رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

كوبران العظيم.. الأرستقراطية الفرنسية تتحدث بلغة الموسيقى

11-9-2025 | 13:26

كوبران العظيم

طباعة
دعاء برعي

برز اسم فرانسوا كوبران في تاريخ الموسيقى الأوروبية كواحد من أعظم رموز الحقبة الباروكية في فرنسا، وهو أحد مؤسسي الهوية الموسيقية الفرنسية الحديثة وأحد أعمدة  الذوق الموسيقي الفرنسي.

ميلاده ونشأته
ولد عام 1668 في قلب باريس، وسط عائلة موسيقية مشهورة كانت لها صلات وثيقة بالكنيسة والمجتمع الأرستقراطي، وكان مقدرًا له منذ البداية أن يخطو طريقه نحو المجد الفني من أبوابه العريضة.

نشأ كوبران لأسرة عُرفت باسم "سلالة كوبران الموسيقية"، قدمت عدة أجيال من العازفين والملحنين. وكان والده، شارل كوبران، أحد أبرز عازفي الأرغن في كنيسة سان جيرفيه الباريسية، وعند وفاته، تولى فرانسوا منصبه وهو في سن الحادية والعشرين، بعد أن حصل على دعم ملكي مباشر، الأمر الذي يعكس حجم الثقة والموهبة التي تمتع بها منذ بداياته.
وجذب انتباه البلاط الملكي، فعين لاحقًا "عازف الكلافسان للملك" في بلاط لويس الرابع عشر، وهو منصب مرموق كان يُمنح فقط لأكثر الموسيقيين موهبة وانضباطًا. وفي هذه البيئة، ترسخت مكانته كأحد أبرز أعمدة الموسيقى في فرنسا.
موحد المدرسة الفرنسية والإيطالية
دار صراع غي معلن في عصر كوبران، بين المدرسة الفرنسية ذات الطابع الأرستقراطي الأنيق، والمدرسة الإيطالية التي تميزت بالعاطفة والانسيابية. لكن كوبران لم يتعامل مع هذا الصراع بوصفه منافسة، بل بوصفه فرصة للتكامل، فابتكر أسلوبه الخاص الذي أطلق عليه "الأسلوب المثالي"، حيث جمع بين الرشاقة الفرنسية والعاطفة الإيطالية، وبدا ذلك واضحًا في عمله الشهير "الأمم"، حيث جمع قطعًا تمثل الطابعين الفرنسي والإيطالي، وسعى من خلالها إلى التأكيد على وحدة الذوق الفني الأوروبي، متجاوزًا الانقسامات السياسية والجغرافية عبر لغة الموسيقى..

أعماله

ارتبط كوبران أكثر بآلة الكلافسان، التي كانت آنذاك رمزًا للرقي والترف، والمفضلة في الصالونات الأرستقراطية. 
فألّف أربع مجموعات ضخمة من الأعمال لهذه الآلة هي

-"الأوامر" وهي سلاسل من القطع للكلافسان، تحتوي على تسميات غريبة وشاعرية، تعكس المزاج والذوق الفرنسي.
-"القداس للأديرة"، أحد أهم أعمال الأرغن ذات الطابع الديني.
-"الآثار" والتي تمثل اندماجًا مثاليًا بين الأسلوبين الفرنسي والإيطالي.

ولم يكن كوبران ملحنًا فقط، كنه مؤلفًا نظريًا، نشر كتابه الشهير "فن العزف على الكلافسان" الذي يُعد مرجعًا هامًا لفهم تقنيات الأداء في زمنه.

بين التديّن والعزلة
بعيدًا عن أضواء البلاط، عُرف كوبران بتديّنه العميق وابتعاده النسبي عن الحياة العامة. كانت له أعمال دينية بارزة، أبرزها "القداس للأديرة"، و"دروس الآلام"،  التي تعكس قدرته على نقل العمق الروحي عبر الموسيقى.

وفاته
وكانت صحته المتدهورة سببًا في تقاعده المبكر من بعض مهامه، حيث عاش السنوات الأخيرة من عمره بهدوء، قبل أن يرحل عن العالم عام 1733، تاركًا وراءه إرثًا موسيقيًا لا يُقدّر بثمن.
وأُعيد اكتشاف كوبران في القرنين التاسع عشر والعشرين. وكان من أبرز المعجبين به المؤلف الفرنسي موريس رافيل، الذي ألّف عملًا كاملًا بعنوان "من أجل كوبران"، تكريمًا له.

وفي العصر الحديث، تُعزف أعمال كوبران في كبرى المهرجانات المتخصصة بالموسيقى القديمة، وتُدرّس مؤلفاته ضمن مناهج التعليم الموسيقي الكلاسيكي، بوصفه أحد أعمدة الذوق الموسيقي الفرنسي.

أخبار الساعة