رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

رغم عويل قوى الشر.. الطروحات الحكومية.. شهادة نجاح


8-8-2025 | 01:18

.

طباعة
بقلـم: د.وفاء على

لا شك أننا عندما نذكر الملمح الأول للحديث عن الطروحات الحكومية يقفز إلى الذهن أننا فى عصر الفقاعات الاقتصادية وعين الريبة التى تحوط بكل ما هو تحت الضوء بسبب حالة الضغوط الاقتصادية التى يعانى منها العالم أجمع..

وعندما كثرت الأحاديث عن التخارج والطروحات الحكومية والجدول الزمنى الذى تتم فيه وبدأت التصريحات والتكهنات فيما يخص هذا الشأن، والسؤال العالق: هل نمتلك أدوات المستقبل والتوجه إلى العوامل المرئية وغير المرئية فى تحديد آليات التخارج من أجل القطاع الخاص؟ ومن هنا رأينا عرض الرؤية الفنية لمسار التخارج والطروحات الحكومية، خصوصًا بعد المراجعة الرابعة لصندوق النقد الدولى وإبداء الرأى حول برنامج الطروحات وكيفية نجاحها فى جذب التدفقات النقدية الاستثمارية الدولارية، والذى يمثل محورا أساسيا للتمويل الذاتى مع تقليل الاعتماد على القروض، ما يدعم الاحتياطى النقدى ويقلل، بل يحد، من عجز الموازنة، خصوصًا أن البرنامج الاقتصادى للدولة المصرية كانت حصيلته عام «2023 - 2024» مليار دولار فقط لا غير.

 

وهى أقل من المتوقع، وهناك سعى من الدولة أن تزيد الحصيلة هذا العالم الجارى إلى 3 مليارات دولار والعمل للمساهمة فى سد الفجوة التمويلية ودعم احتياجات الموازنة من الإصلاحات الأساسية المهمة مع الأخذ فى الاعتبار التعديلات فى النظام النقدى وسعر الصرف المرن، كذلك استهداف التضخم والحد من هيمنة القطاع العام وتطبيق اقتصاد قائم على سياسة السوق وإحراز نظام مالى قائم أيضا على الشفافية والحوكمة مع تعزيز القدرة التنافسية للاقتصاد من خلال تقليل البيروقراطية وزيادة تكافؤ الفرص، وأضاف صندوق النقد الدولى رأيه أيضا فى زيادة تعبئة الإيرادات المحلية لتلبية احتياجات الموازنة العامة للدولة المصرية..

ولا شك أن الكل يريد عودة الاستثمارات المباشرة بوتيرة جديدة وسريعة، وهى من العوامل التى تعزز الاحتياطى النقدى لأى دولة وتشكل ركنا أساسيا ومؤشرا على نجاح الدولة فى استهداف وترويج الاستثمار، وإن إدارة الأزمة من قبل الدولة نتج عن دراسة واعية فى ظل ما يحدث من سلبيات على وضع الاقتصاد العالمى على خلفية سياسة التشديد النقدى، وأن تمر الأحداث المتصاعدة عالميا بما تحمله بأقل الخسائر وألا تعول ملفاتها على أخذ المخاطر الجيوسياسية فقط فى حسبانها وإنما ردة فعل الأسواق والنظرة المستقبلية لمعدلات النمو وعدم وجود أى نوع من الضبابية، وأن نكون فى قلب التحديات والحدث وألا تغرد الدولة أبدا خارج السرب.

نحن نشترى المستقبل، ولذلك هناك عوامل غير مرئية فى التخطيط الاستراتيجى لأى دولة والعالم كله يتطاحن فى «رالى» كبير وحالة طمع وصلت إلى ذروتها بسبب جلب الاستثمارات المباشرة.

الحقيقة أن الكلمة الدلالية الكبيرة هو كيف نتماشى مع حالة تخارج الدولة من بعض المشروعات، ويمضى برنامج الأطروحات الحكومية بسلاسة وسلامة؟، فالهرولة غير مطلوبة والبطء غير مطلوب، وإنما نحن بحاجة إلى فلسفة أو نهج علمى سليم نتخارج به فى ظل بقاء الدولة فى بعض القطاعات، فالكل ينادى بالتخارج السريع لصالح القطاع الخاص أو عدم التخارج، ولكلَّ وجهة نظره، خصوصًا بعد ماراثون الأقاويل الأخيرة، التى سارت بشأن مشروع رأس الحكمة.

