رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

فى رحاب المفكر الإسلامى الكبير «خالد محمد خالد» (3)


11-10-2025 | 13:22

.

طباعة
بقلـم: سناء السعيد

ويستمر حديثى مع المفكر الإسلامى الكبير «خالد محمد خالد» ونتطرق إلى موضوع الديمقراطية السياسية وكيف أن تناولها يأخذنا إلى أن هناك دولا عربية وإسلامية قد يتراءى لها أن الاتحاد السوفييتى قد يجسد خطرًا حقيقيًا بالنسبة لها. ويجيبنى قائلاً:

 

«أظن أن التهديد الآن يأتينا من كل الذين يتحدون مصالحنا ويهدرون حقنا، ويساعدون الغير فى الهيمنة على أراضينا. وقد يشكل الاتحاد السوفييتى خطرا حقيقيا ودائما على مصالح الغرب فى المنطقة وليس على مصالحنا، وأنت تذكرين التجهيزات العسكرية الضخمة التى قامت بها الولايات المتحدة الأمريكية فى الخليج عندما بدأ السوفييت غزوهم لأفغانستان، إن الخطر الحقيقى يأتى الآن من أننا أمام دولة تريد أن تعصف بنا، وللأسف ليس على ظهر الأرض اليوم من يستطيع كبح جماحها، ووقف زحفها الشرير تجاه الأمة العربية سوى الولايات المتحدة الأمريكية. ولكن وللأسف فإن الولايات المتحدة هى التى تساند إسرائيل وتدعمها عسكريا وسياسيا واقتصاديا”.

وأسأله الوفاق بين العملاقين لم يؤد إلى حدوث اختلاف جذرى فى أيديولوجية كل منهما واستراتيجيته وأهدافه، ورغم ما يقال من إنهما يتحملان مسؤولية جسيمة تجاه السلام إلا أنهما وصلا به إلى منعطف ضيق وطريق مسدود لا ينفتح إلا من خلال تحقيق مكاسب لهما، كيف يمكن أن نقف أمام العملاقين، وما مكاننا بينهما؟

إن العملاقين يتحدثان طويلاً عن السلام. وفى رأيى أنهما يتحدثان عن سلامهما الخاص أما سلام الكوكب الذى نعيش عليه فلا وجود له، تمامًا كما قال الشاعر: فكل يدعى وصلا بليلى

وليلى لا تقر لهم بذاكا

ولسنا فى حاجة إلى التأكيد أن لكل دولة من هاتين الدولتين العملاقتين مصالحها الخاصة، وأن كل دولة تحاول أن تبسط نفوذها على أوسع رقعة من الأرض والبلاد والعباد. أما أين مكاننا بين هذين العملاقين فهو مكان كل دولة حرة رشيدة قادرة على حماية استقلالها ووجودها. إن فى العالم مائة وعشرين دولة أكثر من نصفها عرف مكانه بين هذين العملاقين وحمى ولا يزال يحمى كيانه واستقلاله دون الدخول مع أحدهما فى صراعات مفتعلة.

السياسة قد تدفع المرء إلى أن يتحالف مع أى مذهب أو أى دولة. ولقد قلتم فى كتابكم «الديمقراطية أبدا»: ( لنعزل رأسمالية الولايات المتحدة الأمريكية واشتراكية بريطانيا وشيوعية الاتحاد السوفييتى لننظر إلى الدول مجردة من مذاهبها لنرى أيها أكثر استعدادًا للتعاون معنا، والتساؤل هنا: هل يمكن الفصل بين الدولة ومذهبها خاصة أننا لا نستطيع أن نتحالف مع الشيطان إلا إذا سلمنا بقوانينه ومعتقداته؟

لقد قلت ذلك فعلا فى الشهور الأولى من قيام ثورة 23 يوليو، وكنت يومئذ أحاذر من أن تجنح الثورة نحو أى من تلك المعسكرات مما يؤثر حتما على استقلالنا، وأردت يومها ولا أزال أريد أن أبين أن هناك فرقا فى التعامل مع المذاهب والأيديولوجيات وبين التعامل مع الدول، وعليه فعلينا أن نقيم علاقات مودة وتفاهم مع جميع الدول دون الأخذ بأيديولوجيتها الخاصة ومذهبها السارى فى بلادها، أى أننى كنت أعنى أن نتعامل مع الولايات المتحدة الأمريكية دون أن نسير فى ركاب الرأسمالية. كما نتعاون مع الاتحاد السوفييتى دون أن نسير فى ركاب الشيوعية أو الماركسية.

