رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

«مطاريد أوروبا» وجماعة الإرهاب.. استهداف مصر


31-7-2025 | 19:36

.

طباعة
بقلـم: حلمى النمنم

حتى مطلع العصر الحديث، كانت الهجرات من بلاد المنطقة إلى أوروبا والعكس تكاد تكون منعدمة، كان الأمر مقتصراً على بعض التجار عبر البحر المتوسط والدبلوماسيين والرحالة، هؤلاء جميعا كانوا حالات فردية، إلى أن جاءت حملة نابليون بونابرت على مصر ثم بلاد الشام، تحديدا فلسطين سنة 1798، حيث بدأ تدفق الأوروبيين على المنطقة، كُتابا وباحثين وجواسيس ومبشرين دينيين وغير ذلك، لكن الحملة فى طريق عودتها، خرج معها أعداد من المصريين، أولئك الذين كانوا يتعاونون مع سلطات وجيش الحملة ضد بلادهم، هؤلاء تخوفوا من المصير الذى يمكن أن ينتظرهم، فركبوا السفن وذهبوا إلى فرنسا، وذابوا هناك وسط السكان الفرنسيين.

ثم جاءت مرحلة الاستعمار الأوروبى فى المنطقة فازداد المتعاونون والعملاء، هؤلاء منهم مَن سافر إلى هناك أو أرسل أبناءه للدراسة وللتعليم، ثم بدأت البعثات التعليمية إلى أوروبا منذ عهد محمد على، ومع قيام الحرب العالمية الثانية كان هناك عرب كُثر فى أوروبا، نالوا الجنسية، وظلوا محتفظين بارتباط مع المنطقة.. وفى سنوات الخمسينيات والستينيات ازدادت معدلات البعثات، وكذلك المهاجرين، بحثا عن فرصة عمل أو حياة أفضل، ثم تجنس بعضهم، ونالوا بعض المناصب الكبرى فى البلدان الأوروبية.

وهكذا صارت أوروبا، لأسباب كثيرة منها سهولة السفر وسيطرة اليسار الأوروبى على الحكم هناك فترات طويلة، مرتعا لكثير من العرب والمصريين. فيهم الذين يدرسون ومَن شغلوا مواقع رفيعة، وكانوا إضافة حقيقية للرصيد الحضارى للإنسان العربى، ومنهم كُثر ظلوا على ارتباط مع بلدانهم وأهلهم، يمتلئون وطنية تجاه أوطانهم وأهلهم ولهم فى ذلك أدوار مهمة، بعضها نعرفه وبعضها قد يكون سرا إلى يومنا هذا.

لكن هناك مَن يمكن أن نسميهم «المطاريد»، ذهبوا إلى أوروبا؛ هربًا من ملاحقات قانونية وقضائية أو من جرائم وسقوط أخلاقى مريع، عدد كبير من هؤلاء قد لا يملكون تأهيلا علميا ولا كفاءة مهنية تمكنهم من الحصول على العمل، فضلا عن انعدام الضمير الأخلاقى والوطنى، هؤلاء يصيرون مرتزقة بالمعنى الحرفى للكلمة، لدى مَن يدفع لهم، ويقومون بأى فعل مهما كان متدنيا أو وضيعا، شعارهم «أنهم ملك من يدفع أكثر».

وهناك كذلك مَن يقررون أن يصبحوا ملكيين أكثر من الملك، أى أوروبيين أشد من أبناء أوروبا، فإذا تعاطفت أوروبا مع مأساة اليهود فى الهولوكست وأقامت لهم دولة فى فلسطين، يصبح هؤلاء أشد صهيونية من أعضاء المنظمة الصهيونية نفسها، المعروف أن هناك صهاينة ليسوا يهودًا.

قبل أسبوعين تابعنا زيارة مَن أسموا أنفسهم أئمة أوروبا، الذين زاروا إسرائيل وقابلوا الرئيس الإسرائيلى، وقال له كبيرهم: “أنتم رمز الأخوة والمساواة”، ونصب بعضهم حلقة ذكر حول الرئيس الإسرائيلى، وانخرطوا فى الغناء والدعاء له، ثم فوجئنا بأحدهم يهم بتقبيل يد وزير الأمن الداخلى لإسرائيل.

