح تسعى الحكومة لتنفيذها بجهود ورؤية وطنية خالصة عبر السردية الوطنية للتنمية الاقتصادية والمقرر طرحها للحوار المجتمعى، وتأكيدًا على دور «المصوّر» فى مشاركة الجهات التنفيذية فى طرح رؤيتها بشأن تفاصيل السردية وتحليل الخبراء لها، سيتم تناول فصول السردية بالتحليل خلال الحلقات القادمة.

 

 

فى السابع من سبتمبر الماضى، أُطلقت السردية الوطنية المصرية للتنمية الاقتصادية، و«السردية» هى إطار شامل يحقق التكامل بين برنامج عمل الحكومة 2024 - 2025 / 2026 - 2027، ورؤية مصر 2030، لتقدم السردية كنموذج اقتصادى يرتكز على ترسيخ استقرار الاقتصاد الكلى، والتركيز بشكل أكبر على القطاعات الأعلى إنتاجية، والأكثر قدرة على النفاذ للأسواق التصديرية، والاستفادة من البنية التحتية المتطورة، وفى الوقت ذاته إعادة تعريف دور الدولة فى الاقتصاد، بما يعزز القدرة التنافسية للاقتصاد المصرى ويحفز مشاركة القطاع الخاص، استكمالًا لمسار الإصلاح الاقتصادى.

 

 

«ضعف الإنتاجية، فجوة الادخار والاستثمار، تحسين كفاءة إدارة الموارد» تحديات ثلاثة ترتكز عليها السردية الوطنية للتنمية الاقتصادية المصرية، التى تهدف إلى توجيه الاستثمارات نحو القطاعات الإنتاجية، وتعزيز التنسيق بين السياسات الاقتصادية، عبر محاور ثلاثة قوانين حديثة للتخطيط والمالية العامة، وتعبئة الموارد لتمويل التنمية، ودعم التحول نحو الاقتصاد الأخضر.

«البحث عن حلول للتحديات» هو الدور المنوط بالسردية الوطنية، كتحديات دور القطاع الخاص وريادة الأعمال فى تحقيق النمو وخلق فرص العمل، وإصلاح بيئة الأعمال، وتحفيز الاستثمار الأجنبى والمحلى، وربط التعليم بسوق العمل، وتطوير المهارات الفنية والمهنية، ودعم الابتكار وريادة الأعمال.

«التخطيط من القاعدة إلى القمة» هكذا ترتكز السردية الوطنية فى تعاملها مع الجانب المحلى عبر توزيع الاستثمارات بعدالة بين محافظات الجمهورية، الاهتمام بالبرامج الكبرى كبرنامج «حياة كريمة»، ودمج البعد البيئى فى التخطيط التنموى لضمان استدامة النمو على المستوى الوطنى والمحلى.

واعتمدت «السردية الوطنية» على مخرجات وتوصيات وتكليفات من عدد من الجهات كالحوار الوطنى، والمجلس التخصصى للتنمية الاقتصادية والمجلس الأعلى للاستثمار واللجان الاستشارية التابعة لرئيس مجلس الوزراء مثل لجنة الاقتصاد الكلى، ولجنة تنمية الصادرات، بخلاف التنسيق المستمر مع الجهات الوطنية كالمجموعة الوزارية الاقتصادية والتنمية الصناعية وريادة الأعمال واللجان المختصة المختلفة والمجلس التنسيقى للسياسات المالية والنقدية، لتقدم السردية قائمة من الإصلاحات الهيكلية المطلوب تنفيذها وإطار اقتصاد كلى مبسط بأهداف كمية قابلة للقياس بحلول عام 2030 وما هو مأمول بحلول 2050، وفق 3 سيناريوهات: أحدها أساسى، والثانى قائم على تسريع وتيرة الإصلاحات، والثالث أكثر تحفظًا يأخذ فى الاعتبار المخاطر النزولية المتمثلة فى تصاعد حالة عدم اليقين على الصعيد العالمى والتوترات الجيوسياسية وانعكاساتها المحتملة على الاقتصاد الوطنى.

