بعد انتهاء العطلة الصيفية وعودة الألمان من الشواطئ إلى المدارس وأماكن العمل، كشفت بيانات حديثة عن معضلة اقتصادية وجودية تواجه ألمانيا، وهي أن الألمان لا يعملون بما يكفي، رغم سمعتهم التاريخية في الانضباط والإنتاجية، بحسب ما نقلته صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية.
ووفقا لبيانات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، جاءت ألمانيا في المرتبة الأخيرة بين 38 دولة اقتصادية متقدمة من حيث عدد ساعات العمل السنوية، حيث بلغ متوسط ساعات العمل خلال عام 2024 في ألمانيا 1,331 ساعة فقط مقارنة بـ1,898 ساعة في اليونان، و1,716 ساعة في البرتغال، و1,709 ساعات في إيطاليا.
ولا تقتصر الأزمة على عادات العمل، إذ يعاني الاقتصاد الألماني من تراجع ملموس، حيث انكمش في العامين الماضيين وأصبح أصغر مما كان عليه في 2019، بحسب الخبير الاقتصادي الألماني كارستن برزسكي، في وقت نما فيه اقتصاد إسبانيا واليونان بأكثر من 2% العام الماضي، فيما ارتفع عدد العاطلين عن العمل في ألمانيا إلى أكثر من 3 ملايين للمرة الأولى منذ عقد.
وقال المدير العام لاتحاد أصحاب العمل الألمان ستيفن كامبيتر: "إسبانيا تنمو أسرع.. اليونان تنمو أسرع.. الدول التي كنا نصفها بالضعيفة أصبحت الآن أفضل أداءً، ونحن أصبحنا الأضعف في النمو".
وتحول تراجع ساعات العمل إلى قضية سياسية، حيث صرح المستشار الألماني فريدريش ميرتز عند توليه منصبه في مايو الماضي: "يجب أن نعمل أكثر وبكفاءة أكبر، ولن نستطيع الحفاظ على رخاء هذا البلد إذا اكتفينا بأسبوع عمل من أربعة أيام".
لكن المشكلة أعمق من الأجازات الرسمية والسخاء في العطلات المرضية، التي ارتفعت إلى 19 يوما سنويا في المتوسط بعد الجائحة، حيث كشفت بيانات المعهد الأوروبي للمساواة بين الجنسين أن النساء في ألمانيا أكثر ميلا للعمل بدوام جزئي، إذ يعمل نحو 48% من النساء العاملات بدوام جزئي مقابل 10% فقط من الرجال، فيما ترتفع النسبة بين الأمهات إلى أكثر من 65%.
ويرى الخبراء أن المشكلة ليست "كسلا" بل "قوى هيكلية" تجعل من الصعب على الكثيرين العمل بدوام كامل، خصوصا النساء بسبب قصر ساعات المدارس وغياب خدمات رعاية الأطفال الممتدة..
ويقترح بعض الخبراء حلولا تقنية، مثل إلغاء نظام الضرائب المشتركة للأزواج لصالح الإقرار الفردي، ما قد يزيد من المعروض في سوق العمل بما يعادل نصف مليون وظيفة بدوام كامل، أما قادة الأعمال فيرون أن الحل يكمن في تقليل البيروقراطية، وتوسيع الهجرة، وتوفير حوافز أوضح لزيادة الإنتاجية.
وفي المقابل، تبنت 45 شركة ألمانية العام الماضي تجربة أسبوع عمل من أربعة أيام دون خفض الرواتب، حيث أظهرت النتائج تحسن الإنتاجية لكل ساعة وزيادة رضا الموظفين، ما دفع غالبية الشركات للاستمرار في النظام الجديد بعد انتهاء فترة التجربة.