مساء الثلاثاء، دقت أجراس كنائس محافظة أسيوط ابتهاجاً باستقبال قداسة البابا تواضروس الثانى، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، فى زيارة تاريخية تستغرق 8 أيام.
ويحظى دير درنكة الذى يعد آخر محطات العائلة المقدسة فى مصر، بإقامة البابا تواضروس طوال فترة زيارته إلى أسيوط، وسط استعدادات أمنية وكنسية مشددة داخل الإيبارشيات تحت رعاية الأنبا يوأنس أسقف أسيوط وتوابعها وسكرتير المجمع المقدس فى الكنيسة.
تتضمن جولة البابا الرعوية الـ7 إيبارشيات التابعة للكنيسة القبطية الأرثوذكسية، والتى تبدأ من إيبارشية ديروط وصنبو، ويستقبله الأنبا برسوم مطران الإيبارشية مع الآباء الأساقفة المرافقين وجموع الأقباط، قبل أن يتوجه إلى دير العذراء المُحرَّق العامر حيث يلتقى الأنبا بيجول أسقف ورئيس الدير، والأنبا توماس مطران القوصية ومير، وسط حضور كثيف من الرهبان والأقباط، فى الوقت الذى يتوجه فيه يوم الخميس 2 أكتوبر إلى مدينة أسيوط الجديدة، لافتتاح بيت الخليقة، ثم زيارة مزرعة كيرومينا وافتتاح نادى الإيمان، على أن يقام مساء نفس اليوم احتفال رسمى بهذه المناسبة.
ويدشن البابا خلال زيارته لأسيوط عددًا من الكنائس من بينها كنيسة القديس مرقس الرسول بحى غرب أسيوط، وكنائس بدير العذراء مريم بدرنكة، وكنيسة الشهيد مارجرجس، وكذلك مذابح مغارة العذراء بدير السيدة العذراء بجبل درنكة، إضافة لافتتاح عدد من المشروعات الخدمية والكنسية، بينها كاتدرائية العذراء بمنطقة المعلمين، وعدة مدارس جديدة، إضافة إلى وضع حجر الأساس لمستشفى القلب التخصصى، ثم يلتقى الآباء الكهنة.
الباحث والمفكر القبطى كمال زاخر، قال إن زيارة البابا تواضروس التاريخية لكنائس وإيبارشيات أسيوط، هى الثانية له، بعد زيارته الأولى فى سبتمبر 2018، وتأتى الزيارة كامتداد لتقليد كنسى مستقر، منذ القرن الأول الميلادى، بأن يقوم البابا بتفقد الرعية بامتداد الوطن، وخارجه أيضاً، بعد أن امتدت الكنيسة القبطية لتغطى خدمتها لأبناء الكنيسة فى مختلف قارات العالم، انطلاقاً من إفريقيا إلى أوروبا وأمريكا وآسيا وأستراليا.
وتعد أسيوط أكبر محافظات الصعيد من حيث الكثافة المسيحية، بعد محافظة المنيا، وتضم العديد من الآثار القبطية التاريخية، ولعل أهمها دير درنكة المعروف باسم دير السيدة العذراء مريم، ويقع فى جبل أسيوط، باعتباره من أهم محطات مسار العائلة المقدسة، عند هروبها إلى مصر احتماء من بطش هيردوس الحاكم الرومانى للقدس وقتئذ، وكان موقع دير درنكة هو آخر محطات رحلة العائلة المقدسة ومنها بدأت رحلة العودة.
ويضيف المفكر القبطى أنها تضم من العائلة المقدسة أربعة أشخاص هم القديسة العذراء مريم وطفلها يسوع المسيح ويوسف النجار خطيبها، وسالومة أو سالومى عمة العذراء مريم.
وتشمل الزيارة إيبارشية القوصية والتى تضم الدير المحرق، والذى أقيم أيضاً على واحدة من المواقع التى لجأت إليها العائلة المقدسة ويسمى أيضا بدير العذراء مريم، وفى مغارة داخل هذا الدير استقرت العائلة المقدسة، لنحو ستة أشهر، وتحول مكان إقامتها إلى موضع صلاة (يعرف فى أدبيات الكنيسة بالهيكل والمذبح)، وعليه ترفع الصلوات الكنسية الطقسية وتضمه كنيسة أثرية تعد الأولى تاريخياً فى العالم، وهو أول مذبح شيد على الحجر الذى كان يجلس عليه المسيح، لذلك يسمى المذبح الحجرى.
وأوضح «زاخر»، أن الحجاج الأفارقة المسيحيين، وخاصة مسيحيى أثيوبيا، يعتبرونه إحدى أهم نقاط رحلة حجهم البرى للقدس، ومن الطبيعى أن تمتد زيارة البابا لنحو أسبوع أو يزيد، ليتمكن من زيارة كل إيبارشيات أسيوط، وسيكون دير العذراء مريم بدرنكة هو مقر إقامة البابا البطريرك فى هذه الرحلة الرعوية.
وأشار «زاخر» إلى أن زيارة البابا للإيبارشيات الست تتضمن افتتاح العديد من المشروعات التنموية والكنسية فيها، فى ترسيخ للدور المجتمعى والوطنى للكنيسة، كما تؤكد الزيارة على تمتع الكنيسة بأسيوط بالسلام والأمن.
ويرى دياكون مرقس، خادم إيبارشية دشنا للأقباط الأرثوذكس، أن زيارة البابا تواضروس تأتى فى توقيت يحمل دلالات عميقة للكنيسة القبطية الأرثوذكسية وللمجتمع المصرى ككل، إذ تتجاوز كونها مجرد برنامج تفقدى أو احتفالى لتغدو رسالة روحية ووطنية متكاملة، كما تتيح للأقباط فى الصعيد فرصة نادرة للالتقاء براعى الكنيسة الأول، فاللقاء المباشر مع بطريرك الكنيسة يعمّق الانتماء لها، ويمنح دفعة روحية كبيرة تشجع المؤمنين على الاستمرار فى الحياة الكنسية والثبات فيها.
وأضاف «مرقس» أن الكنيسة قوة فاعلة فى خدمة المجتمع وتنميته، فالتعليم والرعاية الاجتماعية جزء أصيل من رسالة الكنيسة القبطية الأرثوذكسية منذ عصور طويلة كمؤسسة وطنية تعمل على تعزيز السلام المجتمعى ووحدة المجتمع وتماسكه، والبابا تواضروس الثانى فى ذلك السياق يسير على الخطى ذاتها التى سبق وبدأها قداسة البابا شنودة الثالث حيث يواصل هذا النهج عبر دعم المشروعات التى تمس حياة الناس اليومية وتنهض بالمجتمع، متماشياً فى الوقت ذاته مع توجهات وبرامج الدولة لتنمية المجتمع وتقديم حياة كريمة للمصريين.
وأكد أن الزيارة تعكس التعاون الوثيق بين الأجهزة الكنسية ومختلف أجهزة الدولة فى تنظيم هذه الفعاليات، فى إطار من الاحترام المتبادل والتنسيق الوطنى، فى ذات الوقت تؤكد على حرص الكنيسة فى الوصول إلى جميع أبنائها فى المدن والقرى، وعدم قصر النشاط الرعوى على المراكز الكبرى، هذا الانفتاح يبعث برسالة طمأنة وتعزية، ويعزز الروابط بين القيادة الروحية والشعب فى المناطق البعيدة، ليشعر الجميع أنهم فى قلب الكنيسة ورعايتها.