«المصوّر» ناقشت عددًا من الخبراء فى محاولة تفكيك مفهوم «تصدير العقار»، ورصد فوائده الاقتصادية، واستعراض تجارب دول نجحت فى تحويل العقار إلى سلعة تصديرية، وعلى رأسها دولة الإمارات، وجهود الشركات العقارية المصرية الكبرى للترويج للعقار المصرى فى الخارج.
فعلى عكس ما قد يوحى به المصطلح، فإن تصدير العقار لا يعنى نقل المبانى خارج الحدود، بل يعنى بيع وحدات عقارية داخل الدولة لمستثمرين أو أفراد من غير حاملى جنسيتها، بما يترتب على ذلك من تدفقات مباشرة للعملة الصعبة، جذب استثمارات طويلة الأجل بدلا من الأموال الساخنة، وخلق ارتباط دائم بين المشترى الأجنبى والدولة محل الاستثمار.
وهنا يتحول العقار من منتج محلى إلى أداة اقتصادية استراتيجية، قادرة على دعم ميزان المدفوعات، وتحفيز قطاعات أخرى مثل السياحة والخدمات والتشغيل، بمعنى أنه يصبح استثمارا وسياحة فى آن واحد، والميزة الأهم فى تصدير العقار أنه لا يقف عند حدّ البيع، بل يمتد تأثيره إلى ما هو أبعد من ذلك، المالك الأجنبى لا يشترى وحدة فقط، بل يشترى أسلوب حياة، يعود للإقامة لفترات طويلة أو شبه دائمة، ينفق على الخدمات، والتعليم، والرعاية الصحية، والترفيه، ويتحول من سائح عابر إلى مقيم موسمى أو دائم.
وهنا يصبح العقار وسيلة لصناعة سياحة مستدامة طوال العام، لا ترتبط بموسم أو طقس، بل بالملكية والشعور بالاستقرار. وكانت دولة الإمارات من النماذج الناجحة لتصدير العقار خاصة دبى، التى باتت واحدة من أبرز النماذج العالمية فى توظيف العقار كمنتج تصديرى، فقد نجحت فى فتح التملك الحر للأجانب فى مناطق محددة، وربط شراء العقار بأنظمة إقامة واضحة ومستقرة، وتسويق العقار عالميًا باعتباره استثمارًا آمنًا ونقطة انطلاق للأعمال والسياحة.
والنتيجة كانت واضحة؛ آلاف المستثمرين من مختلف الجنسيات، ومجتمعات سكنية متعددة الثقافات، وسياحة قائمة على الإقامة وليست الزيارة القصيرة، هذا النموذج جعل العقار أحد أعمدة الاقتصاد الإماراتى، وليس مجرد نشاط مكمل.
وهنا يأتى السؤال الأدق لخبراء العقار: لماذا العقار المصرى مؤهل للتصدير؟
المطور العقارى محمد المنشاوى يؤكد أن العقار المصرى يمتلك مقومات تنافسية قوية، تجعله مؤهلًا بقوة لدخول سباق التصدير العقارى، بالإضافة لموقع جغرافى فريد يربط بين قارات ثلاث، وسواحل ممتدة على البحرين الأحمر والمتوسط، ومناخ معتدل يسمح بسياحة شاطئية طوال العام، وتنوع استثمارى بين الساحلى، والسياحى، والسكنى، والترفيهى.
ويوضح أن مصر شهدت فى السنوات الأخيرة طفرة ضخمة فى مشروعات المدن الجديدة، والمنتجعات المتكاملة، والبنية التحتية، ما عزز من جاذبية المنتج العقارى المصرى خارجيًا، بجانب الدور الكبير للشركات العقارية الكبرى فى الترويج الخارجى، فلم تعد الشركات العقارية المصرية الكبرى تعتمد فقط على السوق المحلى، بل اتجهت بقوة إلى التسويق الدولى، من خلال المشاركة فى المعارض العقارية العالمية، وفتح مكاتب تمثيل فى دول عربية وأجنبية تستهدف المصريين بالخارج والمستثمرين العرب والأجانب، فضلا عن تقديم مشروعات مصممة بمعايير عالمية تناسب الذوق الأجنبى.
الدعاية للعقار المصرى
الدعاية للعقار المصرى أصبحت تركز على عناصر مهمة منها نمط الحياة، القرب من الشواطئ، المجتمعات المغلقة المتكاملة، والخدمات الفندقية والإدارية، وهو ما يعكس بوضوح أن المنتج نفسه كان مصممًا من البداية للتصدير، لا سيما أن شريحة كبيرة من المشروعات العقارية، خاصة الساحلية والسياحية لا تتناسب أسعارها مع متوسط دخول المصريين، فكانت بعض الأهداف الأساسية جذب مستثمر قادر على الدفع بالدولار أو العملات الأجنبية، سواء كان عربيًا أو أجنبيًا.
وهنا يصبح العقار أداة اقتصادية موجهة للتصدير، بينما يبقى ملف الإسكان للمواطن المصرى، أما ملف تصدير العقار فهو فرصة اقتصادية حقيقية، لكن نجاحه مرهون بإدارة دقيقة ومتوازنة.
