رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

حواديت «جلال» والعدالة الثقافية (2)


11-10-2025 | 13:21

.

طباعة
بقلم:محمد عبد الحافظ ناصف

مركز الإبداع الفنى التابع لصندوق التنمية الثقافية حدوتة مصرية، لها خصوصية الوجود والإنشاء والإدارة منذ ما يزيد عن عشرين عاما حتى الآن؛ منذ أن خصصها الفنان فاروق حسنى بساحة الأوبرا؛ لكى يكون هذا المركز مفرخة مصرية للمواهب المسرحية المختلفة؛ فى كل فنون المسرح، ومنذ ذلك الوقت والفنان خالد جلال مدير لهذا المركز بصرف النظر عن المناصب الكثيرة والمتعددة التى تولاها، ولهذا المركز فلسفة حياة خاصة، يحرص عليها خالد جلال نفسه، وذلك نابع من الدور الذى يحبه ولا يتخلى عنه جلال، وهو اكتشاف ودعم ورعاية المواهب والأسماء الجديدة لمصر، وكم قدم هذا المركز من عشرات الأسماء التى أنارت المسارح والشاشات.

رغم ضيق الوقت إلا أننى وجدتنى حريصا للبحث عن تذكرة لمشاهدة مشروع تخرج قسم التمثيل- الدفعة الثالثة من استديو المواهب- يونيو 2025- دفعة على فايز، و«على فايز» هذا ليس فنانا كبيرا أو منتجا مهما أو مخرجا عظيما أو ممثلا بارعا، لكنه كان طالبا فى هذه الدفعة رحل قبل أن يتخرج مع زملائه الجدد، فتمت تسمية الدفعة على اسمه تقديرا لطموحه وآماله ورفعة للشأن الإنسانى الذى تتميز به دفعات ستوديو المواهب بمركز الإبداع، والجدير أن الدكتور أحمد فؤاد هنو وزير الثقافة قد شاهد العرض مع كوكبة من القيادات الثقافية والفنانين والكتاب والصحفيين والشخصيات العامة.

ومشروع تخرج هذه الدفعة من خلال مسرحية «حواديت» النابعة من حكاية كل عضو من أعضاء دفعة الطالب على فايز، حكايته الإنسانية التى يود أن يقولها كل ممثل للجمهور وبحكايته الخاصة تكتمل حكايات كل العرض التى صاغها خالد جلال؛ كى تكون فى النهاية عرضا منفصلا بحكاية كل عضو ومتصلا بحكاية الجميع؛ لتقدم لنا فى النهاية حالة إنسانية متكاملة لمجتمع مصرى وعربي.

تبحث تلك الحكايات عن الحق والخير والجمال والدفء الإنسانى المفقود فى مجتمعنا المصرى والعربى والعالمى الآن؛ ففى العرض سوف نجد هناك الحكايات الواقعية والأسطورية والفنتازية والتاريخية، مما يجعل الرؤية المقدمة التى تمثل العرض رؤية مصرية تسعى لشمولية الرؤية التى تعتبر قماشة واحدة، وإن كانت مختلفة الألوان والأذواق والرؤى، مما جعل زمن المسرحية يمر سهلا ميسورا دون نتوءات بين التراجيديا الاجتماعية والكوميديا القادرة على انتزاع البسمة الساخرة من الواقع، الراغبة فى تصحيحه فى النهاية، تلك البسمات التى لم تكن مجرد إفيهات فارغة لتنتزع ضحكات بلا ذاكرة تمر مرور غير الكرام بالطبع.

ومن الحكايات التاريخية الأهم هى حكاية احتلال فلسطين فى حالة من التقصير العربى والإسلامى والعالمى، وتنتهى تلك الحدوتة المهمة التى تتماس مع الواقع بأغنية «عندى الآن بندقية» كى تحرر فلسطين، وقد مست تلك الحدوتة وتلك الأغنية قلوب كل المتفرجين، وتأتى حكاية النداهة فى القرى المصرية -فى الصعيد وبحري- من الحكايات التى تعمق مفهوم الأسطورة فى حياة الكثير من الكبار والصغار، وخاصة فى ريف مصر فى الدلتا والصعيد، وتلك من الحكايات التى تسكن رءوس كل الصغار والكبار فى مصر، فكم من الأحلام السالبة والإيجابية أفرزت تلك الحكاية التراثية، ومن الحكايات التى تعالج الأزمات الاجتماعية حكاية غلو المهور من قبل الأهل؛ حتى بات الزواج الآن دربا من دروب العجز للكثير من الشباب والأهل، مما زاد من نسبة العنوسة بين الشباب والبنات؛ وقد أكدت الحكاية على كم الطلبات التافهة التى تطلب من الشاب حتى إنه يقرر ألا يرجع مرة أخرى لتلك الفكرة أبدا، وأضافت حكاية اللامبالاة وقلب الحقائق وضياع الحقوق ومناصرة الأقوى والبلطجى واحدة من الحكايات التى تشير لسلبية المجتمع، فرغم أن الجميع شاهدوا التحرش بالبنت التى تستنجد بهم إلا أنهم يتعاملون مع الموقف بمبررات غريبة؛ ربما رغبة فى الهروب وعدم القدرة على المواجهة، مما يؤكد شطط المجتمع الذى لا يرى أسباب استقراره ومواجهة أى انحراف يؤدى إلى هوة داخل المجتمع بعد ذلك، ومن الحواديت حكاية الفنتازيا الكوميدية على لسان شخصية الشاب الذى أراد أن يعبر عن لحظة ميلاده، وحكاية اللص الذى تضطره الظروف لكى يسرق فيجد نفسه متورطا فى شروع فى سرقة شقة أحد المواطنين لكن طيبته تكون نجاة له، جاءت تلك الحكاية على لسان الوليد الذى يجد نفسه بين يدى هذا اللص.

