رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

اليهود فى أوروبا.. 1000 عام من الكراهية


26-12-2025 | 12:06

.

طباعة
تقرير: دعاء رفعت

لا تزال سيدنى الأسترالية فى حال استنفار قصوى بعد أيام من الهجوم على تجمع لليهود على شاطئ بوندى أسفر عن مقتل 15 يهوديًا وإصابة عشرات آخرين حضروا تجمعًا دينيًا للاحتفال بعيد الحانوكا اليهودي، وبحسب تصريحات رئيس الوزراء الأسترالى أنتونى ألبانيزي، ستشهد البلاد أكبر عملية لشراء الأسلحة فى أستراليا منذ حادثة أسفرت عن مقتل 35 شخصا عام 1996 فى جزيرة تسمانيا.. ولكن تلك الحادثة ليست بمنأى عن إرث كراهية اليهود فى القارة العجوز التى أشعلت نيران غضبها تجاه أبناء سام منذ ما يقرب من ألف عام.

 

فى أعقاب الحرب على غزة، تجددت كراهية اليهود فى أوروبا نتيجة حرب الإبادة التى شنتها إسرائيل على القطاع، وبحسب الإحصائيات، شهد عام 2023، تضاعفا لعدد الحوادث المعادية للسامية إلى 1676 حادثًا مقارنة بـ 436 حادثًا فى العام السابق، كما وصلت إلى 4782 حادثة فى ألمانيا، بزيادة تزيد على 80 فى المائة مقارنة بالعام السابق، وفى المملكة المتحدة، سجلت مجموعات حماية المجتمع اليهودى 3528 حادثة معادية للسامية فى 2024. كما أظهرت بيانات من منظمة تسجيل الحوادث فى سويسرا الناطقة بالفرنسية زيادة تقارب 90 فى المائة فى الاعتداءات المعادية للسامية فى العام نفسه، مسجلة ما يقارب 1789 حادثة، وهو أعلى مستوى منذ أكثر من عقد؛ إذ أبلغت بعض منظمات المجتمع اليهودى فى أوروبا عن ارتفاع يصل إلى 400 فى المائة فى الحوادث المعادية للسامية بعد أحداث السابع من أكتوبر، إلا أن تلك الحوادث ليست سوى تجدد لكراهية القارة العجوز ضد اليهود – وهم أصحاب تاريخ أسود فى أوروبا – بدأ مع حوادث عُرفت بـ «فرية الدم» ووصولا إلى العصر الراهن.

شهدت السنوات العشر ما قبل حرب غزة العديد من حوادث الاعتداء على اليهود فى أوروبا – تلك القارة الكارهة لأبناء سام. ففى مايو عام 2014، أطلق مسلح النار داخل متحف اليهود فى العاصمة البلجيكية بروكسل، ما أسفر عن مقتل أربعة أشخاص، بينهم زوجان إسرائيليان ومتطوعة فرنسية، وشكل الهجوم صدمة أوروبية باعتباره أول اعتداء دموى يستهدف مؤسسة يهودية بشكل مباشر منذ سنوات. وفى العام التالى وقعت حادثتان، الأولى فى يناير 2015، إذ اقتحم مسلح متجرًا يهوديًا فى شرق باريس واحتجز رهائن، وقُتل أربعة يهود قبل أن تقتحم الشرطة المكان، وأعاد الحادث النقاش حول أمن الجاليات اليهودية فى فرنسا، التى تضم أكبر تجمع يهودى فى أوروبا.

أما الحادث الثاني، فوقع فى فبراير، حيث أطلق مسلح دنماركى النار خارج كنيس يهودى فى العاصمة كوبنهاجن أثناء حفل ديني، ما أسفر عن مقتل أحد أفراد الحراسة اليهودية وإصابة شرطيين. وفى أكتوبر 2019، كان هجوم «كنيس هاله» أحد أشهر الحوداث المعادية لليهود فى ألمانيا؛ إذ حاول متطرف يمينى اقتحام الكنيس بمدينة هاله شرق ألمانيا خلال إحياء عيد الغفران اليهودي، حيث كان داخله أكثر من 50 مصليًا، وبعدما فشل فى اقتحام الكنيس، أطلق النار فى الشارع، ما أدى إلى مقتل شخصين، فيما شهدت الأعوام التالية تصاعد وتيرة الحوادث الفردية ضد اليهود الذين بدأت حربهم مع أوروبا مع انطلاق الحملة الصليبية الأولى عام 1096؛ إذ بدأت ما عُرفت آنذاك بمذابح «أعداء المسيح»؛ حيث قُتل آلاف اليهود على يد الصليبيين فى واحدة من أقدم موجات العنف المنظم ضد اليهود فى أوروبا.

