الدعوة للوحدة العربية قديمة وأخذت أشكالا كثيرة، أولها كان تحت عباءة الدين، وبعد ذلك كانت هناك محاولات عديدة وإن كان أقربها فكرة القومية العربية التى نادى بها الزعيم عبدالناصر، ورغم أهميتها فى وقتها إلا أنها قوبلت بالفشل لأن المخابرات البريطانية ومن بعدها الأمريكية والروسية كانت ضد الوحدة وحتى الوحدة مع سوريا انتهت بالفشل السريع.
فى الماضى كان هناك هدف وسعى للوحدة بشكل حقيقى وكان هناك تقارب بين الشعوب العربية، وتمت ترجمة هذا الهدف فى العديد من الأعمال الفنية وكان أشهرها أوبريت «الوطن الأكبر» أو «وطنى حبيبى هو نشيد للوطن العربى» ألفه أحمد شفيق كامل ولحنه محمد عبدالوهاب وغناه مجموعة من الفنانين العرب عام 1960 .
ولم يعد يتم إنتاج عمل فنى بهذا التأثير إلا قليل جدا ويكون عبارة عن رد فعل لحدث مهم.
واليوم ونحن فى عام 2025 ما هو شكل الوحدة المفترض أن يتم؟
لو كانت الإجابة سياسيا فنحن نعلنها بالفشل مسبقا فالأيديولوجيات مختلفة والثقافات أصبحت مختلفة وكذلك أهداف الدول العربية مختلفة.
وهناك إجابة أخرى وهى الجيش العربى الموحد أو القوة العربية الموحدة، وهى أيضا من وجهة نظر البعض محكوم عليها بالفشل بسبب الصراعات الدائرة بين الدول العربية أو حتى الصراعات داخل الدولة الواحدة، فمثلا اليمن البعض يرى أن الحوثيين جماعة يجب القضاء عليها لأنها تهدد وحدة اليمن، والبعض يرى أنهم أصل اليمن فتجد دولا تؤيدهم وتدعمهم ودولا أخرى تحاربهم، فهنا فى وجود قوة عسكرية عربية موحدة ماذا ستفعل وبالقياس على ذلك ليبيا والسودان وسوريا وغيرها.
والحل الأمثل لشكل الوحدة العربية هو اقتصاديا ليس باتفاقيات على الورق أو استثمارات قليلة، ولكن بإنشاء كيان اقتصادى عربى يواجه العالم، وهو الأمر الذى نادى به الرئيس عبدالفتاح السيسى أكثر من مرة، وحذر من وجود مخطط للوقيعة بين الشعوب العربية، وأكد عدم وجود مشاكل فى علاقة القاهرة مع أشقائها، وأن الأمن العربى «أمن واحد».
كما حذر الرئيس السيسى من محاولات بث الفُرقة بين الشعوب العربية عبر وسائل الإعلام والسوشيال ميديا، مؤكداً قوة العلاقات المصرية مع الدول العربية، وضرورة تجاوز الخلافات من أجل وحدة الصف العربي.
وقال نصا إن «الأمن العربى وحدة متكاملة ترتبط به مصر ارتباطاً وثيقاً»، منبهاً أن «أى تدخل خارجى يهدف إلى زعزعة استقرار الدول العربية» وأن ثوابت السياسة المصرية كانت دائماً تعتمد على التوازن فى العلاقات، والبعد عن المؤامرات وعدم التدخل فى شؤون الآخرين، والتعاون فقط فى التنمية والتعمير».
وقد أكد الرئيس أكثر من مرة على فكرة التعاون الاقتصادى المشترك بين الدول العربية، ولك أن تتخيل عزيزى القارئ أن الدول العربية يبلغ تعداد سكانها حوالى 500 مليون نسمة من أصل 8 مليارات هم سكان العالم، وهى نسبة ليست بالقليلة خاصة وأن حجم ثروات الدول العربية كبير.
فالمنطقة العربية تعتبر من أغنى المناطق فى العالم مستفيدة من الثروات الطبيعية كالنفط والغاز، والأراضى الصالحة للزراعة ووفرة الموارد المائية، بالإضافة إلى القوى العاملة الشابة بجانب الموقع المتوسط الذى يساعد فى التحكم فى طرق التجارة العالمية، وهو أمر ليس بجديد فهناك البحر الأحمر والبحر المتوسط والخليج العربى، بالإضافة إلى وجود أهم مضايق مثل مضيق هرمز وجبل طارق وباب المندب وقناة السويس.
هذا الكلام ليس بجديد على أصغر مواطن عربى بل يدرس فى جميع المناهج للطلاب فى جميع المراحل، ولكن للأسف الشديد فإن القوة العالمية تعرف قيمة هذا الكلام ومدى خطورته، لذا فإن كل المخططات كانت احتلال الدول العربية والاستفادة من خيراتها أو حتى تبعيتها للدول الكبرى، ومع انتهاء مرحلة الاحتلال العسكرى والتبعية تم تفكيك المنطقة إلى دول صغيرة وإنشاء الحدود بينها، وبدأت مرحلة الاحتلال الفكرى ومن بعدها مرحلة إحداث الصراعات على أسس طائفية مثل السنة والشيعة، ومن بعدها ظهور الجماعات الإرهابية وإظهار صورة المسلم عالميا كإرهابى، وهى الخدعة التى وقعت فيها العديد من الدول العربية ودفعت الكثير من أجل نفى التهمة عن نفسها بكل الوسائل المشروعة من خلال التقرب إلى الغرب وأمريكا وكانت كل دولة تعمل بمفردها.
واليوم الاقتصاد يحكم السياسة العالمية وما زلنا كما نحن نعيش حالات الصراعات الداخلية أو بتعبير أكثر دقة «لا نتفق».
الحل متاح ولا يحتاج إلا لدافع حقيقى ورؤية واضحة لبدء التنفيذ لوحدة وتكامل اقتصادى عربى، حيث حرية انتقال السلع والخدمات بين الدول الأعضاء عبر إلغاء التعريفات الجمركية وفقا للاتفاقية المنشأة إلى إقامة المنطقة الحرة بين الدول الأعضاء، مع توحيد النظم والتعريفات الجمركية بين دول الاتحاد وبين العالم الخارجى بالإضافة إلى حرية انتقال عناصر الإنتاج المختلفة بين الدول الأعضاء، حيث يتم معاملة الاستثمارات معاملة الاستثمارات الوطنية وبالتالى تحصل على الحقوق والامتيازات نفسها من الدعم والإعفاءات الضريبية.
وإن استطعنا الوصول لتلك المرحلة سيكون من السهل إنشاء اتحاد نقدى يتمثل فى عملة موحدة وإنشاء سلطة نقدية مركزية فتكون للدول الأعضاء عملة موحدة وسياسة نقدية موحدة فيما يتعلق بسعر صرف العملة وأسعار الفائدة وأسس التنظيم والرقابة على القطاع المصرفى فتصبح اقتصاداتها بمثابة كيان اقتصادى واحد.
ما سبق ليس مستحيلا ولكنه يحتاج إلى توافق وإرادة حقيقية للوصول لكيان اقتصادى عربى موحد يستطيع أن يصبح أقوى كيان اقتصادى عالمى.