هذه ليست كل الحكايات لكنها مجموعة حواديت كنماذج تعبر عن حالة التنوع والاختلاف، مما يؤكد على قدرة الصياغة فى جعلها جميعا خيطا واحداً بنبضات تصعد وتهبط كنبضات القلب، لكنها لا تستقر فى خط مستقيم فيموت الإيقاع؛ لا شك أن فكرة حكى كل شخصية عن ذاتها ما بين الحزن والرجاء، ربما يأخذنا أحيانا إلى تراجيدية دائمة، لكن مسحة السخرية والكوميديا وخفة دم الأداء كسر حدة سيطرة حالة الحزن على الكثير من الحكايات.

ومن تلك الحكايات تظهر القدرة الجيدة التى نجد عليها جميع خريجى الدفعة من المستوى المرتفع والاحترافى لكثير منهم، وقدرتهم على التنوع فى الأداء والانتقال السلس من حالة شعورية إلى حالة شعورية أخرى؛ فكم من الممثلين انتقل للكوميديا ومازالت الدموع تسكن عينيه، لا شك أن مستويات هؤلاء الخريجين تختلف من ممثل إلى آخر، لكن المجهود المبذول من خالد جلال يظهر على الجميع، ويؤكد جدارته على عمل بطولات جماعية تتحول بعد ذلك لنجومية فردية حين يأخذ كل عضو من أعضاء الفريق الفرصة الحقيقية ليعبر عن نفسه.

وأهم ما فى العرض هى مناسبة كل عنصر من العناصر مع السياق العام للحواديت المختلفة، فالسينوغرافيا المستخدمة لمحمد الغرباوى من ديكور وملابس جاءت إشارية معبرة عن الحالة العامة للعرض ببساطة وبدون أية مبالغات، وجاء الإعداد الموسيقى لأحمد الشرقاوى ورنا عطوفة مناسبا للمواقف المختلفة للحواديت مستخدمين أغانى وموسيقى معبرة مناسبة لكل حكاية من ذاكرة الموسيقى والأغنية المصرية.

ومن الملاحظات المهمة أن عددا من الخريجين لديهم مواهب أخرى غير التمثيل مثل الشاعر شهاب العشرى وعازف الطبلة وعازف الدف، كما أن الدفعة شهدت وجود اثنين من العرب؛ من السعودية والمغرب.

ومن اللافت أن مسرحية حواديت تحركت فى الأقاليم الثقافية محققة حالة من العدالة الثقافية التى نبحث عنها، فقد زار العرض مدينة أسيوط ضمن عروض المهرجان القومى للمسرح المصرى، وزار كذلك بورسعيد والإسكندرية، واقترح أن يقدم العرض لعدة أيام على مسرح السامر، وأن يتجول فى عدة محافظات ضمن مشروع المواجهة والتجوال مثل قنا والبحر الأحمر ومطروح وسيناء فى قادم الأيام.

وأخيرا أعتقد أن الأيام القادمة سوف تشهد انطلاق مجموعة من هؤلاء الخريجين ليصيروا نجوما لامعة، فتحية لهم ولمكتشفهم ومدربهم الفنان خالد جلال وهم: ياسمين عمر، صلاح الدالي، نادين خالد، أحمد شرف، إسراء حامد، أحمد شاهين، طارق الشريف، هند حسام، أحمد الشرقاوي، أمينة النجار، أحمد هاني، ياسمين سراج، محمد عادل، يوسف مصطفى، محمد صلاح، عمر حمدي، حسام سعيد، نيفين رفعت، مى حسين، شهاب العشري، غفران الشاعر، شيرى أشرف، آية مجدي، رنا عطفوفة، ندى فاضل، عائشة عطية، مى عبد اللطيف، محمد سعدون، أحمد أيمن، مريم عاطف، محمد وليد، سالى رشاد، سيف الدين أمين، إيمان صلاح الدين، أحمد عمرو، راندا ثروت، فتحى محمود وأحمد الباشا.

 
 
 

أخبار الساعة