رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

حوار سياسى نادر.. بين «الست».. و«الأستاذ»


26-12-2025 | 12:03

.

طباعة
بقلم: يوسف القعيد

الأستاذ هيكل - رحمه الله رحمة واسعة - هو الذى حكى لى هذه الواقعة، عندما كنت أجرى معه حوارى عن: «عبد الناصر والمثقفون والثقافة». وهو الحوار الذى نُشِر فى كتابٍ تحت هذا الاسم، حكى لى واقعة أم كلثوم، ثم فى الجلسة التالية طلب منى حذفها، وقد امتثلت لطلبه، وإن كنتُ قد احتفظت بالنص كاملاً حتى الآن. وأعتقد أن نشره فى هذه اللحظة لا يُغير من حقيقة موقفى. فالحقائق تبقى والأشخاص يروحون ويجيئون.

 

رغبة الأستاذ هيكل فى عدم النشر وقتها لا تسرى الآن، فهو لم يعد موجوداً بيننا سوى بذكراه العطرة وذكرياته الجميلة، أما أم كلثوم فى حقيقة الحقائق فى تاريخ مصر وليس فى تاريخ الغناء العربى فقط. إنها لحظة يجب أن تُسجَّل مهما كانت الظروف. وهذا ما كتبته وقتها ولم أنشره.

فتحت أم كلثوم حواراً سياسياً مع الأستاذ محمد حسنين هيكل حول أحداث الساعة وتطورات الموقف.

ووقفت أم كلثوم، لأول مرة فى موقع الصحفى ووجهت أسئلتها إلى هيكل عن مؤتمر القمة العربى فى الرباط وعن دور الأمم المتحدة فى أزمة الشرق الأوسط، وقد جرى الحوار بدون إعداد سابق وكانت أم كلثوم توجه أسئلتها وكان هيكل يجيب عنها مباشرة، وقد قالت أم كلثوم لآخر ساعة بعد انتهاء الحوار، إن هيكل كان واضحاً وصريحاً.. كعادته دائماً.

قالت أم كلثوم فى بداية الحوار العام:

قبل أن أبدأ حديثى أحب أن أقول إن الصحافة اعتادت دائماً أن تضعنى فى موقع الجواب وتوجه إلىَّ الأسئلة.. ولكننى فى هذه المرة أغير موقعى وأوجه الأسئلة إلى الصحافة.. والواقع أنها صدى للأسئلة التى تدور بأذهان الجماهير فى الوقت الحاضر.. وأولاً لا أريد أن أسأل عن مدى فاعلية الأمم المتحدة فى قضايا الشعوب.. وعن فاعلية دورها فى قضية الأمة العربية بالذات؟

وأمسك محمد حسنين هيكل بطرف هذا الحوار السياسى وقال:

بالنسبة لفاعلية الأمم المتحدة، فإنها لا تزيد عن الفاعلية الأدبية والسياسية والقانونية سواء كان ذلك فى قضايانا أو قضايا غيرنا من الشعوب، لأنه فيه النهاردة رأى عام فى الأمم المتحدة، الرأى العام ده عبَّر عن نفسه فى موضوع العدوان، وأدان عملية احتلال الأراضى بالقوة، وأعطى أساسا قانونيا وأساسا سياسيا لعملية الانسحاب.. لكن يبقى علينا وعلى غيرنا من الشعوب أنها قضايا نستطيع أن نحولها إلى حق له احترامه، وذلك بالنضال.. إذا كنا سنناضل أدبياً فقط معتمدين على الحق الأدبى والحق القانونى لن نصل إلى أى شيء.. إذن نعمل إيه؟ فيما يتعلق بيننا الأمر كله يرجع إلى سؤال: نستطيع نقف قد إيه؟ نستطيع نقاوم قد إيه؟ نستطيع نحارب قد إيه؟.

قالت أم كلثوم: هذا كلام حقيقى لأنه فى سنة 1948 الأمم المتحدة ما عملتش حاجة فى مشكلة اللاجئين، عشرين سنة مضت وما زال الناس كلها بتتكلم وبتتكلم فى القضية دى.. مجلس الأمن رفض إحالتها للأمم المتحدة، والأمم المتحدة ما عملتش ولا حاجة، ثم كمان أن تكون هناك دولة أو دولتين يتحكموا فى مصير الشعوب وفى مشاكلها وفى قضايا.. وخصوصاً بالنسبة للشعوب الصغيرة.. والسؤال أيضاً، أليست هناك نهاية لهذا الوضع؟.