ألا يشكل هذا استعصاء وصعوبة؟

ليس هناك استعصاء، حيث إن الواقع يدحض وجود هذا الاستعصاء. فكما قلت إن نصف العالم بل أكثر من نصفه دول تتفاهم مع المعسكرين تفاهم دولة مع دولة دون أن تتميع شخصيتها ودون أن تخرج عن فلسفتها وأيديولوجيتها.

الخلافات العربية القائمة تبدو وكأنها تنافر بين المعسكرين، فهناك من يلوذ بكنف السوفييت وهناك من لا يملك الاستعداد للتخلى عن علاقته الخاصة بالولايات المتحدة الأمريكية. كيف يتأتى لنا الخلاص؟

كان «بوذا» يقول: «أنا لا أعرف شيئا عن سر الإله، ولكنى أعرف أشياء عن بؤس الإنسان»، وأنا بدورى أقول: «لا أعرف شيئا عن الخلافات العربية، ولكنى أعرف أشياء عن بؤس الفلسطينيين»، هذا الشعب الذى تمثل قضيته فى رأيى أزمة القرن العشرين. هذا الشعب الذى طرد من دياره، والذى يلاقى من الظروف ما يهدد بإفنائه كما نرى كل يوم. هذا هو الذى أعرف عن بؤسه الكثير. وتعرف ذلك أيضا جميع الدول العربية.

وسط واقعنا العربى الحالى أتساءل: ما الذى يجب أن يطرأ عليه بعد أن منى بهزائم عسكرية وعقلية ومعنوية كثيرة؟

الذى يجب أن يطرأ عليه من غير شك هو نبذ الاختلافات ورأب الصدع القائم بين صفوفه. هناك نقاط اتفاق كثيرة يمكن أن نلتقى حولها. وهناك نقاط اختلاف أيضا يمكن أن نتفاهم فيها. ولكن ليس هناك على الإطلاق ما يبرر القطيعة بين الدول العربية وبالتالى بين الشعوب العربية، فالوفاق بين هذه الدول ضرورى وإلا فلن يكون هناك أدنى أمل فى حاضرها ولا فى مستقبلها.

من الصعب بمكان على دولة نامية أن تحصل على احتياجاتها من معونات اقتصادية وعسكرية إلا إذا سايرت القوى العظمى أو على الأقل ارتبطت معها بمعاهدات تعاون وصداقة ودفاع كما هو حادث اليوم مع سوريا وجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية؟

إن عقلية المعسكرين أضحت أوسع من التقيد بهذا المنطق. والاتحاد السوفييتى يمنح المعونات لدول ليست شيوعية، ولكنها فى الوقت نفسه ليست عدوا له، الولايات المتحدة تعطى معوناتها لدول ليست رأسمالية ولكنها فى نفس الوقت ليست عدوا لها، يوغسلافيا الشيوعية مثلا قامت ونهضت على أكناف معونات أمريكية كبيرة وكثيرة، ومصر فى عهد الرئيس عبدالناصر حصلت من الاتحاد السوفييتى على الكثير من الأسلحة ومن المعونات الاقتصادية، ولم يكن جمال عبدالناصر شيوعيا، ولا كان المجتمع المصرى شيوعيا. وهذا يتوافق مع ما قلته من وجوب أن نفرق بين المذهب وبين الدولة، وذلك يتأتى عبر صداقتنا للدولة دون أن تكرهنا على ذلك ودون أن نكره أنفسنا على الأخذ بالأيديولوجية التى تتبناها). وللحديث بقية.

 
 

أخبار الساعة