من جانبه، يقول خبير التسويق العقارى، عادل فودة، إن تصدير العقار، هو إحدى أسرع الأدوات لجذب العملة الصعبة دون أعباء إنتاج صناعى، خاصة أن العقار المصرى يتمتع بميزة تنافسية كبيرة من حيث الموقع والأسعار مقارنة بدول متوسطية أخرى، خاصة فى المشروعات الساحلية، موضحًا أن التحدى الأكبر يكمن فى سهولة الإجراءات واستقرار السياسات، مشيرًا إلى أن عددا كبيرا من المشروعات الجديدة صُمم منذ البداية ليناسب السائح والمستثمر الأجنبى، سواء من حيث المساحات أو الخدمات أو آليات السداد، لافتا إلى أن هذه المشروعات لم تعد تعتمد على السوق المحلى كمحرك رئيسى للبيع.
ويلفت إلى أن تصدير العقار يجب ألا يُنظر إليه كبديل عن تلبية احتياجات المواطن، بل كمسار موازٍ، مؤكدًا أن الخطر الحقيقى يكمن فى غياب التوازن بين التوسع فى المشروعات الموجهة للأجانب، وتوفير إسكان ملائم للطبقة المتوسطة، مشددًا على أهمية الفصل الواضح بين سياسات التصدير العقارى وسياسات الإسكان الاجتماعى.
خاصة أن إطلاق منصة حكومية موحدة مثل منصة مصر العقارية تمثل نقطة تحول مهمة، لأنها تنهى حالة العشوائية فى البيع للأجانب، وتمنح المستثمر ثقة قانونية، لكن يحب التشديد فى الوقت نفسه على ضرورة ربط التملك بنظم إقامة واضحة وطويلة الأجل، لضمان تحقيق الهدف الحقيقى من تصدير العقار، وهو السياحة الدائمة لا البيع فقط.
فعلى الرغم مما يحمله تصدير العقار من مكاسب واضحة، فإن نجاحه الكامل يتطلب إطارًا تشريعيًا واضحًا ومستقرًا، وتسهيلات فى إجراءات التملك والتسجيل، وربطًا منظمًا بين التملك والإقامة، وتوازنًا يضمن عدم الإضرار بحق المواطن فى السكن، فالمعادلة الدقيقة تكمن فى تحقيق أقصى استفادة اقتصادية دون خلق فجوة اجتماعية.
منصة مصر العقارية
«فودة» يضيف أن منصة مصر العقارية تمثل خطوة مؤسسية حاسمة فى مسار تصدير العقار، وتحويله من نشاط بيع تقليدى إلى أداة اقتصادية منظمة لجذب الاستثمار الأجنبى وصناعة سياحة قائمة على الإقامة والاستقرار، موضحًا أن تصدير العقار لم يعد خيارًا، بل أصبح اتجاهًا استثماريًا عالميًا تسعى إليه الدول الباحثة عن جذب رؤوس الأموال وصناعة سياحة مستدامة.
ويؤكد أن مصر، بما تمتلكه من مقومات طبيعية ومشروعات ضخمة، تقف على أعتاب فرصة حقيقية لتحويل العقار إلى منتج تصديرى قوى، شريطة أن يُدار هذا الملف برؤية شاملة توازن بين الاستثمار، والسياحة، وحق المواطن فى السكن، فالعقار حين يحسن توظيفه لا يبنى مدنًا فقط، بل يبنى اقتصادًا كاملًا.
وفى إطار التحركات الرسمية لتعظيم الاستفادة من القطاع العقارى كأحد مصادر الدخل، تتابع الحكومة تنفيذ منصة مصر العقارية باعتبارها آلية حكومية منظمة لتصدير العقار المصرى، تستهدف تسهيل تملك الوحدات لكل من المصريين المقيمين بالخارج والأجانب، مع ربط عملية البيع بمنظومة رقمية موحدة وآمنة. وكان الدكتور مصطفى مدبولى، رئيس مجلس الوزراء، أكد خلال اجتماع موسع ضمّ عددًا من وزراء الإسكان والاستثمار والاتصالات، والعدل، أن إنشاء المنصة يأتى فى ظل الطلب المتزايد على العقار المصرى من عدد من الدول، مشددًا على أن المنصة تمثل أداة مهمة لزيادة موارد الدولة من النقد الأجنبى، ودعم معدلات النمو المرتفعة التى يحققها القطاع العقارى.
وأوضح مدبولى أن المنصة تعد منصة حكومية موحدة لتصدير العقار، وتعتمد على منظومة رقمية آمنة خاضعة لمعايير الحوكمة وحماية البيانات، ومرتبطة بالرقم القومى العقارى لتوثيق الوحدات والتحقق من الملكية، مع تحقيق تكامل تشغيلى مع الجهات الحكومية ذات الصلة، بما يضمن الشفافية والمصداقية وحماية حقوق المستثمرين.
وأنه تم إعداد مشروع قرار خاص بالتصرفات العقارية يتضمن تيسيرات وضمانات قانونية، من شأنها حماية المشترين ومنع تكرار بيع الوحدة، بما يعزز الثقة فى المنتج العقارى المصرى دوليًا، وأن المنصة تمثل نافذة موحدة لتقديم خدمات التملك، والإقامة، وتسجيل العقارات، بما يعزز قدرة مصر على جذب استثمارات عقارية كبرى.
فيما أكد المهندس شريف الشربينى، وزير الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية، أن المنصة تعد إحدى الآليات المهمة لتنظيم تدفقات بيع الوحدات للأجانب، بالتنسيق مع البنك المركزى، بما يسهم فى تعزيز احتياطيات البلاد من النقد الأجنبى، لافتًا إلى الانتهاء من تجهيز عدد من الوحدات للطرح خلال المرحلة الثانية.

