فى مشهد يُعيد رسم ملامح التوتر فى الشرق الأوسط، شرعت إيران مؤخرًا فى إعادة بناء مواقع الصواريخ التى دمّرتها الضربات الإسرائيلية، فى خطوة متسارعة لتعزيز جاهزيتها العسكرية، وفى وقت لا تزال الخلافات بين إيران والقوى الأوروبية تعترض مساعى التوصل إلى اتفاق وإعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة على طهران. بينما تستعرض إيران قدرتها على تجاوز آثار الهجوم واستعادة قوتها العسكرية، يبقى السؤال: هل تمثل هذه الخطوة رسالة تحدٍّ لإسرائيل والغرب أم أنها جزء من استراتيجية أوسع لإعادة ترتيب أوراقها فى الإقليم؟
يعد إعادة بناء برنامج الصواريخ أمرًا بالغ الأهمية للجمهورية الإسلامية التى تعتقد أن جولة أخرى من الحرب مع إسرائيل قد تحدث، وهى خطوة تعكس إصرارها على الحفاظ على ترسانتها الصاروخية، رغم العقوبات الدولية والضغوط الخارجية. تُعد الصواريخ إحدى أدوات الردع العسكرية القليلة لإيران، بعد أن كشفت حرب الـ12 يومًا عن ثغرات فى القدرات الدفاعية الإيرانية، خاصة بعد تدمير بطاريات «إس 300» الروسية وتدمير أنظمة دفاعها الجوى، وهو أمر أصرت طهران منذ فترة طويلة على أنه لن يُدرج أبدًا فى المفاوضات مع الغرب. تهدف طهران الحصول على الخلاطات الكوكبية، لا سيما مع إعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة عليها التى تهدف إلى تقييد تطوير البرنامج الصاروخى الإيراني. لكن خبراء حذروا من أن الجهود الإيرانية لاستعادة القدرة الإنتاجية الكاملة لبرنامج الصواريخ تواجه تحديًا كبيرًا، يتمثل فى غياب مكوّن رئيسى لإنتاج الوقود الصلب وهو الخلاطات، مما يشكل عائقًا حاسمًا أمام استعادة كامل القدرة الإنتاجية. يمكن لإيران أن تحاول الحصول على هذه الخلاطات من الصين، كما فعلت فى مرات سابقة حين استوردت مكونات وقود الصواريخ من هناك.
تمتلك إيران قواعد لتصنيع صواريخ الوقود الصلب فى خوجير وبارشين، وهما موقعان خارج طهران مباشرةً، بالإضافة إلى شاهرود، على بُعد حوالى 350 كيلومترًا شمال شرق العاصمة. يمكن إطلاق صواريخ الوقود الصلب أسرع من تلك التى تستخدم الوقود السائل، هذه السرعة تُحدث فرقًا كبيرًا بين إطلاق صاروخ وتدميره فى منصة الإطلاق وهو أمرٌ حدث خلال الحرب مع إسرائيل حتى قبل الحرب الأخيرة، تعرضت جميع هذه المواقع لهجوم إسرائيلى فى أكتوبر 2024 خلال الأعمال العدائية بين البلدين.
تزامن ذلك مع فشل مساعى روسيا والصين فى مجلس الأمن المكون من 15 دولة عضوا الجمعة، لتأجيل إعادة فرض العقوبات على إيران لمدة ستة أشهر حتى 18 أبريل 2026 وذلك قبل يوم واحد من الموعد النهائي. وصوتت أربع دول فقط لصالح مشروع القرار الروسى الصيني وصوتت تسع دول بالرفض، فى حين امتنعت دولتان عن التصويت. ومن المتوقع أن تُفاقم هذه الخطوة التوترات المُتفاقمة بين إيران والغرب، وربما تحذو إيران حذو كوريا الشمالية بالانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووى، التى تخلت عن المعاهدة فى عام 2003 ثم بنت أسلحة ذرية. وقال وزير الخارجية الإيرانى عباس عراقجي إن طهران ستلغى اتفاقًا يسمح للوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة بتفتيش المواقع النووية الإيرانية واعتبر القرار غير قانونى. وأوضح أن التفاوض مع أمريكا فى طريق مسدود وأكد أن بلاده لن ترضخ للضغوط فى الملف النووى.
