جهود مصرية مستمرة بشأن إتمام اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، بعد المقترح الذي تقدم به الوسطاء في مصر وقطر، والذي جاء منبثقا من مقترح المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف، في يونيو الماضي، فمع إعلان حركة حماس موافقتها على المقترح، لا يزال الموقف الإسرائيلي غير واضح، حيث أكدت مصادر لقناة القاهرة الإخبارية، أن إسرائيل لم ترد حتى الآن على مقترح الوسطاء بالتهدئة بعد مرور 48 ساعة من استلامها المقترح، فيما ترجى اتصالات مصرية مكثفة مع الأطراف المعنية لحث إسرائيل على التعامل بصورة إيجابية مع مقترح الوسطاء للتهدئة بغزة.
وأكدت مصر، في بيان لوزارة الخارجية اليوم، ضرورة قبول إسرائيل بالصفقة التي وافقت عليها حماس بناء على مقترح ويتكوف، مشددة على ضرورة التوصل إلى وقف إطلاق النار في غزة ونفاذ المساعدات الإنسانية.
ودعت مصر إلى إرساء الأمن والاستقرار وإحياء مسار التسوية الشاملة على أساس حل الدولتين، مؤكدة تؤكد استعدادها لمواصلة التعاون الإقليمي والدولي لدعم مسارات تعزيز الأمن والاستقرار.
أبرز بنود المقترح
ويتضمن المقترح الحالي على بدء هدنة مؤقتة مدتها 60 يومًا لوقف إطلاق النار في غزة، يتم خلالها إجراء مفاوضات بشأن وقف إطلاق نار دائم، وخلال تلك الفترة تُطلق حركة حماس سراح حوالي نصف الرهائن الإسرائيليين الخمسين المتبقين - والذين يُعتقد أن 20 منهم على قيد الحياة - على دفعتين خلال هدنة، حيث يتم إطلاق 10 محتجزين أحياء ونصف عدد الجثامين البالغ عددهم 36 بواقع 18 جثمانًا.
كذلك يتضمن المقترح إعادة انتشار القوات الإسرائيلية لمناطق محاذية للحدود لتسهيل حركة دخول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، حيث ستتم إعادة تموضع القوات الإسرائيلية لإتاحة المجال لدخول المساعدات بشكل يلبي احتياجات قطاع غزة، والبدء من اليوم الأول في مناقشة الموضوعات المتعلقة بالصفقة الشاملة أو الوقف الدائم.
ولفتت المصادر المصرية، إلى أن حركة حماس الفلسطينية تعتبرالمقترح أفضل الخيارات المتاحة لحماية سكان قطاع غزة، وبداية الطريق للحل الشامل وحماية سكان القطاع من التصعيد العسكري.
وفي المقابل، يواصل الاحتلال الإسرائيلي استعداداته لتنفيذ خطة احتلال مدينة غزة، حيث صدق وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس، أمس الثلاثاء، على خطة احتلال قطاع غزة تحت اسم "عربات جدعون الثانية"، حسبما ذكر إعلام عبري، اليوم الأربعاء، وبدأ جيش الاحتلال استدعاء 60 ألف جندي من الاحتياط اليوم، ضمن الاستعدادات لاحتلال مدينة غزة.
وأوضحت هيئة البث الإسرائيلية أن الجيش قرر رفع حجم قوات الاحتياط الموجودة في غزة من 20 ألفًا إلى 80 ألفًا في وقت قريب، مشيرة إلى أن مصادقة كاتس على الخطة جاءت ضمن قرار الحكومة المصغرة "الكابينيت"، الذي صدر مطلع أغسطس الجاري، ويقضي بإعادة احتلال قطاع غزة.
وبحسب الموقع، فإن القرار يتضمن مدة خدمة الجنود الموجودين في الخدمة حاليًا لـ40 يومًا إضافية، وبدء استدعاء بقية جنود الاحتياط، سبتمبر المقبل، فيما قال إيال زامير، رئيس أركان جيش الاحتلال، مطلع الأسبوع الجاري، إن الخطة تشمل تعزيز انتشار القوات الإسرائيلية في شمال القطاع، تمهيدًا لاحتلال مدينة غزة.
عراقيل إسرائيلية دائمة
ويقول السفير صلاح حليمة، مساعد وزير الخارجية السابق، إن الموقف الإسرائيلي يبدو ملتبسًا بشكل لا يدعو إلى التفاؤل أو إلى الشاؤم، بل يثير القلق، لأن الهدف لا يقتصر على ما تدّعيه إسرائيل بشأن حماس، وإنما يتجاوزه إلى نية واضحة لتصفية القضية الفلسطينية، وهذا ما يفسّر المماطلة والتهرب من كل اتفاق يتم التوافق عليه، فالانقلاب الإسرائيلي على أي اتفاق بعد قبوله يثير الشكوك حول نوايا الاحتلال.
