من الواقع، وبالنور اليقين، نجحت الدولة المصرية باقتدار، ورغم كل التحديات التى تحيط بها، أن تحقق أمن الطاقة، فى كل أنحاء مصر المحروسة، خلال هذا الصيف، الذى زادت فيه درجات الحرارة إلى أرقام قياسية.
ومع ذلك، لم تلجأ إلى تخفيف الأحمال فى الكهرباء، رغم زيادة أعباء فاتورة استيراد الغاز المسال إلى أرقام قد تصل إلى 20 مليار دولار.
ومن الواقع، وبالنور اليقين، لم تنقطع الكهرباء عن أى مكان فى مصر المحروسة خلال هذا الصيف، ليس فى القاهرة الكبرى أو عواصم المحافظات، أو فى المدن والمراكز، ولكن فى القرى والنجوع، لم تنقطع الكهرباء، ولم يتم تخفيف الأحمال، فى رسالة قوية أنه لم يُظلم شبر واحد من أرض مصر المحروسة.
الكل يحصل على الكهرباء دون ظلام، ودون تخفيف أحمال، ودون صراخ.
وهذا الذى حدث، بقدرة الدولة المصرية بإصرار من الرئيس عبدالفتاح السيسى على توفير كافة الاعتمادات لاستيراد الغاز الطبيعى المسال، وعدم العودة إلى تخفيف الأحمال، الأمر الذى أفقد أهل الشر والإخوان القتلة، أى فرصة للعويل –كما كان يحدث– بسبب تخفيف الأحمال.
ومن ثم، فإن نجاح الدولة المصرية فى تحقيق أمن الطاقة خلال هذا الصيف، وفى أوقات ذروة الاستهلاك، كان بمثابة ضربة قاضية لأهل الشر والإخوان القتلة فى العويل على وسائل التواصل الاجتماعي.
نجحت الحكومة المصرية، برئاسة الدكتور مصطفى مدبولى، فى تحقيق ملحمة تاريخية وفى وقت قياسى فى إحضار مراكب التغييز وتشغيلها، وتوفير شحنات الغاز المسال التى تكفى ذروة الاستهلاك خلال هذا الصيف لكافة صور الاستهلاك، بما فى ذلك توفير احتياجات المصانع من الغاز الطبيعي.
فى المدن، فى القرى، فى النجوع، فى الشوارع، فى الحوارى، فى كل أنحاء مصر، لا تخفيف للأحمال، ولا انقطاع للكهرباء، رغم ارتفاع تكلفة استيراد الغاز الطبيعى المسال، وكميات كبيرة من المازوت والسولار.
ولعل النجاح خلال هذا الصيف فى عدم العودة لتخفيف الأحمال، يجعلنا نركز على البُعد الأكبر، وهو تحقيق أمن الطاقة بشكل مستدام، ولا يؤدى إلى استنزاف موارد الدولة المصرية.
وإذا كان المهندس كريم بدوى، وزير البترول والثروة المعدنية، قد وضع خطة لتواجد مراكب التغييز فى ميناء العين السخنة حتى عام 2030، ودفع إيجارات يومية لها قد تصل إلى ما يقرب من مليون دولار يوميا، فهذا يعنى أننا سوف نعتمد على استيراد الغاز الطبيعى المسال خلال السنوات الخمس، وبقيمة تصل إلى 20 مليار دولار سنويًا، فضلًا عن دفع الإيجارات اليومية لمراكب التغييز فى ميناء العين السخنة، إضافة إلى المشاركة فى دفع القيمة الإيجارية لمركب التغييز الذى وصل إلى ميناء العقبة الأردنى، والذى سيساهم فى توفير الغاز الطبيعى ونقله إلى الشبكة القومية للغاز الطبيعى عبر خط الغاز العربى الذى يربط مصر والأردن.
وإذا كان هذا الصيف الذى اقترب من الانتهاء فى هذا الشهر بنجاح، ودون العودة إلى تخفيف الأحمال، فلا بد من وقفة حتى نحافظ على تحقيق أمن الطاقة بشكل يحقق الأهداف الاقتصادية للدولة المصرية، دون استنزاف لمواردها.
وإذا كان تحقيق أمن الطاقة قد تحقق بشكل كلى تقريبًا على الوقود البترولى سواء من الإنتاج المحلى من الغاز الطبيعى الذى يقل قليلًا عن 4 مليارات قدم مكعب فى اليوم، والغاز الطبيعى المسال الذى يزيد على 2 مليار قدم مكعب فى اليوم، والغاز الطبيعى الذى نستورده من إسرائيل بما يقرب من مليار قدم مكعب يوميًا، فإننا نسأل: أين الطاقة الجديدة والمتجددة، فى تحقيق أمن الطاقة، ولا سيما أن الدكتور مصطفى مدبولى قد وعد من قبل بوفرة 4 جيجا من الطاقة الجديدة، خلال هذا الصيف؟، لكن الواقع يؤكد أنه لم يحدث.
وإذا كان المهندس كريم بدوى، وزير البترول والثروة المعدنية، يكرر الحديث عن المحاور الستة، فإننا سوف نتحدث عن محاور أخرى لتحقيق أمن الطاقة بشكل مستدام.