الأزهر الشريف أدان تلك الزيارة واعتبرهم فضيلة المفتى نظير عياد فى بيان له “عمائم زائفة”، ما يعنينا أن هناك بعض العرب فى أوروبا، صاروا ملكيين أكثر من الملك، إنهم فى خانة اليمين المحافظ أوروبيا الذى لا يرى مانعا من إبادة الفلسطينيين وربما شعوب المنطقة بأكملها، هؤلاء لم يطلبوا من الرئيس الإسرائيلى أى شيء يخص الفلسطينيين والعرب.

هؤلاء “الأئمة” وأصحاب العمائم الزائفة، وفق بيان فضيلة المفتى، ومَن هم على شاكلتهم لديهم وضوح، لا ينافقون ولا يراءون، يعلنون عن أنفسهم مباشرة، هم صاروا أوروبيين، ويشكلون حياتهم، بل ثقافتهم وحتى تدينهم، وفق القياس الأوروبى والغربى، نختلف معهم، ولا نقر ما قاموا به، لكنهم لم يخدعوا أحدًا ولا ادعوا أمورًا ليست فيهم.

المشكلة الحقيقية فى أولئك «المطاريد» المصريين والعرب فى أوروبا، هؤلاء تكون إقامتهم فى أوروبا مرتبطة برضا جماعات أو عصابات معينة، يكونون مرتزقة لديها، ينفذون ما يؤمرون به، وبعضهم قد يتم تجنيده من مراكز بحثية بذاتها، يتبع فى النهاية مجموعة أو جهاز مخابرات بعينه، وهؤلاء يصبحون مصدر الخطر والشرور على بلدان المنطقة كلها، سواء كانوا على وعى بما يقولون به، أو كانوا مندفعين تحت وهم النموذج الغربى.

والملاحظ أن المطاريد العرب فى أوروبا يركزون هجومهم على مصر تحديدا فى الفترة الأخيرة، يستهدفون فى المقام الأول الجيش المصرى والرئيس السيسى، تابعنا «قافلة نتنياهو»، التى أطلق عليها «قافلة الصمود»، الذين قرروا التحرك من شمال إفريقيا فى الصحراء ليصلوا إلى الحدود المصرية - الفلسطينية عند رفح، ليس بهدف مساعدة أهل غزة، ولا تقديم أى شيء لهم، الهدف فقط إحداث الفوضى فى مصر، مَن يراجع تصريحات مسئولى تلك القافلة، يجد أنه لم يصدر عنهم بيان واحد يدين إسرائيل ولا هاجموا نتنياهو بكلمة، لماذا؟ لأنه ليس العدو، العدو لديهم هو مصر ونظامها ومؤسساتها ورئيسها.. أحد هؤلاء السفلة انبرى يهاجم الشعب المصرى كله بكلمات بذيئة، ثم هاجم الشعب الليبى أيضا، ما ترتب عليه أن المشير خليفة حفتر منع مرورهم من مصراتة، وفشلت القافلة.. بعد أسبوعين من فشل القافلة، خرج أحد زعمائها يهاجم الدولة المصرية وكذلك السلطات الليبية، أنها لم تمكنهم من دخول مصر والوصول إلى منطقة الحدود، سبب الهجوم أنه كانت هناك رواتب محددة لهم شهريا باليورو، ولما فشلت القافلة وأعلن ذلك فوجئوا بتوقف الرواتب، هنا يصبح السؤال: مَن كان يدفع تلك الرواتب؟ وما قيمتها شهريا؟ ولماذا؟

ما لدينا من بياناتهم أنهم كانوا يستهدفون أولا وأخيرا الدولة المصرية، وليس مساعدة الأشقاء فى فلسطين.

