وحسب تقديرات البنك المركزى المصرى، وصل صافى الاحتياطيات الدولية إلى 48.700 مليار دولار أمريكى فى نهاية يونيو 2025، حيث ارتفع احتياطى النقد الأجنبى لمصر إلى 48.525 مليار دولار بنهاية شهر مايو الماضى، مقابل 48.144 مليار دولار فى شهر أبريل 2025، بزيادة 381 مليون دولار.
وفى هذا السياق، أكد الدكتور عز الدين حسنين، الخبير المصرفى، أن «البنك المركزى المصرى يقوم بعملية إدارة الاحتياطى النقدى المصرى، وليس من مهامه رفع أو تقليل الاحتياطى، إلا إذا كان يستثمر جزءًا من الاحتياطى بالاتفاق مع القيادة السياسية ضمن استراتيجية ورؤية الدولة، كما هو الحال فى بعض البنوك المركزية فى الخارج».
وأضاف «عز الدين» أن «الاحتياطى النقدى المصرى هو احتياطى متنوع ما بين نقد أجنبى وذهب وحقوق سحب خاصة، وتُعتبر أبرز العوامل التى ساعدت على رفع نسب الاحتياطى النقدى هى صفقة رأس الحكمة، والتى ساهمت فى تحويل جزء من الودائع الإماراتية، والتى كانت تُصنف كـ(ديون)، إلى استثمارات، حيث بلغت قيمة الصفقة 35 مليار دولار، منها 24 مليار دولار نقدًا، و11 مليار دولار عبارة عن ودائع إماراتية للبنك المركزى أصبحت استثمارًا بدلاً من كونها دينًا. هذا فضلًا عن أن الاقتصاد المصرى أيضًا استقبل فى الآونة الأخيرة استثمارات أجنبية مباشرة بنظام القطع، ساهمت حاليًا فى الوصول بالاحتياطى النقدى إلى ما يقارب من 50 مليار دولار».
وأوضح أنه «نظرًا لأن الاقتصاد المصرى دائمًا ما يعانى من عجز فى ميزان المدفوعات، لا تذهب كل موارد الاقتصاد الدولارية إلى الاحتياطى النقدى المصرى، فعلى سبيل المثال، عندما تكون قيمة الاستيراد أكبر من التصدير، نجد هناك عجزًا يستنزف من الموارد الدولارية للاقتصاد المصرى، بالإضافة إلى تأثر عائدات قناة السويس خلال الفترة الأخيرة بالاضطرابات الجيوسياسية فى المنطقة، وهو ما يدفع الحكومة المصرية للاقتراض من الخارج من أجل تغطية هذا العجز، من خلال سندات أو أذون الخزانة أو الأموال الساخنة وغيرها، الأمر الذى يعزز الاحتياطى بعد تخفيف هذا العجز. لذلك، فمن المفترض أن الاحتياطى النقدى يتغذى ويزيد من الموارد الطبيعية للدولة والأنشطة الاقتصادية، والتى دائمًا ما تعانى من عجوزات، لذا نستعيض عن ذلك بقروض وسندات دولارية».
كما أشار إلى أن «الفترة الماضية شهدت زيادة فى الاستثمارات التى ساهمت فى تقليل العجز، مما انعكس إيجابًا على معدلات الاحتياطى، فضلًا عن ارتفاع نسب التصدير وتقليل فاتورة الواردات، بجانب الطفرة الكبيرة فى تحويلات المصريين فى الخارج، التى وصلت إلى 35 مليار دولار، ساهمت فى تقليل العجز فى واردات قناة السويس. لذلك يُعتبر الاقتصاد المصرى متوازنًا فى موارده، كما أن قوة الاحتياطى النقدى تساهم فى تعزيز القوة الشرائية للعملة المحلية، وهو ما نلاحظه حاليًا فى سعر صرف الدولار أمام الجنيه، الذى اتخذ منحنى تنازليًا مؤخرًا، ولو كان مؤقتًا، وذلك ارتباطًا بسياسة سعر الصرف المرن وسياسة العرض والطلب».