تُعد اتهامات القتل الطقوسي، المعروفة تاريخيًا باسمBlood Libel، واحدة من أخطر وأقدم الأساطير المعادية لليهود فى أوروبا، إذ وجهت لليهود تهمة خطف وقتل أطفال مسيحيين لاستخدام دمائهم فى طقوس دينية، لا سيما فى صنع خبز «الماتزا» الخاص باحتفالات عيد الفصح اليهودي. ذاعت هذه الأسطورة المعروفة باسم «قرية الدم» فى إنجلترا، ثم فى فرنسا، وفى عام 1294، طُرد جميع اليهود من مدينة برن، بعدما عُثر على صبى ميت يُدعى «رودولف فون برن» وتوجهت أصابع الاتهام إلى اليهود، وكانت أولى الحالات الموثقة لهذه الاتهامات فى إنجلترا أيضًا عام 1144، فى قضية الصبى ويليام من نورويتش، حيث اتهم اليهود بقتله بدافع ديني، وساهمت روايات رجال دين فى ترسيخ هذه الخرافة ونشرها فى أنحاء أوروبا. وخلال القرنين الثانى عشر والثالث عشر، تكررت الاتهامات فى مدن عديدة مثل بلوا فى فرنسا، وفلدة ولينكولن فى ألمانيا وإنجلترا، وأسفرت عن إعدامات جماعية وحرق أحياء يهودية كاملة.

وبلغت هذه الاتهامات ذروتها فى أواخر العصور الوسطى، خاصة فى حادثة تورينتو بإيطاليا عام 1475، حيث اتُهم يهود المدينة بقتل الطفل سيمون، وأُعدم عدد من اليهود بعد محاكمات صورية. ومع دخول العصر الحديث، عادت تلك الروايات بالقرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، كما فى قضية تيزايسرلار فى المجر وقضية منديل بيليس فى روسيا القيصرية، وحتى بعد الحرب العالمية الثانية والمحرقة النازية، ظل هذا النوع من الاتهامات حاضرًا بشكل متقطع، كما فى مذبحة كييلتسه فى بولندا عام 1946، التى اندلعت بعد شائعة عن اختطاف طفل مسيحي، وأسفرت عن مقتل عشرات اليهود.

شهد تاريخ أوروبا ثلاث محطات مفصلية فى كراهية اليهود، تمثلت فى مذابح الطاعون الأسود فى القرن الرابع عشر، ثم موجات البوجرومات والقتل القومى فى القرنين التاسع عشر والعشرين، وصولًا إلى المحرقة النازية فى القرن العشرين، وقد شكلت هذه المراحل تسلسلًا تصاعديًا فى تنظيم العنف وتوسيع نطاقه. فخلال انتشار الطاعون الأسود بين عامى 1348 و1351، وُجهت إلى اليهود اتهامات بتسميم الآبار ونشر الوباء، ما أدى إلى مذابح واسعة فى مدن أوروبية عديدة، أبرزها ستراسبورج حيث أُحرق آلاف اليهود أحياء، إضافة إلى عمليات قتل وطرد جماعى فى ألمانيا وسويسرا وفرنسا. ومع دخول أوروبا العصر الحديث، عادت الكراهية ضد اليهود بصيغة قومية منظمة عبر البوجرومات فى الإمبراطورية الروسية وأوروبا الشرقية بين أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، حيث تعرضت المجتمعات اليهودية لهجمات عنيفة شملت القتل والنهب والاغتصاب، كما فى بوجروم كيشينيف عام 1903، وغالبًا ما جرت هذه الاعتداءات بتواطؤ أو غض طرف من السلطات. وبلغ هذا المسار ذروته الكارثية مع المحرقة النازية (1933–1945)، حين حولت ألمانيا النازية معاداة السامية إلى سياسة دولة ممنهجة، أدت إلى قتل نحو ستة ملايين يهودى أوروبى عبر معسكرات الإبادة والإعدامات الجماعية والتجويع والعمل القسري– وفقًا للرواية اليهودية.

أخبار الساعة