أول هذه المحاور، لا بد أن يكشف لنا كل من رئيس الوزراء ووزير البترول توقعات الإنتاج المحلى من الغاز الطبيعى والزيت الخام حتى عام 2030، خاصة مع موقف الحكومة منه سداد مستحقات الشريك الأجنبي، وتأكيدات وزير البترول على تقديم حزمة من الحوافز لتشجيع الشركاء الأجانب على تكثيف أعمال البحث والاستكشاف، وتحقيق اكتشافات اقتصادية جديدة، وليست اكتشافات قديمة لا تسمن ولا تغنى من جوع.
كل ما نسمعه من تصريحات من المهندس كريم بدوى عن طموحات فقط، والحديث من جانب رئيس الوزراء عن عودة الإنتاج من الغاز الطبيعى إلى معدلاته الطبيعية، دون أن يحدد ما هو هذا المعدل الطبيعي، هل العودة لإنتاج 6.5 مليار قدم مكعب من الغاز الطبيعى يوميًا والإنتاج الحالى يقل عن 4 مليارات قدم مكعب يوميًا.. فكيف سيتحقق ذلك؟
وهذا يحتم على وزير البترول أن يكشف حقيقة الاحتياطيات المؤكدة من الغاز الطبيعى والزيت الخام، والابتعاد عن التهويل، حتى لا يتكرر ما سبق من إعلان أرقام غير حقيقية لاحتياطيات الغاز الطبيعى فى السنوات الماضية.
وعندما نطالب بذلك، فهذا لأن مصر تملك إمكانات واعدة لتحقيق اكتشافات من الغاز الطبيعي، شريطة التعامل بحرفية مع الشركاء الأجانب.
ثانى هذه المحاور، لا بد أن يعلن الدكتور مصطفى مدبولى رئيس الوزراء، والدكتور محمود عصمت وزير الكهرباء والطاقة، الخطط والبرامج الفعلية لزيادة إنتاج الكهرباء من الطاقة الجديدة، سواء الشمسية أو الرياح.
وفى هذا الشأن، لا بديل عن خطط وبرامج أكثر مما هو يتم الآن لإنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية تحديدًا، لأنه مهما حققنا من اكتشافات كبيرة من الغاز الطبيعي، فسوف تنضب، ومن ثم لا بديل عن أن تكون الطاقة الشمسية، هى محور تحقيق أمن الطاقة فى مصر، ليس خلال السنوات الخمس القادمة، ولكن بشكل دائم.
ودون الاعتماد على الطاقة الجديدة، وبخاصة الطاقة الشمسية خلال السنوات القادمة، لن يتحقق أمن الطاقة بالقدرات المحلية، وإنما سيستمر الاعتماد على استيراد الغاز الطبيعى المسال، ليس حتى عام 2030، ولكن بعد ذلك أيضا، حتى لو عاد الإنتاج المحلى من الغاز إلى طبيعته، كما يبشرنا رئيس الوزراء.
إذا لم يتم الاعتماد بشكل أكبر على الطاقة الشمسية، لن يتحقق أمن الطاقة إلا بتوفير المليارات من الدولارات لاستيراد الغاز الطبيعى المسال.
ولن نستطيع الدخول فى مشروعات كبيرة لتحلية مياه البحر أو توفير الطاقة لطموحات خطط التنمية، إلا إذا تم الاعتماد على الطاقة الشمسية، سواء للسوق المحلى أو للتصدير.
وهنا لا بد من وقفة، لأننا نرى أن خطط المهندس كريم بدوى وزير البترول والثروة المعدنية يدرك أن الاعتماد على استيراد الغاز الطبيعى المسال سوف يستمر طويلًا، ولسنا ضد رؤيته، ولكننا نسأله: إلى متى سوف تتواجد مراكب التغييز لندفع لها إيجارات يومية، تقترب من مليون دولار يوميًا، أى أكثر من 300 مليون سنويًا؟
لماذا لا تفكر وتبدأ فى إنشاء وحدات تغييز ثابتة بدلًا من دفع إيجارات يومية؟ هل ستتكلف وحدة التغييز الثابتة مليار دولار؟
لقد قال لى بعض خبراء البترول إن التكلفة سوف تكون أقل من ذلك بكثير، وهناك تفكير فى إقامة وحدة تغييز ثابتة فى إدكو، ولكن لا يوجد مَن يساند ذلك، ويتم استسهال ودفع الإيجارات اليومية لمراكب التغييز.
لا ننكر أن ظروف هذا الصيف كانت ضاغطة، ولا بديل فيها عن مراكب التغييز، لكن لماذا لا نتحرك لإنشاء وحدات تغييز ثابتة، طالما أننا سوف نستمر لسنوات فى استيراد الغاز الطبيعى المسال؟
المحور الثالث، والذى سوف يحد من استنزاف موارد الدولة المصرية فى استيراد الغاز الطبيعى المسال، إنه على تبنى الحكومة فى كافة قطاعات الدولة خططًا واقعية لترشيد استهلاك الطاقة بكافة صورها، وليس فى الكهرباء فقط، ولا نختصر ترشيد الاستهلاك فى إطفاء القليل من أعمدة كهرباء الطرق والشوارع.
لا بديل عن خطط لترشيد الاستهلاك فى كل كيان يستهلك الكهرباء، أيا كان هذا الكيان، لأنه دون ترشيد استهلاك فعلى للطاقة، سيظل تحقيق أمن الطاقة منقوصًا.
إن قضية تحقيق أمن الطاقة خلال السنوات القادمة تحتاج إلى رؤى وبرامج أكثر طموحًا من الذى يحدث الآن.
