رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

استكمالاً للحملات الترويجية: «إحــنا مصـــر» للتوعية بأهمية السياحة بين المصريين


24-8-2025 | 18:09

.

طباعة
بقلـم: أمانى عبد الحميد

طبق السلطة المقدم داخل أحد مطاعم الفنادق السياحية الكبرى فى مصر تقف وراءه قصة صناعة سياحية معقدة، تحتاج لمزيد من العمل والحث والدعم وغيرها من العوامل الاقتصادية والاجتماعية المطلوبة. تلك بعض من أهداف الحملة الجديدة التى تحمل اسم «إحنا مصر» حملة جديدة أطلقتها وزارة السياحة والآثار، تستهدف بها الشعب المصرى؛ كى يكتشف بلاده بشكل مغاير. فالسياحة بالنسبة للمصريين «أكل عيش» وجب التعامل معها بشكل أكثر إيجابية واحترافية.

«نفكر الناس بأننا أصحاب الحضارة..».. هكذا تحدث شريف فتحى وزير السياحة والآثار خلال حفل إطلاق حملة وزارته الجديدة التى تحمل اسم «إحنا مصر». مرددا قوله: «بنفكر أنفسنا بأخلاقنا المصرية وعاداتنا وتقاليدنا التى تقوم على إكرام الضيف وحسن استقباله». الحملة التى يرى أنها تتعلق بالأمن الاقتصادى السياحى وعائده على المجتمعات المحيطة بالأماكن الأثرية والسياحية فى مصر. ورغم أن الحملة التى عرفتها الوزارة بأنها «حملة التوعية السياحية» إلا أن «فتحى» رفض تشبيهها بأنها من أجل التوعية. مرددا قوله: «نحاول أن نقول لكل القائمين على المواقع السياحية إن العائد المباشر لكم..». موضحا أن الحملة الجديدة تحمل رسالة إيجابية عن السياحة وعائداتها والسلوكيات المرتبطة بها. فهى حملة عامة وليست شخصية على حد تعبيره. مرددا قوله: «نعيد للأذهان أن السياحة تهم كل المجتمع المصري..»، هى حملة من أجل مصر وقيمها الاجتماعية والثقافية والدينية والاقتصادية، حيث تتضمن الحملة جملا مثل: «إحنا الأصل»، «إحنا حضارة ملهاش مثيل»، «احنا جدعنه وشهامة مش موجودة فى الدنيا»، احنا صورة ما تتنسيش». ويردد قائلا فى ختام كلمته: «مصر بلد جميل بأهله..».

الحملة الترويجية التى تحاول بث رسالة إيجابية عن السياحة وصناعتها تحاول تحسين تجربة الزائر وتعزيز سلوك المواطنين الذين يقومون باستقبالهم، كما تحاول توعية المواطن المصرى كى يقوم بدوره كـ«سفير للسياحة المصرية».

كل الحملات التى أطلقتها وزارة السياحة والآثار، على أهميتها، بدت وكأنها مقدمات ضرورية لمشهد أكبر وأعمق، للحملة الأكبر التى تروج للحدث الأهم وهو افتتاح المتحف المصرى الكبير يوم 1 نوفمبر 2025، بالرغم أن المتحف لا يحتاج إلى دعاية مباشرة» على حد قول وزير السياحة والآثار. مؤكدا أن الاحتفال سيكون مختلفا تماما عن احتفال موكب المومياوات الملكية وافتتاح المتحف القومى للحضارة المصرية..». مضيفا قوله: «المتحف الكبير ليس مجرد متحف بل أيقونة القرن الحادى والعشرين فى مجال المتاحف العالمية ولا يحتاج أية دعاية للإعلان عن افتتاحه..العالم كله ينتظر بفارغ الصبر كى تقوم مصر بفتح أبوابه وقاعاته بالكامل..» وهو ذلك المبنى العملاق الذى يقف على مشارف أهرامات الجيزة، ويضم أكثر من 100 ألف قطعة أثرية، بينها المجموعة الكاملة للملك توت عنخ آمون لأول مرة.

لذا ستنطلق الحملة الجديدة على عدة مراحل، وتستمر لمدة شهرين متواصلين كحملة إعلانية داخل وسائل الإعلام المحلية ولمدة ثلاثة أشهر بشكل رقمى على منصات التواصل الاجتماعي، أولى مراحلها تبدأ بمخاطبة كل فئات العاملين مع السائح لاتباع سلوكيات إيجابية تجاه زوار مصر، ثم تقوم فى المرحلة الثانية بتوضيح أهمية السياحة بالنسبة للاقتصاد المصرى خاصة وأن حركة السياحة تتدخل فيها المطاعم والفنادق والبازارات والمواقع الأثرية والترفيهية وغيرها، إلى جانب الاستمرار فيما بدأته الوزارة فى سعيها إلى زيادة مقاعد الطيران، زيادة عدد الغرف الفندقية، وزيادة المقاصد السياحية.