قال هيكل: لقد أثرت بهذا السؤال قضايا الدنيا كلها.. لكنى أعتقد أن هناك فارقاً كبيراً بين العالم العربى الآن والعالم العربى سنة 1948. ورغم النكسة فإن هناك خلافاً جوهرياً وأساسياً فى الصورتين. وخصوصاً بالذات فى مصر، وبالنسبة لمصر.

ولن يمكن لأحد أن يعترض على هذا الكلام ويقول ما إحنا كنا فى مصر سنة 1967 حينما حدثت النكسة.. والواقع لازم نضعه فى صورته الحقيقية ونستفيد من كل ما جرى وما حدث. والواقع أننى شبهت الذى حدث فى يونيه الماضى تشبيه معقول، واحد كان مستعد يعمل عمل وقادر عليه قدرة ذاتية، وعنده ما يُمَكِّنه من أداء هذا العمل، لكن وهو رايح يعمله أصيب فى حادثة.. أنا باعتبر اللى حدث فى الطيران، واللى حدث بعد كده فى سيناء عملية أشبه ما تكون بالحادث الطارئ.. وليست المقياس الحقيقى لقوتنا الذاتية.. لكن هذا الحادث عارض ولا ينبغى أن يهدم كل ثقتنا بالنفس، وفى التغييرات التى حدثت فى العالم فى سنة 1948 حتى الآن.

هناك الموضوع الثانى وهو موضوع مهم – هل العالم سينتظر تحت رحمة قوة أو قوتين تقرران له الحرب والسلام؟!

فى رأيى أن هذا الوضع كان موجوداً تقريباً فى كل فترات التاريخ.. كان هناك دولة أو إمبراطورية مسيطرة بشكل ما.. ولقد رأينا فى التاريخ الرومانى فرض الأمر الواقع للإمبراطورية الرومانية ولصالحها، بعد ذلك رأينا دول وإمبراطوريات آخرها الإمبراطورية البريطانية.

الآن إحنا موجودين فى مصر فيه دولتين أقوياء لكن هذا العصر بيدى فرصة الحركة للدول الصغيرة عن العصور السابقة.

حقيقى أن القوة موجودة عند طرفين فقط، ولكن الطرفين ليس فيهما طرف واحد له الحرية المطلقة فى استعمال قوته، لأن القوة الذرية هى القوة التى لا يمكن استعمالها بسهولة.. وهذا الوضع أعطى المزيد من حرية الحركة للشعوب الصغيرة.

قالت أم كلثوم: أرجو أن تتحرك الشعوب الموجودة فى الأمم المتحدة، وأن تثبت وجودها أمام القوة التى تمثلها دولة أو دولتين.

قال هيكل: الشعوب حتتحرك فعلاً وتثبت وجودها أمام الدول الكبرى فى الأمم المتحدة، لكن المطلوب أولاً أن كل شعب بالنسبة لقضاياه يكون قادراً على الوقوف والصمود للتحديات وللعدوان.

ما فائدة الأمم المتحدة لو كانت مصر على سبيل المثال قبلت الإنذار فى سنة 1956 وكنا استسلمنا؟.

لو أن الأمم المتحدة اتخذت مائة قرار بعد قبولنا الإنذار ما كانش فيه أى فائدة أو نتيجة.

شعب فيتنام النهاردة هو اللى بيقرر إلى أى مدى الشعوب تستطيع الوقوف لأنهم موش حيحققوا معاه أكثر مما هو مستعد للصمود شخصياً.

وقالت أم كلثوم: إذن ننتقل من الموضوع ده وعاوزين نتكلم فى مؤتمر القمة القادم.. هل هو تأكيد لمؤتمر القمة فى الخرطوم أو هو شيء آخر؟.

قال هيكل: فى الواقع أنتِ أجبتِ عن السؤال.. هذا المؤتمر الاثنين مع بعض هو تأكيد لمؤتمر قمة الخرطوم من حيث أنه روح المواجهة العربية المشتركة للوضع اللى احنا موجودين فيه. ومن ناحية ثانية فهو يعتبر استمرارا لما بعد مؤتمر الخرطوم.

مؤتمر الخرطوم أكد إمكانية وقوف العرب وصمودهم ثم اتخذ مجموعة من القرارات المهمة ومنها الوصول إلى اتفاقية بشأن اليمن.. ثم حدد موقفاً معيناً فى إمكانية الحل السياسى وقال العرب: إننا لا نرفض الحل السياسى لكننا لا نقبل الاعتراف بإسرائيل، ولا المفاوضة أو الصلح معها، ولا التصرف فى القضية الفلسطينية لأنها ملك شعب فلسطين.