وأوضح حليمة، في تصريح لبوابة "دار الهلال"، أن الاحتلال لا يتوقف على فكرة نزع سلاح حماس وإبعادها عن السلطة، بل يتعدى ذلك إلى مزيد من التعنت وفرض العراقيل الدائمة، لذلك، من المستبعد أن تقبل إسرائيل بالمقترح الحالي، إلا في حال وجود ضغط أمريكي حقيقي وموقف عربي قوي، خاصة وأن المقترح الحالي، الذي قدمه المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف، كانت إسرائيل قد وافقت عليه سابقًا، مما يجعل ترددها الحالي وتصريحها بوجود خمسة شروط أمرًا مثيرًا للتساؤل.
وأضاف أن الموقف لا يدعو للتفاؤل ولا للاتفاق، فهو مرتبط بضغط أمريكي أشك في فعاليته، وبموقف عربي واضح، فالدول العربية والأجنبية يجب ألا تكتفي بالإدانات والتصريحات، بل عليها اتخاذ إجراءات فعلية، مثل ربط علاقاتها المستقبلية واتفاقاتها بضرورة احترام إسرائيل لحقوق الشعب الفلسطيني.
وشدد على أن الموقف المصري، الذي يتفق مع الموقف الدولي، يؤكد على ضرورة وقف إطلاق النار بشكل دائم، والإفراج عن الرهائن، وإدخال المساعدات بشكل كامل، وربط ذلك بمسار سياسي لحل الدولتين، إضافة إلى إعادة الإعمار في قطاع غزة، موضحا أن هذا هو الموقف الذي يحظى بتأييد المجتمع الدولي، بما في ذلك الدول العربية والإسلامية والأوروبية، والمنظمات الإقليمية والدولية، والشعوب المحبة للسلام.
وأكد أن إسرائيل تعتزم التوسع في عملياتها العسكرية في غزة، هي دولة مارقة لا تحترم القرارات والمواثيق والاتفاقات الدولية الصادرة عن الأمم المتحدة، وما تقوم به في الضفة الغربية منذ 76 عامًا من ممارسات عنصرية، مثل الفصل العنصري، وبناء المستوطنات، وتجريف الأراضي، بالإضافة إلى ما يجري في غزة من محاولات إبادة جماعية وتهجير قسري، هو إرهاب دولة، حتى أن بعض المنظمات والمستوطنين المتطرفين قد فرضت عليهم الولايات المتحدة عقوبات لممارستهم الإرهاب.
ولفت إلى أن وقف كل ذلك العدوان والانتهاكات يتوقف على الضغط الأمريكي والموقف العربي الحاسم، بدون ذلك، لن نصل إلى الأمن والاستقرار والسلام، بل قد يؤدي الوضع إلى مزيد من التصعيد والتوتر.
نتنياهو يريد استمرار في الحرب للبقاء في السلطة
ويقول السفير جمال بيومي، مساعد وزير الخارجية الأسبق، إن هناك عدد من الأسباب التي تؤكد أن إسرائيل راغبة في استمرار الحرب على غزة، ومن أهمها بقاء رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو في السلطة، الذي يرى في استمرار الحرب طوق نجاة له من الملاحقات القضائية التي تنتظره، سواء من المحكمة الجنائية الدولية أو المحكمة الإسرائيلية نفسها بتهم تتعلق بالفساد، فالحرب تمنحه منصبًا ويجعله مشغولًا، مما يجنبه السجن.
وأوضح بيومي، في تصريح لبوابة "دار الهلال"، أن الأمر الثاني الذي يشجع الاحتلال على استمرار الحرب، هو دعم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لإسرائيل، وخاصة أن ترامب، المعروف بقراراته العدائية حتى تجاه حلفائه، يدعم استمرار الحرب مما يزيد من تعقيد الموقف، مشيرا إلى أن مصالح شركات السلاح، واستفادة صناعة السلاح ماديًا بشكل كبير من هذه الحرب، حيث باعت بضائع بقيمة ثلاثة تريليون دولار خلال عام واحد، وهذا يمثل حافزًا قويًا لعدم توقف القتال.
وأشار إلى أنه لهذه الأسباب، يستمر الاحتلال في وضع العراقيل أمام أي طريق ينهي الحرب، لكن الأمل الوحيد يكمن في صمود الشعب الفلسطيني وقدرته على العيش والعودة وتحمل الحصار والتجويع رغم كل الدمار، بالإضافة إلى الدعم المصري والعربي طويل الأمد.
وشدد على أن السياسة الخارجية المصرية تتعامل مع الأزمة بحذر وبموقف ثابت يتبنى مصالح الشعب الفلسطيني ووقف نزيف الدماء، مؤكدا أن الاحتلال يضع العراقيل ولا يريد إنهاء الحرب بمطالب "عبثية" أو "استعراضات فارغة"، وادعاءات كاذبة تجاه كل الأطراف، لذلك فإن نتنياهو يريد استمرار الحرب طالما بقي في السلطة.