ويتشكل هيكل «السردية الوطنية للتنمية الاقتصادية» من خمسة فصول رئيسة، يتناول كل منها أحد المحاور الرئيسية فى مسار التنمية الاقتصادية، لتشكل معا إطارًا تحليليًا متكاملًا يرتكز على تعزيز وتنسيق السياسات والإصلاحات الهيكلية، وفى الوقت ذاته تقديم تحليل معمق لمسارات النمو والتشغيل، وأبرز محركات النمو، وتوصيات قطاعية قائمة على الأدلة، تأخذ فى الاعتبار العديد من الاعتبارات منها المساواة بين الذكور والإناث وقضايا التغير المناخى، ليتم ختم كل فصل من السردية الوطنية بحزمة من السياسات الداعمة للنمو والتشغيل ومصفوفة من الإصلاحات الهيكلية، بما يسهم فى تكوين رؤية متكاملة للإصلاح الاقتصادى والتنمية المستدامة.

وحددت السردية ثلاث ركائز للنموذج الاقتصادى المصرى الجديد، أولها استقرار الاقتصاد الكلى كمرتكز للنمو المستدام، والتحول الهيكلى نحو القطاعات القابلة للتبادل التجارى، وإعادة تعريف دور الدولة فى الاقتصاد وتمكين القطاع الخاص.

«استقرار الاقتصاد الكلى»، هكذا عنونت «السردية الوطنية» لفصلها الأول، باعتباره إحدى ركائز النموذج الاقتصادى المصرى الجديد التى ستنتهجه حتى 2050، فاستقرار الاقتصاد الكلى ركيزة أساسية لتعزيز قدرة الاقتصاد على مواجهة التحديات الداخلية والخارجية، وتحقيق نمو مستدام وشامل، عبر تنسيق كامل بين السياسات المالية والنقدية، لضمان الانضباط المالى وتحقيق الاستدامة المالية على المديين المتوسط والطويل.

عدد من التحديات الهيكلية التى تواجه الاقتصاد المصرى تم سردها فى الفصل الأول، فى مقدمتها الفجوة المزمنة بين الادخار والاستثمار، وصعوبة تعبئة الموارد المحلية، ورفع كفاءة إدارة الاستثمار العام.

«سياسات تعزيز مرونة الاقتصاد المصرى واستدامته المالية» تحدٍّ آخر يسرده الفصل الأول، من خلال تحسين كفاءة تخصيص الموارد وتوجيهها نحو القطاعات الإنتاجية والتصديرية ذات الأولوية، والتكامل بين قانون التخطيط العام رقم 18 لسنة 2022 وقانون المالية العامة الموحد رقم 6 لسنة 2022، وتفعيل اللائحة التنفيذية لقانون التخطيط، بما يسهم فى تحديد الفجوات التنموية على المستويين القومى والمحلى، وتوجيه التمويل التنموى والدين العام نحو مشروعات ذات جدوى اقتصادية واجتماعية.

«مواءمة الخطة الاستثمارية للدولة مع الموازنة متوسطة الأجل»، أمر آخر تطرقت له السردية فى فصلها الأول، هذا إلى جانب التطرق إلى تطوير إطار مؤسسى لتحديد فجوة التمويل ومصادرها، وضمان الاتساق بين السياسات الاقتصادية المختلفة فى سياق تنفيذ البرنامج الوطنى للإصلاحات الهيكلية، فيتم استعراض جهود تفعيل الاستراتيجية الوطنية المتكاملة لتمويل التنمية INFS، بهدف تعبئة الموارد المحلية والدولية وتوجيهها بشكل فعال لدعم القطاعات ذات الأولوية ودعم التحول إلى الاقتصاد الأخضر، مع استهداف رفع نسبة الاستثمارات العامة الخضراء إلى 70 - 75 فى المائة بحلول عام 2030، ودمج البعد البيئى فى عملية التخطيط التنموى.

«التوجهات العامة للسياسة المالية» هكذا يختتم الفصل الأول سرديته، والتى ترتكز على الإيرادات والنفقات، ورفع كفاءة الاستثمار والإنفاق الحكومى، بما يسهم فى خلق حيز مالى يتيح توسيع الإنفاق على أولويات التنمية، وفى مقدمتها (التعليم، الصحة، والحماية الاجتماعية).

الدكتور محمد أنيس، الخبير الاقتصادى، قال: من منظور تخطيطى بحت تسير الدولة المصرية فى خطة بها مستهدفات كمية أقرب للشبه لما هى متواجدة فى السردية الوطنية فى الفترة من مارس 2024 وحتى نوفمبر 2026، ففى هذه الفترة يتم تنفيذ البرنامج الخاص بصندوق النقد الدولى، ولهذا هناك مستهدفات معينة يتم السعى لتنفيذها تخص معدلات النمو والعجز فى الموازنة واستقرار سعر الصرف، وهى مستهدفات تم الاتفاق عليها مع جهة التمويل من صندوق النقد.