وكانت مجموعة الدول الأوروبية الثلاث (E3) فرنسا وبريطانيا وألمانيا أو التروكيا الأوروبية قد أطلقت فى 28 أغسطس الماضى عملية مدتها 30 يوما لمعاودة فرض عقوبات للأمم المتحدة تنتهى فى 27 سبتمبر، متهمة طهران بعدم الالتزام باتفاق عام 2015 مع القوى العالمية الذى يهدف إلى منعها من تطوير سلاح نووي. بموجب آلية «سناب باك» Snapback»أو الضغط على الزناد ستتم إعادة فرض العقوبات التى فرضها مجلس الأمن الدولى على إيران فى ستة قرارات وتشمل حظر توريد السلاح لإيران، حظر تخصيب اليورانيوم وإعادة معالجته، حظر الأنشطة المتعلقة بالصواريخ الباليستية القادرة على حمل رؤوس نووية، بما فى ذلك إطلاق هذه الصواريخ، بالإضافة إلى حظر نقل تكنولوجيا الصواريخ الباليستية أو تقديم المساعدة التقنية، تجميد الأصول وحظر السفر على أفراد وكيانات إيرانية ومنح الدول تفويضا بتفتيش الشحنات الإيرانية المنقولة جوا وشحنات شركة الملاحة البحرية الإيرانية بحثا عن بضائع محظورة. وهذا من شأنه أن يُثقل كاهل اقتصاد البلاد المُتعثر.
يرى الدكتور هانى سليمان، مدير المركز العربى للبحوث والدراسات والباحث فى الشأن الإيرانى، فى حديثه لـ«المصور»، أن إعادة بناء مواقع الصواريخ التى دمرت خلال الحرب يحمل رسالتين، الأولى تحدى الولايات المتحدة وإسرائيل والمجتمع الغربى، وأن إيران عازمة على إعادة بناء قدراتها العسكرية، وأنها لن تتراجع عن هدفها وعن وجودها كقوة إقليمية كبرى. الرسالة الثانية هى الاستعداد لضربة عسكرية إسرائيلية قادمة لإيران، وهو احتمال ما زال قائما وأسهمه تتزايد مع الوقت مع تعقد المسارين الدبلوماسى والسياسى. فإيران تستعد من خلال هذه الأمور وعدة أدوات أخرى مثل إعلان وزير الدفاع الإيرانى عزيز نصير زادة إنشاء مصانع للبنى التحتية والصواريخ خارج إيران، علاوة على قدراتها الصاروخية، وبالتالى جزء من أهم استراتيجيات الاستعداد هو بناء القدرات التى دمرت وإعادة توزيع مخازن الأسلحة والذخائر والقواعد العسكرية وعمل نوع من التمويه، بالإضافة إلى إعادة بناء المؤسسات، وعمل نوع من تدوير أو استحداث القيادات والمنظومات الأمنية الجديدة.
فيما يخص موقف روسيا والصين الحليفين الاستراتيجيين لإيران من عودة العقوبات، أوضح الدكتور سليمان أن دورهما لن يتجاوز تقديم دعم دبلوماسى وسياسى والتفاوض مع الدول الأوروبية والجانب الأمريكى، والتأكيد على رفض عودة العقوبات وعلى حق إيران فى التخصيب، وكذلك على صحة الموقف الإيرانى.
وأضاف أن هناك عنصراً اخر متعلقاً بجهود الوساطة والجهود الدبلوماسية لمحاولة طرح بدائل أو حلول بسبب غياب أى تقدم فى المفاوضات مع إيران، ولن يكون هذا الدور أبعد من ذلك لأن روسيا لديها أهداف مختلفة وخطوط حمراء لا يمكن تجاوزها إلا فيما يتعلق بتهديد المصالح الروسية نفسها. وعلى الرغم من التعاون الروسى – الإيرانى، ولكن روسيا تتحفظ نوعا ما فى مساحة الدعم الذى ستقدمه، ربما يكون متقدما بدرجة كبيرة لكن لن يتطور إلى مرحلة الدفاع العسكرى عن إيران. أما بالنسبة للصين فهى لديها منظور اقتصادى وتحاول دعم إيران من خلال بعض الأساليب غير المباشرة للتكيف مع العقوبات وبعض الأطر المختلفة على المستوى الاقتصادى، ولكن هذا الدور لن يصل إلى دور عسكرى إلا إذا كانت هناك مساحات لتعاون عسكرى لدعم إيران فى ظل أى مواجهة محتملة مع إسرائيل ببعض الأسلحة أو إمدادها ومساعدتها فى ترسانتها وقدراتها العسكرية ليس أكثر من ذلك، ويعد دورا مقبولا فى ظل المعطيات الحالية.