والآن العمل السياسى فى الأمم المتحدة وفى غير الأمم المتحدة أنتج قراراً معيناً ولو أن هذا القرار غامض، وغير كافٍ.. ولكن ماذا بعد ذلك؟.

قالت أم كلثوم: حقيقة هذا الموضوع يستحق المشورة بين كل الشعوب والحكومات العربية.

قال هيكل: يستحق المشورة بالفعل أولاً نعمل فيه إيه؟ وثانياً فيه إيه بعد كده؟.

والمفروض قبل ما حد يتكلم، وقبل ما ندخل فى أى تفاصيل يكون عندنا تصور عام للتفاصيل اللى إحنا مستعدين نخش فيها.. ثم إنها قضية لا بد أن تكون مطروحة.. إذا لم ينجح الكلام مع ممثل يواتانت وإذا ثبت نهائياً أن مشروع قرار مجلس الأمن غير كافٍ لمواجهة المشكلة.. ماذا يمكن أن يحدث بعد ذلك؟ وماذا يمكن أن يفعل العرب؟ لأنه ليس من المتصور إمكان الانتظار طويلاً بالوضع اللى إحنا موجودين فيه دلوقت.

ويمكن القول إن المؤتمر الرابع فى الخرطوم كان مؤتمر سياسة، أما المؤتمر القادم فإنه مؤتمر سياسة وما بعد السياسة.

قالت أم كلثوم: إذن.. المطلوب منا الآن هو العمل والصبر.

قال هيكل: المسألة أننا لا بد أن نحافظ على هذا الوضوح باستمرار.. الرئيس اتكلم من أسبوع أو عشرة أيام كلام واضح. وأنا باعتقد أن الناس تأكدت فعلاً من إمكانية الخروج من الوضع الحالى.. لكن المسألة كما قلت ضرورة متابعة هذا الوضوح بحيث أنه لا يظهر فى المناسبات فقط ويكون موجودا دائماً.

قالت أم كلثوم: وباستمرار.

قال هيكل: طيب تسمحى لى أمارس الدور الطبيعى.. وأعود إلى موقع الصحفى وسؤالى.. كيف استطعتِ إلغاء الفارق بين السياسة والفن؟ أنا أعتقد أنك قمت بهذا الدور؟ والواحد يحتار فى أعمالك.. إيه فيها سياسة وإيه فن؟ إزاى قدرتِ تعملى كده؟.

قالت أم كلثوم: فى رأيى أن الفن والسياسة توأمان.. يعنى مثلاً لما مصر أرسلت آثار توت عنخ آمون إلى باريس، كان عملا سياسيا وعملا فنيا أيضاً، بمعنى أن الفرنسيين رأوا حضارتنا وتبادلنا معهم الثقافة فى نفس الوقت وهذه هى السياسة.

قال هيكل: هذا المثال جزء صادق من الجواب عن السؤال، وأنا باعتبر إن السياسة بتستعمل الفن.. زى ما السياسة بتستعمل الاقتصاد وأشياء أخرى.. لكن عملت حاجة ثانية غير كده.. أقصد عملت توافق بين العمل السياسى والعمل الفنى.. إزاى؟.

قالت أم كلثوم: لا أبداً.. ليس لى دور سياسى.. لكن يمكن دور مواطنة مصرية بتحب بلدها وبتعبر من خلال فنها عن وطنيتها.

قال هيكل: هذا صحيح.. وهذه إجابة معقولة عن السؤال.. لأن السياسى هو أى إنسان تتعدى اهتماماته حدود مصلحته الخاصة، ويحس أن مشاكل الآخرين وقضايا الآخرين تهمه.. العمل السياسى ليس منصباً، إنما المنصب بيعطى للإنسان عندما يحس بقدرته على الخدمة العامة أكثر.

كان لقاء تاريخياً بين شخصيتين تاريخيتين: أم كلثوم وهيكل، وأكرر أنه كان موجوداً فى كتابى الحوارى وتم حذفه بمعرفته قبل النشر، والآن لا أجد أى مبرر لعدم نشره، فالكلام عظيم سواء بالنسبة لأم كلثوم أو للأستاذ هيكل، وحق القارئ مقدس فى أن يعرف كل شيء.

رحمهما الله رحمة واسعة، وأسكنهما فسيح جناته بقدر ما قدماه لنا، كلٌّ فى مجاله.

 

أخبار الساعة

الاكثر قراءة