فنحن دوما فى مصر لدينا نوعية معينة من أصحاب الآراء المؤيدة الذين مع الوقت يتحولون إلى معارضين لنفس الرأى، أين حكمة الرأى وصواب الرؤية؟ وهو ما نحاول الوصول إليه فالتخارج لصالح القطاع الخاص له أصول علمية وعملية وأركان أساسية فى شراء المستقبل.

الأمر فى غاية الغرابة.. هل حقًا تريدون التخارج أم لا؟

إن الاستثمار الحقيقى قائم على لغة واحدة فقط، ألا وهى مصلحة الوطن والمنافع المتبادلة من عملية التخارج، ولو عدنا قليلًا إلى الوراء خلال السنوات الماضية كان الحديث الأساسى الرسمى، الذى لا يعلو عليه صوت والكل فى صيحة واحدة بضرورة جلب الاستثمارات الأجنبية والنقد المستمر والموجع على رأس الدولة، وظهور الحكومات المتتالية بسؤال واحد فقط: أين الاستثمارات، ولماذا لا تتخارج الدولة وتعطى الفرصة الكاملة للقطاع الخاص للعمل والاستثمار وأن القطاع العام لديه خسائر؟

واليوم نعود لنتحدث بلغة أخرى لبعض الفئات الذين يتعاملون مع الاقتصاد بلغة العواطف بعيدًا عن لغة المصلحة والمنفعة المتبادلة، ففى كل الأحوال التخارج أو الاستثمار بشروط صحيحة هو الأمل الخاص بتحقق نقطة التعادل المنشودة، فالاستثمار الحقيقى سيتيح فرص عمل ويضخ مزيدا من العملات الصعبة،

ولكن هناك ظاهرة هذه الأيام فقد نصب المحللون وبعض المتحدثين أنفسهم فى باب التقييم والجلاد، وبدأ البعض يهاجم الدولة والنظام ويعتبر عدم التخارج السريع مؤشر تقييم لعدم النجاح، وبدأت حملات كثيرة على عقول البسطاء من الناس والتشكيك واتهام الدولة بالسيطرة على الاقتصاد وإغلاق الأبواب أمام الاستثمار الأجنبى، ورفض منح فرصة كاملة للقطاع الخاص.

وعندما همت الدولة بعملية الطروحات والتخارج من الاقتصاد بطريقة تدريجية صحيحة وفتح الباب أمام المستثمرين الذين لديهم جدية حقيقية، سواء أجانب أو محليين انقلبت الدنيا مرة أخرى، وكان هؤلاء من دعموا التخارج والاستثمار فى البداية هم نفس الفريق الذى يتهم ببيع أصولها وممتلكاتها لأجانب أو عرب، نفس الفريق الذى اتهم الدولة من قبل بالتقاعس عن عملية الطروحات والتخارج وفتح آفاق الاستثمار، ونصبوا أنفسهم كعباقرة يفهمون وحدهم فى كيفية التخارج، وهو ما أفقدهم مصداقيتهم أمام كل المصريين الذين احتاروا فى الأمر ونسى وغفل هؤلاء أن المواطن البسيط يفهم أن التخارج له أصوله.

أصبح حال الاقتصاد المصرى منقسما كالمذاهب أو النخب أو الفصائل وهم أصحاب الفكر الحصرى للفهم والقدرة والاستحقاق الاقتصادى، وهو كارثة تعتبر أكثر فتكًا من العدوى المرضية، لأنها تؤدى إلى خلل فى مجتمع الأعمال كله، فالأمر بين من يقول إن التخارج يعتبر إنجازا رافعا للدولة المصرية، وقد تأخرنا فيه ويجب الإنجاز سريعًا، أما الفريق الآخر فيرى التخارج كارثة، وأن الدولة تتخلى عن الحماية الاجتماعية والأسر الأكثر احتياجًا، والفريق الثالث يرى أنها بيع للثوابت الوطنية وأن بيع أصول الدولة يصل إلى التشكيك فى الوطنية، والفريق الأخير الذى بين الطريقين وظيفته الإحباط والبكاء على الماضى ويرفض الواقع الذى يعيشه الاقتصاد العالمى.

وكل هذه الآراء المتعارضة تصب فى معسكر واحد، وهو قوى الشر التى تتربص بالدولة المصرية والتى يعدها الإخفاق وإذاعة الفوضى والفشل وهو لا يفهم بالأصل فى عملية التخارج، وأن له أصوله، كما يفعل العالم كله حتى فى الدول الشيوعية، ولكن يسعدهم حالة الارتباك والتشكيك.