وهو الأمر الذى بات واضحا خلال السنوات الأخيرة. حيث تحاول مصر بشتى الطرق استعادة بوصلة حركة السياحة العالمية الوافدة إليها، خاصة فى ظل الظروف المحيطة بها وما تمر به منطقة الشرق الأوسط من صراعات وأزمات سياسية واقتصادية، وبات الاعتماد على مفردات الحضارة المصرية القديمة ضروريا، ويمثل قوتها الناعمة الممتدة عبر آلاف السنين، لذا مع بداية عام 2025 أطلقت وزارة السياحة والآثار حملات ترويجية رقمية ممنهجة وذات ملامح وتفاصيل مختلفة، تتشابك فيها الاستراتيجية الرقمية للترويج السياحى عبر العالم مع أهم الأحداث الثقافية المنتظرة والتى وصفوها بأنها «حدث القرن الثقافي»، وهو الافتتاح الرسمى للمتحف المصرى الكبير فى الأول من نوفمبر المقبل.

«عام استثنائى بحق» وصف يقترب من الدقة نوعا ما، فكل الإحصائيات والأرقام تتحدث عن ارتفاع ملحوظ فى أعداد السائحين الأجانب والعرب الوافدين إلى مصر، بل يبدو المشهد كله وكأنه لوحة متكاملة الألوان مرسومة بدقة بأدوات العصر الحديث من الذكاء الرقمى إلى حملات التواصل الاجتماعي، كى تصل الرسالة وفحواها أن «مصر ليست مجرد وجهة، بل تجربة حياة كاملة».

ولو نظرنا إلى بدايات عام 2025، نكتشف ظهور الشاشات الذكية فى دول الخليج العربى تحمل صور أهرامات الجيزة تتجاور مع مشهد شواطئ شرم الشيخ، يليها مقطع سريع لمدينة العلمين الجديدة. كان ذلك الإعلان هو باكورة حملة «مصر تنوع لا يُضاهى»، التى أطلقتها وزارة السياحة والآثار بالتعاون مع منصة «ويجو WEGO»، كإحدى أبرز بوابات الحجز الرقمى فى العالم العربي. ليكن الهدف ليس مجرد عرض صور متتابعة، بل تقديم رسالة بصرية مكثفة: أن مصر ليست وجهة أحادية الطابع، وإنما بانوراما متكاملة من المقاصد. فمن أراد الغوص فى أعماق التاريخ فليتجه إلى الأقصر وأسوان، ومن بحث عن شمس الشتاء فليجدها فى الغردقة، ومن أراد حداثة العمران فها هى مدينة العلمين الجديدة تفتح ذراعيها.

اللافت أن الحملة لم تكتفِ بالفضاء الرقمي، بل خرجت إلى الشوارع فى صورة لوحات إعلانية ضخمة داخل المراكز التجارية بدول الخليج، حيث يتقاطع الناس يوميًا مع مشهد مصرى جديد، يذكرهم بأن مصر قريبة وملهمة على الدوام. وهو ما أوضحه المهندس أحمد يوسف مساعد وزير السياحة والآثار لشئون الإدارات الاستراتيجية، والقائم بأعمال الرئيس التنفيذى للهيئة المصرية العامة للتنشيط السياحي، مشيرا إلى أن الحملات تأتى ضمن خطة شاملة تستهدف زيادة الحركة السياحية الوافدة من السوق العربى والأجنبى لمصر خلال العام المالى 2025/2026. وذلك عبر تعزيز الحضور الرقمى للمقصد السياحى المصرى على المنصات الإلكترونية الدولية المتخصصة فى السياحة والسفر، وإبراز صورة عصرية وجاذبة تعكس ثراء المقصد المصرى وتطوره المستمر.

«نحاول أن نلقى الضوء على المنتجات والأنماط السياحية التى تلائم اهتمامات السائحين، سواء المهتمين بالاستجمام على الشواطئ الخلابة، أو عشاق المغامرة والرياضات البحرية، أو الباحثين عن التجارب الثقافية والتاريخية، فضلًا عن الترفيه والتسوق..» على حد تعبيره. مشيرا إلى تسليط الضوء على الوجهات السياحية الجديدة مثل مدينة العلمين الجديدة، التى أصبحت من المقاصد الواعدة بفضل ما تشهده من تطور عمرانى وسياحى يجعلها مؤهلة لاستقبال السائحين من مختلف الجنسيات.

وهو ما حدث فى شهر رمضان المبارك، حيث انطلقت الحملة الثانية، التى لم تخلُ من لمسة وجدانية إنسانية حملت شعار «رمضان فى مصر… غِير». الرسالة هنا لم تكن مجرد دعوة سياحية. بل احتفاء بروح مصر فى رمضان وما تحويه من الفوانيس الملونة التى تزين الشوارع، موائد الرحمن الممتدة على الأرصفة، صوت التواشيح ينساب من مآذن الأزهر، والوجوه الباسمة التى تتقاسم اللقمة والدفء. الحملة استهدفت العائلات الخليجية تحديدًا، فكم من أسرة تبحث عن تجربة عربية أصيلة تجمع بين الأصالة الروحية والبهجة الاجتماعية. لذا جاء الفيلم الترويجى على منصة «شاهد» فى توقيت ذكى بين الأعمال الدرامية الرمضانية، وكأن مصر تدخل البيوت فى لحظة صفاء، لتهمس: تعالوا عيشوا رمضان عندنا كما لم تعيشوه من قبل.

