«طواعية».. درس جديد تعطيه مصر للعالم، وهي الكلمة التي جاءت في البيان الصادر عن وزارة النقل، فيما يتعلق بـ «قطار السودانيين»، بعدما أعلنت الهيئة القومية لسكك حديد مصر عن تشغيل قطار مخصوص لتسهيل نقل الإخوة السودانيين المقيمين في مصر، الراغبين في العودة إلى وطنهم طواعية مرورًا بمحافظة أسوان.
كما كلف الفريق كامل الوزير، نائب رئيس مجلس الوزراء للتنمية الصناعية، وزير الصناعة والنقل، رئيس وقيادات هيئة السكة الحديد بتقديم كل الخدمات اللازمة لضمان راحة الركاب السودانيين أثناء الرحلة، وذلك حتى وصولهم إلى ميناء السد العالي النهري.
الدرس المصري الجديد للعالم، جاء ليؤكد الرؤية المتفردة التي تتعامل بها «القاهرة» مع ملف «اللاجئين»، لا سيما وأنها الدولة الوحيدة التي لا تعترف بـ «خيام اللجوء» أو «المعسكرات المغلقة»، فطوال السنوات الماضية كانت مصر تفتح أبوابها للأشقاء الهاربين من جحيم الحروب والصراعات في بلدانهم طلبًا لـ «الأمان» في مصر، ولم يحدث يومًا أن تعاملت «القاهرة» مع حالة واحدة منهم بالطريقة ذاتها التي تتعامل بها غالبية دول العالم مع اللاجئين من «عزل» و«مطاردة» و«ترحيل قسري»، بل على العكس تمامًا، تكون «يد المساعدة» المصرية ممدودة للجميع بلا استثناء، تسهل إجراءات الدخول وتمنح الجميع وعدًا يتحقق بـ «الأمان».
«شكرًا مصر».. كلمتان زينتا آلاف القبعات التي ارتداها الأشقاء السودانيون وهم يقفون على رصيف القطار في محطة مصر في انتظار بدء «رحلة العودة»، وهي الرحلة التي أكدت مصر أنها «طواعية» لا إكراه فيها ولا ضغط، وهو ما اتضح جليًا في المشاعر المختلطة التي تشهدها المحطة الأهم في مصر، فالدموع ملأت الأعين، بعضها فرحًا بـ «العودة» والبعض الآخر حزنًا على الفراق، والكلمات العفوية التي خرجت مختنقة من الحناجر أكدت أن السنوات القليلة التي أقام فيها الأشقاء السودانيون في مصر تركت أثرًا في قلوبهم لن تمحوه الأيام.
الأشقاء من السودان، لم يكونوا فقط الذين لاذوا بمصر بعدما اندلع الصراع على أرضهم، فقد سبقهم الكثير، سوريون ويمنيون وآخرون، والجميع «دخلوا مصر آمنين»، ولم يحدث يومًا أن انتهجت «القاهرة» معهم نهج بعض الدول وعاملتهم بـ «قسوة» لا تناسب أوضاعهم، أو حولتهم لـ «ورقة ضغط»، بل إن الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي كانت تواجهها مصر خلال الفترة الماضية، والتي تمنحها الأسباب الكافية لـ «إغلاق أبوابها»، لم تقف حجر عثرة في طريق «الاستضافة»، ليس هذا فحسب، لكن كان هناك تكامل في الموقفين الرسمي والشعبي حول «احتضان الضيوف»، فرئيس الوزراء، الدكتور مصطفى مدبولي، في أكثر من لقاء له أكد أن اللاجئين «ضيوف مصر».
«مدبولي»، أوضح أيضا أن « احتماء اللاجئين من الدول المجاورة داخل مصر هو جزء من مكانة مصر الدولية كونها مقصد العالم وقت الأزمات»، كاشفًا أن «الدولة المصرية» لم تقم أي معسكرات أو مناطق عازلة لهم بل على العكس سمحت لهم بالانغماس وسط المصريين».
كذلك، تحدث «مدبولى» عن الفاتورة التي دفعتها - ولا تزال - مصر باستضافتها الأشقاء، حيث قال: فيما يتعلق بالتكلفة المباشرة وغير المباشرة على مصر، سأعطي فقط رقما عاما حول أعداد الضيوف الأجانب في مصر -ونحن لا نسميهم لاجئين بل ضيوفنا- فمصر اليوم تستضيف ما يزيد على 9 ملايين شخص من دول الإقليم وأفريقيا بسبب ظروف عدم الاستقرار في هذه البلدان، مشيرًا إلى أن التكلفة المباشرة لاستقبال هذا العدد أكثر من 10 مليارات دولار سنويًا وهي قيمة تتحملها الدولة المصرية على الرغم من الأزمة الاقتصادية التي تجابهها».