وعندما بدأت الدولة المصرية تمارس حقها الطبيعى فى وضع بعض المناطق السياحية كأرقى المقاصد على ساحل البحر المتوسط والعالم كله، ووضعها خلال 5 سنوات على خريطة العالم السياحية قامت الدنيا ولم تقعد والأمر لابد أن يأخذ وقته والتعامل مع صناديق الاستثمار العالمية لابد أن يتوافق مع معايير منضبطة طبقًا للمعايير العالمية، ومن هنا بدأت معركة الفرق والمذاهب والفصائل الاقتصادية، وبدأت الخروج للإعلام بتصريحات وآراء وكأنها معركة تم تغليف الأمر إلى أن الدولة تبيع أصولها للغرباء.

وأصبح المواطن البسيط لا يفهم ما يرددونه فليس لديهم حجة تفهم لا بالتفكير أو التأصيل العلمى أو الإقناع الواعى ووقع الجميع فى مصيدة فكر هؤلاء، هناك تجارب فى الدول العربية والأجنبية لا يتحدث عنها أحد فقطر، مثلًا من أهم المستثمرين فى بريطانيا وتبلغ استثماراتها حوالى 50 مليار جنيه إسترلينى وفى فرنسا استثماراتها حوالى 30 مليار يورو، وهذه إحصائية رابطة «كادران» القطرية الفرنسية، معظم هذه المشروعات مشروعات سياحية وعقارات وامتلاك ناد رياضى من أكبر أندية كرة القدم «باريس سان جيرمان» وعدد من شركات الطيران الرائدة والوطنية، فهل احتلت قطر فرنسا أو إنجلترا كذلك المملكة العربية السعودية وفق مصادر سعودية فإن استثماراتها تجاوزت الــــــ 60 مليار جنيه إسترلينى ما بين مشروعات سياحية وعقارية وأسهم فى مطارات شهيرة، أما الإمارات العربية فقد تجاوزت استثماراتها الـــــ 15 مليار جنيه إسترلينى بجانب امتلاك أكبر نادٍ رياضى فى بريطانيا والعالم أجمع، فهل الاقتصاديون فى هذه الدول هاجموا الدولة مثلما يفعل الخبراء لدينا؟ وإذا نظرنا إلى حجم استثمار الصين فى أمريكا وهما العدوان المتناحران دوما وتعتبر أمريكا نفسها رئيس مجلس إدارة العالم، ولكن حجم الاستثمارات الصينية فى أمريكا القوة الأولى عالميًا كان يبلغ 800 مليار دولار فى السندات قبل الحرب التجارية، بالإضافة إلى الأراضى والمشروعات الصناعية والزراعية والسياحية، وتمتلك الصين أراضى ومبانى داخل الولايات المتحدة الأمريكية لابد لكل الفرق، سواء التى تعزز الاستثمار أو ترفضه أن يتفهم المخاوف المشروعة، وأن الأمر يجب أن يتم طبقًا لقواعد وأصول علمية، فالاستثمار مفتاح لإحداث نهضة اقتصادية كبرى بمصر وغيرها فالمستثمر لن يحمل المشروع ويخرج به عندما يقرر أن يرحل، ولذلك لابد من التروى ومزيد من الوعى والفكر وتوصيل الفهم الصحيح لعموم المصريين بدلًا من إثارة الجدل والتشكيك بالوطنية أو التقاعس عن جلب الاستثمارات.

لاشك أن الدولة المصرية تخوض «رالى» عالميا لجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة وغير المباشرة، ويجب أن نضع فى اعتبارنا ونحن نعمل على ملف الاستثمار والتخارج والطروحات أن العالم يتطاحن فى محاولة منه إلى جذب أكبر رقم من الاستثمارات بما لديه من محفزات بعد عملية الإكراه الاقتصادى، التى مارستها السياسات التشددية النقدية، والتى أدت إلى خروج الأموال الساخنة، ولكن الدولة المصرية جادة نحو تحقيق أهدافها للوصول إلى اقتصاد قوى قادر على المنافسة والنمو لما يتمتع به من مزايا متعددة تسمح بتنمية روافده للمساهمة فى زيادة الإنتاج والتنمية لمزيد من خفض البطالة، بما يؤثر بشكل مباشر على زيادة الناتج القومى، فالارتباط الوثيق بين الاستثمار والاقتصاد يجعلنا نفكر جيدًا، فالنمو الذى يحدث للاستثمار ينعكس على الاقتصاد ويزيد من قدرة الدولة المصرية على تحسين حلمها فى التصدير ودعم الميزان التجارى، بالإضافة إلى الآثار الاجتماعية للاستثمار، ما يؤدى إلى استقرار الاقتصاد.

