رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

بعيدًا عن مناورات نتنياهو الفاشلة باتفاقيات تجارية فقط.. «الجون الثانى» فى استيراد الغاز الإسرائيلى


26-12-2025 | 12:01

.

طباعة
بقلـم: غالى محمد

إذا كانت مصر حققت «جونًا» فى الصفقة الأولى لاستيراد الغاز الطبيعى من إسرائيل، كما قال الرئيس عبدالفتاح السيسى وقتها، فإن مصر حققت أيضًا «جونًا» فى الملحق الثانى بالصفقة الأولى لمدّ عملية استيراد الغاز الطبيعى من إسرائيل لمدة عشر سنوات أخرى، بقيمة قد تصل إلى 35 مليار دولار.

وهذا الجون الثانى الذى حققته مصر لم يكن جونا سياسيا، بل كان جونا تجاريا فقط لصفقة تجارية منذ اللحظة الأولى لاستيراد الغاز الطبيعى من إسرائيل.

 
 

منذ اللحظة الأولى، وحتى اتفاق الملحق الثانى لتحديد استيراد الغاز الطبيعى من الشركات الإسرائيلية والأمريكية التى تنتج الغاز من الحقول الإسرائيلية فى شرق المتوسط، لم يحدث أى تدخلات سياسية من جانب مصر لاتفاق الملحق الثانى، وهكذا لم تفعل الشركات الإسرائيلية والأمريكية وقد قاد التفاوض من الجانب المصرى شركة غاز الشرق برئاسة المهندس محمد شعيب وشركة القطاع الخاص التى يملكها رجل الأعمال علاء عرفة.

ووفقا لما كنت أتابعه مع المسئولين من الجانب المصرى فى عملية التفاوض للوصول إلى هذا الملحق الثانى، الذى سوف يرفع واردات مصر من الغاز الطبيعى الإسرائيلى إلى 1.8 مليار قدم مكعب فى اليوم خلال فترة تنفيذ هذا المحلق بعد عام 2030 وحتى عام 2040، لم يحدث أى تدخل سياسى، وكانت محاور التفاوض تركز على الأسعار ومعدلات الزيادة فيها عن الأسعار الحالية، والكميات التى ترتبط بخطط الشركات الإسرائيلية والأمريكية فى تنمية حقول ليفثيان وتمارا، التى سوف ترفع إجمالى الإنتاج من الغاز الطبيعى فى هذه الحقول إلى نحو 4 مليارات قدم يوميا خلال الفترة من عام 2030 وحتى 2040، لتزيد كميات صادرات الغاز الإسرائيلى بالتدريج من 1.1 مليار قدم مكعب حاليا خلال فصل فى الشتاء، حيث يقل استهلاك الغاز الطبيعى فى إسرائيل، كما هو الحال فى مصر إلى 1.8 مليار قدم مكعب يوميا قبل عام 2040 وستكون هناك زيادات تدريجية من عام 2026 بكميات الغاز المستوردة من إسرائيل.

وعندما أعلنت الشركات الإسرائيلية والأمريكية من قبل قيمة صفقة الملحق الثانى بنحو 35 مليار دولار، لم تكن هناك أسباب سياسية، بل كانت لأهداف تجارية بحتة، منها على سبيل المثال لتعزيز مكانة أسهم هذه الشركات فى بورصات الأوراق المالية.

ولا يمكن أن تكون الصفقة سواء الأولى أو الثانية إلا صفقات تجارية فقط بين شركات من الجانبين، وذلك لأسباب قانونية أيضًا لحفظ حقوق كافة الشركات من الجانبين المصرى والإسرائيلى فى حالة وقوع أى نزاع أيا كانت أسبابه، يحتم اللجوء إلى المحاكم الدولية الخاصة بقضايا التحكيم فى مثل هذه النزاعات إذا حدثت.

وهناك سابقة من قبل عندما تم وقف صادرات الغاز المصرى إلى إسرائيل لأسباب القوة القهرية عقب ثورة 25 يناير وتفجير خط الغاز فى سيناء الذى ينقل صادرات الغاز المصرى إلى إسرائيل، فلجأت هيئة الكهرباء الإسرائيلية وغيرها فى إسرائيل إلى التحكيم الدولى لأنها كانت صفقة تجارية أيضًا بين شركات، ولم يكن هناك أية اتفاقات من جانب الدولة المصرية فى هذه الصفقة مع أى كيانات سياسية فى إسرائيل وقتها.