فى الصيف، اتسعت الرؤية لتشمل بُعدا آخر مع الحملة الثالثة «مصر نابضة بالحياة 365». وهى الرسالة الأكثر طموحا. فحواها أن مصر ليست مجرد مقصد موسمي، بل بلد قادر على استقبال السائح طوال العام. فى الشتاء دفء الأقصر وأسوان، وفى الصيف بحر سيناء الأحمر، وفى الخريف سحر القاهرة التاريخية، وفى الربيع خضرة الدلتا.

الحملات استهدفت المنصات الإلكترونية بكل أنواعها، من «سناب شات» حيث يتواجد الشباب، إلى «أمازون» حيث تتقاطع أنماط الاستهلاك والسفر، مرورًا بتيك توك ويوتيوب وجوجل. بدا المشهد أشبه بحصار رقمى إيجابي، حيث يجد المستخدم العربى نفسه فى مواجهة متكررة مع صورة مصرية جذابة.

الأرقام تقول إن السياحة العربية تمثل ما يزيد عن 35 فى المائة من حركة السياحة الوافدة إلى مصر، وتحديدًا من السعودية والإمارات والكويت. هذا الرقم ليس مجرد إحصاء جامد، بل يعكس طبيعة خاصة للعلاقة بين السائح العربى ومصر: فهو سائح عائد، يزورها أكثر من مرة، ويصرف بسخاء، ويجد فى مصر مزيجًا من الألفة والدهشة فى آنٍ واحد. لذلك لم يكن غريبًا أن تستثمر الحملات الثلاث فى مخاطبة هذا السوق الحيوي، لا باعتباره رقمًا فى معادلة اقتصادية، بل باعتباره شريكًا دائمًا فى صناعة المشهد السياحى المصري.

لذا وظفت وزارة السياحة والآثار الحدث كذروة لحملات الترويج، بحيث يمثل افتتاح المتحف الأيقونى محطة تتويج لعام كامل من التمهيد الرقمى والإعلامي. حيث إن مصر لم تعد تعتمد خلال عام 2025 على شعار واحد موسميّ، بل على منظومة متكاملة من الحملات المتتابعة. كل منها يخاطب موسمًا أو شريحة، وفى النهاية تلتقى الخيوط جميعًا عند موعد الحدث الأكبر، افتتاح المتحف المصرى الكبير، وما يتضمنه من حفل أسطورى لايزال مجهولًا ومثيرا للاهتمام.

هكذا تصبح السياحة أكثر من مجرد صناعة؛ إنها قوة ناعمة تعكس صورة مصر أمام العالم، وتمنحها مساحة من التأثير الثقافى لا تقل أهمية عن أى ملف سياسى أو اقتصادي.

ويبقى السؤال: ماذا بعد افتتاح المتحف المصرى الكبير؟ الإجابة أن كثيرا من الآمال معقودة على أن الافتتاح ليس نهاية المطاف. تراهن مصر على دور المتحف الأيقونى فى خلق مرحلة جديدة من الترويج السياحي. فالمتحف سيعمل كمنصة جذب متجددة قادرة على إحياء السياحة الثقافية. زيارته قد تمثل دافعا للزائر كى يقوم برحلات استكشافية إلى مدن مصرية أخرى، من الأقصر وأسوان إلى الساحل الشمالى وسيناء.

وإذا استمرت الوزارة فى النهج ذاته من الحملات الذكية، فإن مصر قد تكون بالفعل على أعتاب طفرة سياحية، تضعها فى مصاف الوجهات العالمية الأكثر جذبا. ولما لا وهى دولة تمتلك ما لا يملكه غيرها من تاريخ حي، وذاكرة إنسانية لا تنضب.

وفى النهاية يمكننا القول إن عام 2025 قد يصبح عام السياحة المصرية بامتياز. حملات ترويجية رسمت خارطة الترويج الرقمى بذكاء، واستهدفت الأسواق العربية بوعي، يدعمها حدث عالمى يتوج المسيرة فى نوفمبر مع افتتاح المتحف المصرى الكبير. كى تعود مصر إلى الضوء. نابضة بالحياة طوال العام.

وكانت وزارة السياحة والآثار قد أعلنت عن خطة من أجل التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وافق عليها البرلمان، تسعى إلى تحويل مصر إلى واحدة من أهم المقاصد السياحية العالمية. حيث تأمل فى تزايد أعداد الوافدين كى يصل نحو 26.5 مليون زائر بحلول 2028/2029، وذلك ضمن الهدف الاستراتيجى باستقبال 30 مليون سائح بحلول 2030. وأن يرتفع عدد الليالى السياحية من 172.2 مليون ليلة فى عام 2024/2025 إلى نحو 240 مليونا بنهاية تلك الخطة. وتأمل أن يرتفع الدخل السياحى من 16.7 مليار دولار إلى 24 مليار دولار فى 2028/2029.

الاكثر قراءة