إن التسلسل المنطقى والأدلة الإيجابية والاستقراء العلمى لعملية التخارج يعطى دلالات وأبعاداً بأن الدولة المصرية عليها اتخاذ خطوات حاسمة لتحقيق طفرة حقيقية فى عملية جذب وتشجيع الاستثمار المحلى والأجنبى وإيجاد علاقة للربط بين أدوات الاستثمار وبناء قاعدة إنتاجية متنوعة وتحقيق تطور اقتصادى حقيقى وشامل.

إن الأمر الخاص بقضية القطاع الخاص يعكس وجود إرادة سياسية راغبة فى التقدم وتحقيق مناخ استثمارى آمن ورؤية مستقبلية واضحة المعالم تعمل على جذب الاستثمارات بشكل يدعم توافق وتوازن الأجهزة المعنية بعملية الاستثمار، والذى يشير إلى الاتجاه الاقتصادى الجديد الذى نريد أن تسلكه مصر فى أيديولوجية جديدة تتيح المشاركة الفاعلة للقطاع الخاص، وذلك لتأثير الاستثمارات، فيما يخص مؤشرات الاقتصاد الكلى وسعر صرف العملة لصالح زيادة المعروض من العملات الصعبة وزيادة الإنتاج وتقليل فاتورة الواردات وزيادة الصادرات، ما يؤثر إيجابيًا على معدلات البطالة والاستقرار الاقتصادى والاجتماعى.

نحن نحاول إحداث نقلة نوعية فى مختلف القطاعات والمجالات فى ظل مؤشرات وحقائق خاصة بالاستثمار فى مصر والإجراءات الاستثنائية، التى اتخذتها الدولة المصرية ومقترحات الحوافز والتيسيرات لتهيئة المناخ الجاذب للاستثمارات لكل القطاعات وليس لقطاع واحد، فنحن أمام اقتصاد متنوع ذي أبعاد كثيرة، ففى ظل تخفيض تكلفة تأسيس الشركات والحد من القيود المفروضة على التأسيس، كذلك الموافقات المطلوبة ومدة الحصول عليها وتسهيل ملكية الأراضى والتوسع فى إصدار الرخص الذهبية.

لقد اتخذت الدولة آليات مهمة لعملية الاستثمار فى ضوء ما تشهده الملفات العالمية فى نفس النطاق، لقد قررنا كسر قواعد البيروقراطية فى عالم يلهث منه الجميع للاستثمار وضخ الأموال فى جسد الاقتصاد القومى لأى بلد ولقد رتبت الدولة المصرية أولوياتها فى هذا المنحنى لزيادة ضخ استثمارات القطاع الخاص خلال الثلاث سنوات القادمة لرفع سقف الاستثمارات العامة تحاول الدولة المصرية تحقيقه بل وزيادته.

لقد آلت الدولة على نفسها حل مشاكل المستثمرين بصورة آنية، فليست الأهمية فى اتخاذ القرارات، وإنما التنفيذ الفعلى، فالوقت أصبح له قيمة وليس فى صالح أى دولة فى ظل الظروف العالمية الراهنة، وإدراكًا وعطفًا على ما سبق أن الأحداث المتصاعدة فى العالم فى ظل الصراعات الجيوسياسية أن الحل لابد أن يكون سريعًا، ولكن بإطار علمى فلا نكون متعجلين وفى نفس الوقت ألا نتأخر لضمان قاطرة التنمية.

ويتبقى السؤال الحائر: هل تريدون التخارج أم لا؟، وإذا حدث لابد أن يتم بضوابط وشروط تصل بنا إلى المستهدف وهو شراء المستقبل بكل تؤدة وهوادة وبدون بهرجة وبعيدا عن كل آراء الخبراء المتعارضة.

كذلك لمن أخذ نتائج المراجعة الرابعة على أنها عقابية، بينما هى تشيد بالاقتصاد الكلى وضمان الاستدامة وإدارة الدين العام باستراتيجية متوسطة الأجل وتمكين القطاع الخاص وتسريع وتيرة التخارج، ولكن قياسى لضبط المالية العامة فلا تباطؤ ولا هرولة.

 

أخبار الساعة

الاكثر قراءة