وشدد «عز الدين» على أن «الأصول الأجنبية التى تمتلكها البنوك المصرية أيضًا تُعتبر داعمًا قويًا للاحتياطى المصرى، فكلما ارتفعت قيمة تلك الأصول، كلما كانت البنوك قادرة على تغطية التزاماتها تجاه المستوردين والصناع وكل طالبى الدولار، الأمر الذى يساعد البنك المركزى المصرى فى الحفاظ على الاحتياطى دون بيعه للبنوك».
ولفت إلى أن «ارتفاع قيمة الاحتياطى النقدى المصرى ينعكس على التصنيف الائتمانى للدولة المصرية، كما أن قوة الاحتياطى النقدى توفر للدولة القدرة على الوصول إلى الأسواق الخارجية مع توفير سعر فائدة قليل حال الاقتراض، مع تشجيع الاستثمارات الأجنبية لضخ استثماراتها محليًا، نظرًا لوجود حجم احتياطى قوى من العملة الأجنبية لتوفير احتياجاتها من مستلزمات الإنتاج وغيرها»..
وأشاد الخبير المصرفى بالمبادرات التى أطلقتها الحكومة المصرية لتشجيع العاملين المصريين فى الخارج على تحويل أموالهم عبر القنوات الرسمية بالبنوك، منها مبادرة السيارات ومبادرة سكن مصر وغيرها من المبادرات الأخرى التى شجعت العاملين بالخارج على ضخ أموالهم محليًا داخل الدولة، لافتًا إلى أن «مبادرة السيارات ساهمت فى ضخ ما يقارب من 3 مليارات دولار، وكذلك الأمر بالنسبة لمبادرات الإسكان، ولكن لا يزال هناك الكثير من الأمور التى يجب على الحكومة دراستها وتفعيلها لتشجيع المصريين فى الخارج».
وكشف أن «المعدل الطبيعى الذى يجب أن يصبح عليه الاحتياطى النقدى لدولة بحجم مصر هو 70:80 مليار دولار، والذى يُعتبر 20فى المائة من قيمة السيولة الموجودة محليًا، و15فى المائة : 20فى المائة من حجم الناتج المحلى لمصر، وذلك وفقًا لدراسات دولية فى مجال الاقتصاد والاحتياطى النقدي. وهو ما يؤكد عليه دائمًا الرئيس عبد الفتاح السيسى فى مختلف أحاديثه، بأن لديه حلمًا بأن يصل حجم الصادرات المصرية إلى 100 مليار دولار سنويًا، فضلًا عن مضاعفة إيرادات السياحة المصرية إلى 30 مليار دولار سنويًا، طبقًا لرؤية مصر 2030، مع زيادة قدرة الدولة على ضبط عملية تسرب الدولار، خاصة فى مجالات السياحة والتصدير، وذلك لضمان استفادة الدولة من كافة العملات الأجنبية الموجودة فى السوق المصرى».
واختتم «عز الدين» حديثه بالإشارة إلى أن ارتفاع الاحتياطى النقدى يُعد مؤشرًا إيجابيًا يعكس تحسن موارد النقد الأجنبى، مؤكدًا أن «هذا الارتفاع يعتمد على خمسة روافد رئيسية توفر العملات الأجنبية، وهي: الصادرات، حيث تُسهم فى إدخال عملات حرة وتعزيز الاحتياطى، وإيرادات قناة السويس، التى لا تزال مصدرًا مهمًا للنقد الأجنبى رغم التحديات الناجمة عن الحرب فى جنوب البحر الأحمر».