ومن ثم لم يكن هناك أى تدخل سياسى من الجانبين، سواء عندما كانت مصر تصدر الغاز المصرى لإسرائيل، أو عندما استوردت مصر الغاز الإسرائيلى.

ومما يؤكد ذلك أن الغاز الإسرائيلى، الذى يأتى إلى مصر الآن أو فى الفترة من عام 2030 وحتى عام 2040، قد يتم استهلاكه فى السوق المصرى أو يتم تصديره، فهذا يتم وفقا لعقود تجارية فقط، ولم تتدخل حتى الشركات المصرية والأمريكية فى هذا الأمر، لأنه يتم وفقا لعوامل ترتبط بظروف أسواق الغاز الطبيعى فى مصر التى تعتمد أيضًا على استيراد الغاز الطبيعى المسال بنحو 3 مليارات قدم فى اليوم، والإنتاج المحلى الذى يصل حاليا إلى نحو 4.2 مليار قدم مكعب فى اليوم.

وفى هذه الحالة من المتوقع أن يتم توجيه الغاز المستورد من حقول الشرق إلى التصدير، فى إطار رؤية تحويل مصر إلى مركز إقليمى للطاقة وتجارة الغاز الطبيعى.

وعندما حاول رئيس الوزراء الإسرائيلى نتنياهو الدخول على الخط لأسباب تتعلق بوضعه السياسى فى إسرائيل، والادعاء فى أول الأمر، أنه لن يوافق على تصدير الغاز الإسرائيلى فى اتفاقية الملحق الثانى، كانت مناورة سياسية محكومًا عليه بالفشل، لأنه إذا حدث كان سيحكم على صناعة الغاز فى إسرائيل بالإعدام، وكانت الشركات الإسرائيلية والأمريكية سوف تحقق خسائر ضخمة، لأنها تعنى عدم تنمية حقول ليفثيان وتمارا، ومن ثم كانت شركة شيفرون الأمريكية ستتعرض لخسائر ضخمة طاردة لبقاء هذه الشركة فى الحقول الإسرائيلية.

وهذا بدوره، كان سوف يؤثر على توفير الغاز الطبيعى اللازم لاستهلاك السوق الإسرائيلى فى الفترة من عام 2030 وحتى عام 2040، لأنه لم تتم أى عمليات تنمية جديدة للحقول الإسرائيلية.

وحتى لو أصر رئيس الوزراء الإسرائيلى على موقفه الذى لا يملك الاستمرار فيه، كان السوق الإسرائيلى هو أول المتأثرين، وليس السوق المصرى، الذى لديه قدرة على استيراد نحو 3 مليارات قدم مكعب يوميا من الغاز المسال عبر مراكب التغييز الأربعة بالعين السخنة، ومن الإنتاج المحلى الذى يصل إلى نحو 4.2 مليار قدم مكعب فى اليوم، وهذا ما يكفى استهلاك مصر حتى فى فترة ذروة الاستهلاك خلال فصول الصيف.

ومع صمت الجانب المصرى الذى يدرك كل هذه العوامل وأنه لا بديل أمام نتنياهو سوى التراجع عن مناورته، وأنه لا بديل عن إتمام اتفاق الملحق الثانى، لأنه لا يوجد بديل لتصدير الغاز الإسرائيلى إلا عبر مصر ومن خلال الأنبوب المصرى الحالى بين عسقلان فى إسرائيل والشيخ زويد فى العريش، ليصل إلى الشبكة القومية للغاز التى تديرها شركة جاسكو.

وها هو نتنياهو قد اضطر إلى التراجع بخزى ليعلن الموافقة على تصدير الغاز الإسرائيلى فى الملحق الثانى، معللًا ذلك كذبًا بأن مصر أعطت له ضمانات أمنية.

وهذا لم يحدث نهائيًا لأنها صفقة تجارية بحتة، كما سبق أن ذكرنا فى مقال الأسبوع الماضى على صفحات مجلة المصوّر.