وتابع: ماذا بعد انتهاء البرنامج المتفق عليه من صندوق النقد؟، كان يلزم وجود خطة محددة فى المرحلة اللاحقة لبرنامج صندوق النقد، وذلك لأن الإصلاح مع برنامج صندوق النقد هو إصلاح مالى فى شكله الأساسى، ولذا يلزم أن يتبعه إصلاح هيكلى وجنى مكاسب مرتبطة بالإصلاح المالى، كارتفاع فى معدلات النمو ونقص معدلات البطالة وزيادة فى جذب رءوس الأموال الأجنبية والاستثمارات الأجنبية».

وأضاف: بجانب السردية الوطنية لا بدّ أن يكون هناك فصل محدد مرتبط بالإصلاح الهيكلى، حتى تتم معرفة تحديد ما هو يلزم تنفيذه من إصلاح هيكلى مقترح؛ لأن المستثمر، كما يريد معرفة الخطة المرتبطة بالعجز فى الموازنة ومعدلات النمو، هو فى انتظار معرفة الإصلاحات الهيكلية التى يرى أنه يلزم وجودها، وكيف سيتم تنفيذها وموعد التنفيذ، وهل سيتم تنفيذها أم لا، لهذا وجود فصل مرفق مرتبط بالإصلاح الهيكلى أمر ضرورى، على أن يكون الإصلاح الهيكلى بكل جوانبه كالأمور المرتبطة بتطوير البيروقراطية، الخاصة بالتحول الرقمى والشمول المالى، والإصلاح التشريعى.

وقال «أنيس» الفصل الأول للسردية الوطنية الذى عنون له باستقرار الاقتصاد الكلى جاء عبر عدد من المستهدفات كمستهدفات مرتبطة باستدامة مستويات الدين، وتقليل نسبتها وإطالة أمدها، وهو ما خصص فى مؤشرات الاقتصاد الكلى، بجانب وضوح لمجتمع الأعمال بأن الفترة القادمة هى فترة الاعتماد على الاستثمارات الخاصة، كجنى لمكاسب مرتبطة بأن الاستثمارات العامة فى العشر سنوات الماضية هى تمهيد لجذب وتأهيل وتوفير مناخ أفضل للاستثمارات الخاصة لجذب الاستثمار الأجنبى المباشر المستهدف التطبيق.

وأوضح أن «التركيز على جذب الاستثمار الأجنبى المباشر المستهدف فى السردية الوطنية، لأنها ستسد الفجوة التمويلية، ولن يكون هناك عجز، وفى الوقت ذاته تنتج عنها إيرادات مستدامة تعدل من الميزان التجارى، وبالتالى يلزم تحديد بشكل واضح فى مستهدفات السردية أرقام جذب الاستثمار الأجنبى المباشر، وفى مقابلها الإصلاح الهيكلى؛ لأن قوة الإصلاحات الهيكلية ستقابلها زيادة فى الاستثمارات الأجنبية.

وأرجع الخبير الاقتصادى، بدء السردية الوطنية فى فصلها الأول باستقرار الاقتصاد الكلى، إلى أن المؤشرات الاقتصادية هى الأساس فى الخطط والبرامج الاقتصادية، ولذا كان يلزم أن تتصدر أى خطة أو برنامج لتتعرف على مؤشرات هامة كمعدل النمو ونسبة الدين ومعدل البطالة وعجز الموازنة، والأمر الثانى يرجع إلى أن السردية الوطنية سيتم تطبيقها بعد برنامج صندوق النقد مباشرة، وهو برنامج اقتصادى وليس تنمويا، فهو برنامج تثبيت مالى يهدف إلى إصلاح مالى يؤدى إلى استقرار ووضع أفضل لمؤشرات الاقتصاد الكلى، وبالتالى يجب البناء عليها وتحقيق لها استقرار واستدامة فى المرحلة اللاحقة لها، وبالتالى كان يلزم أن تتصدر المؤشرات الاقتصادية واستقرار الاقتصاد الفصل الأول للسردية.

 

 

 

الاكثر قراءة