بدوره، قال الدكتور أحمد شوقى، الخبير الاقتصادى والمصرفى، عضو الجمعية المصرية للاقتصاد السياسى والتشريع والإحصاء: إن من أهم مؤشرات قوة أى اقتصاد فى العالم وجود احتياطى نقدى قوى يُغطى كافة احتياجات الدولة من السلع الأساسية والاستراتيجية لمدد طويلة، وهو ما يمتلكه الاقتصاد المصرى، حيث يضمن الاحتياطى النقدى المصرى 7 أشهر من احتياجات الدولة من السلع الاستراتيجية، وهى المرة الأولى التى يصل فيها الاحتياطى المصرى من النقد لهذا المعدل. هذا المؤشر يُساهم فى زيادة ثقة المستثمرين وكبرى المؤسسات الاقتصادية الدولية، كما أنه يُعزز من الثقة فى الاقتصاد المصرى من قِبل المستثمرين الأجانب ومؤسسات التصنيف الدولية، خاصة فى ظل التحديات الإقليمية والدولية المعقدة، ووراء هذا الارتفاع عدة عوامل رئيسية، أبرزها زيادة تدفقات الاستثمارات الأجنبية المباشرة خلال النصف الأول من 2025.
وأكد «شوقى» أن «زيادة نسبة الاحتياطى النقدى المصرى تدل على أن الاقتصاد المصرى له القدرة والمرونة على مواجهة الصدمات، فعلى سبيل المثال، إذا حدث خروج مفاجئ لـ»المال الساخن» بشكل أو بآخر، فإن الاحتياطى النقدى قادر على المساعدة فى تغطية الآثار الناجمة عن هذا الخروج وغيره من الصدمات العالمية المتوقعة». مشيرًا إلى أن قيمة الاحتياطى النقدى لأى دولة تُعتبر أحد أهم العوامل المؤثرة فى التصنيف الائتمانى للاقتصاد، وأن المؤسسات الاقتصادية الدولية عادة ما تُقيم التصنيف الائتمانى للدول من خلال عدة عوامل، أبرزها التضخم والاحتياطى وسعر الصرف وغيرها من العوامل الأخرى.
ولفت الخبير الاقتصادى إلى أن حجم الاحتياطى النقدى المصرى كان عادة ما يتراوح ما بين 32:34 مليار دولار لعقود طويلة، لذلك فهى المرة الأولى التى يصل فيها إلى 49 مليار دولار، بمعدل زيادة قدره 15 مليار دولار. مضيفًا أن «هذه الزيادة تعود إلى عدة أسباب، منها الإجراءات التحفيزية التى اتبعتها الحكومة من أجل تحفيز وتشجيع الاستثمار الأجنبى المباشر، وشهدنا جميعًا خلال الفترة القريبة الماضية صفقات استثمارية مثل صفقة رأس الحكمة مع الإمارات العربية المتحدة، بالإضافة إلى إجراءات الحكومة التى اتخذتها لتشجيع تحويلات المصريين فى الخارج، وذلك عبر القضاء على السوق الموازى لتداول العملات عبر تحرير سعر الصرف، وصولًا لسعر صرف مرن شجع المواطنين العاملين فى الخارج على تحويل أموالهم عبر القنوات الرسمية بالبنوك المصرية المختلفة، الأمر الذى أنعش حصيلة الدولة من النقد الأجنبى، بجانب إجراءات الدولة المصرية لتقليص الفجوة بين ميزان الصادرات والواردات، حيث تعكف الدولة منذ سنوات على زيادة معدل الصادرات المصرية، وخاصة المُصنعة منها، وتقليل الواردات قدر الإمكان مع التوسع فى توطين الصناعات المختلفة ونقل التكنولوجيا محليًا».
وتابع: من العوامل التى ساعدت أيضًا على ارتفاع الاحتياطى النقدى المصرى، ارتفاع سعر الذهب عالميًا، وذلك نظرًا لأن الاحتياطى النقدى المصرى يضم جزءًا منه عبارة عن ذهب، والأثر المباشر لارتفاع الاحتياطى يتمثل فى توافر كافة السلع والاحتياجات وخامات الإنتاج بسعر فى المتناول دون الشعور بأى نقص أو غياب لسلعة. وأريد أن أشير هنا أيضًا إلى أن الأسعار عامة مرتبطة ارتباطًا مباشرًا بمعدلات التضخم، وهى علاقة طردية؛ فكلما انخفض التضخم انخفضت أسعار السلع، والعكس صحيح، وهو ما يجرى على أرض الواقع، فنجد أن معدلات التضخم تتراجع مؤخرًا بما يُنذر بإمكانية تحسن الأسعار مستقبلًا.