التمركز عند المعبر، الذى خططوا له، وهم غير مصريين، يحمل بالتبعية رسالة إسرائيلية لمصر أنكم سمحتم بوجود غير المصريين فى منطقة الحدود، فلماذا لا تقبلون أهل غزة؟! لذا أطلقنا عليها «قافلة نتنياهو»؟

فشلت هذه السخافة التى أرادوا جرّ مصر إليها، مع ملاحظة أنهم جميعا لم يكونوا مصريين، وانكشف الأمر، ثم تكشفت الأصابع الإخوانية التى حاولت استعادة الفوضى والعمليات الإرهابية.

جماعة حسن البنا تظهر مع بوادر الفوضى، قد تساهم فى إشعالها، ثم تركب الموجة وتعلن عن نفسها، وقد أحدث بعض الإعلاميين حالة من الفوضى بعد حادث الطريق الإقليمى فى المنوفية، جعلوا منه ملفا سياسيا كبيرا وفتحوا صفحة لتصفية الحسابات والابتزاز أو الانتقام، من رفض وزير النقل أن يظهر معه فى برنامجه وجدها فرصة لمحاولة ذبح الرجل، فى هذه السيولة ظهرت جماعة «حسم» مجددا، ونجحت وزارة الداخلية فى الإمساك بالخلية التى حاولوا الدفع بها من خارج البلاد ولتنفيذ عمليات إرهابية وإحداث حالة من الخلخلة، تؤثر على حالة السياحة فى موسم الصيف، وتدفع المستثمرين إلى التراجع، فى النهاية يحدث انهيار تدريجى، لكن يقظة رجال الأمن وقوتهم، فضلا عن الوعى الجمعى العام، ساهم فى كشف المخطط، ليس فقط أمام المصريين، بل أمام عدد من دول المنطقة، حتى تلك التى وفرت، ولا تزال، ملاذا آمنا لكوادر جماعة حسن البنا.

بعد فشل ذلك المخطط عادت الجماعة إلى الاستثمار فى بعض المصريين والعرب فى أوروبا، لإحداث حالة من اللغط حول السفارات المصرية فى الدول الأوروبية باسم أهالى غزة.

وتعامل رجال السفارات المصرية بثقة وثبات واحترام للقانون، وهنا يبرز السؤال الكبير: لماذا استهداف مصر تحديدا وفى هذا التوقيت؟!

هنا تتداخل أطراف كثيرة، لكن المفاجأة أن جماعة حسن البنا تقف فى نفس الخندق الذى تقف فيه حكومة نتنياهو.

حكومة نتنياهو منذ يوم 7 أكتوبر 2023 طرحت تهجير أهل غزة إلى داخل سيناء، ولما رفضت مصر، قالوا ليس بالضرورة سيناء، يمكن أن يذهبوا إلى مدينة العاشر من رمضان أو مدينة العبور، عند مدخل القاهرة، هذا هو الموقف الإسرائيلى، وموقف الجماعة هو نفس الموقف، لكن بصيغة أخرى، حملوا شعار «افتحوا الحدود لإخوتنا»، ثم يرفعون شعارات أن مصر تحاصر القطاع ولا بد من رفع الحصار، أى السماح بدخولهم مصر، لو دخلوا لن يعودوا، كما حدث للمهاجرين الفلسطينيين سنة 1948، الحكومة الإسرائيلية منذ فترة أسقطت حق العودة لأولئك الذين غادروا سنة 1948 وينتظر أبناؤهم العودة، باختصار الجماعة تريد تكرار نفس السيناريو.

إذا رفضت مصر، تُتهم بأنها تحاصر القطاع، وإذا وافقت فإنها عمليا تنهى القضية الفلسطينية.

الموقف الإسرائيلى مفهوم، لا يريدون حل الدولتين ولا الدولة ثنائية القومية، يريدون ابتلاع فلسطين وإبادة شعبها، الجماعة تسير فى نفس السيناريو، تقربا إلى إسرائيل وأجهزة المخابرات الدولية، لعل وعسى أن يتكرر معهم نموذج الجولانى فى سوريا.

ولا سبيل أمامنا سوى الدفاع عن سيادة هذا الوطن واستقلاله والتمسك بالمؤسسات الوطنية، ولا ترهبنا ألاعيب الأجهزة السرية فى الخارج ولا مرتزقة جماعة البنا.

 
 

أخبار الساعة

الاكثر قراءة