وأكد ذلك ضياء رشوان، رئيس هيئة الاستعلامات، أن استيراد الغاز الإسرائيلى يتم وفقًا لصفقة تجارية فقط، وما يؤكد أن دخول نتنياهو كان مناورة فاشلة، الشركات الإسرائيلية والأمريكية قد بدأت منذ عدة أشهر، مع إعلان صفقة الملحق الثانى فى مد الخطوط البحرية لاستيعاب الكميات الجديدة، وكذلك فعلت الشركات المصرية التابعة لوزارة البترول فى تنفيذ التوسعات فى منفذ العوجة بسيناء لاستيعاب الكميات الجديدة.

وكل هذا يتم بعيدًا عن أى تدخل سياسى، الأمر الذى يؤكد أن نتنياهو كان يحاول الضغط على مصر للحصول على أية تنازلات فى قضية رفض التهجير لشعب غزة أو غيره، ولكنه فشل بصورة قاتلة، الأمر الذى يجعلنا نقول إن مصر حققت الجون الثانى فى تلك الصفقة التجارية لاستيراد الغاز الإسرائيلى من حقول شرق المتوسط.

هذا الجون الثانى يؤكد قوة مصر فى مواجهة مناورات نتنياهو السياسية الفاشلة، لأن مصر تدرك أنه لا يجب تدخل الضغط السياسى فى الاتفاقات التجارية، مهما كانت الأسباب.

وأن الجون الثانى الذى حققته مصر يؤكد أن الاتفاقات التجارية التى تبرمها الشركات المصرية بعيدًا عن أى صبغة سياسية من جانب الدولة هى الأقوى، وأنها تضمن الحقوق القانونية.

وهذا ما حرصت عليه مصر الدولة فى إبعاد السياسة عن الاتفاقات التجارية، سواء عندما كان يتم تصدير الغاز المصرى إلى شركات وهيئات إسرائيلية، أو عندما بدأت الشركات المصرية فى استيراد الغاز الإسرائيلى من الشركات الإسرائيلية والأمريكية من حقول شرق المتوسط.

ورغم تحقيق هذا الجون الثانى وتراجع نتنياهو عن مناوراته الفاشلة فى الضغط على مصر، وتأكيد سيادة الاتفاقيات التجارية، فإننا ما زلنا نصر -كما كتبنا فى مقال الأسبوع الماضى على صفحات مجلة المصور على ضرورة الاستمرار فى تنويع مصادر استيراد الغاز الطبيعى من مصادر متعددة، ولا سيما أن لدينا مراكب التغييز الأربعة التى لا بد أن تعمل بكفاءة، ولا سيما أنها تحصل على إيجارات يومية تصل إلى ما يقرب من مليون دولار يوميًا.

وهذا يحتم على الدكتور مصطفى مدبولى، رئيس الوزراء، أن تكون هناك إدارة احترافية اقتصادية تدير ملف تنويع مصادر استيراد الغاز الطبيعى بشفافية كاملة، حتى لا يكون إيجار هذه المراكب الأربعة إهدارًا خاصة فى فصل الشتاء، والسماح لبعض الشركاء الأجانب بتصدير بعض الشحنات من الغاز الطبيعى من إنتاجه مسالًا بعد مشروعات الإسالة فى دمياط وإدكو.

وأيا كانت الأسباب التى سمحت لبعض الشركاء الأجانب بتصدير شحنات من الغاز الطبيعى خلال فصل الشتاء، فلا بد أن ندرك أن هناك طاقات كبيرة لمراكب التغييز الأربعة، لا بد من استغلاله بكفاءة وشفافية ودون إهدار، حتى لو كان لعوامل اقتصادية بحتة، يمكن استيراد شحنات من الغاز المسال عبر هذه المراكب وإعادة تصديرها وفقًا لدراسات اقتصادية ومن منظور تحويل مصر إلى مركز إقليمى للطاقة وتجارة الغاز الطبيعى.

ولعل دخول اتفاقية الملحق الثانى لاستيراد الغاز الإسرائيلى ثم استيراد الغاز القبرصى، وتنويع مصادر استيراد الغاز المسال والعمل على زيادة الإنتاج المحلى من الغاز الطبيعى والذى لا يزال أقل من 4.2 مليار قدم مكعب فى اليوم يتيح لمصر أن تكون مركزا إقليميا للطاقة وتجارة الغاز الطبيعى بحق.

أخبار الساعة