رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

العنصر البشرى المُتهم الأول.. والاستشاريون يؤكدون «سلامة الطريق» «الدائرى الإقليمى».. الإصلاح بأمر رئاسى


11-7-2025 | 20:15

.

طباعة
تقرير : أحمد جمعة

لا صوت يعلو فى مصر خلال الأيام الماضية على ما يشهده الطريق الإقليمى من حوادث متكررة وخاصة بالقرب من محافظة المنوفية، ما فتح الباب أمام تساؤلات مشروعة حول عوامل الأمان والسلامة المرورية، على أحد أهم الطرق الحيوية التى أنشأتها الدولة خلال العقد الأخير لربط المحاور الرئيسية وخدمة حركة النقل الثقيل بين أطراف الجمهورية.

ورغم فداحة بعض الحوادث، إلا أن الدولة تحركت على الفور تنفيذًا لتوجيهات الرئيس عبدالفتاح السيسى، بإغلاق كلى مؤقت للاتجاه القادم من تقاطع «الإسكندرية الصحراوى» حتى «السويس الصحراوى» لمدة أسبوع اعتبارًا من الثلاثاء 8 يوليو، بهدف رفع كفاءة التحويلات وصيانة القطاعات المتضررة، وتكثيف وسائل الأمان والعلامات الإرشادية، مع مراجعة شاملة للموقف التنفيذى ميدانيًا من قِبل وزارة النقل وكبار استشاريى الطرق وكوادر الجامعات المصرية.

لكن ما يجرى على «الإقليمى» لا يمكن فصله عن الصورة الأشمل لما تحقق فى قطاع النقل، الذى شهد طفرة غير مسبوقة منذ ثورة 30 يونيو، واحتل موقع الصدارة فى أولويات الدولة، باعتباره ركيزة أساسية للتنمية، فبلغة الأرقام، التى لا تعرف المبالغة، تجاوزت تكلفة تحديث وتطوير منظومة النقل بكافة عناصرها حاجز الـ2 تريليون جنيه، فى واحدة من أضخم موجات التحديث التى شهدها هذا القطاع فى تاريخ مصر، خاصة مع تأكيد مسئولين ومختصين فى سلامة الطرق أن البنية الأساسية التى تم تنفيذها، وعلى رأسها الطريق الدائرى الإقليمى، قد رُوعى فيها أعلى المعايير الفنية والهندسية العالمية، وأن ما يحدث من حوادث لا يرتبط بعيوب فى التصميم أو التنفيذ، بل يعود فى المقام الأول إلى الممارسات الخاطئة من بعض السائقين، والحمولات الزائدة، وتجاهل قواعد المرور، فضلا عن تعاطى بعض السائقين للمواد المُخدرة.

بل يذهب المختصون إلى أبعد من ذلك بالتأكيد على أن الحوادث المرورية ليست ظاهرة محلية، بل واقع يواجه مختلف دول العالم، بما فيها الدول الأكثر تقدمًا وتطورًا فى البنية التحتية وشبكات الطرق، خاصة أن كفاءة الطرق وحدها لا تكفى لمنع الحوادث، ما لم يقترن ذلك بسلوك مرورى منضبط ووعى كامل بقواعد القيادة، والدليل على ذلك الحادث المأساوى الذى أودى بحياة لاعب نادى ليفربول ديوجو جوتا، بعد تعرضه لحادث سير مروع علىأحد الطرق السريعة، رغم ما تتمتع به هذه الطرق من أعلى مستويات الأمان الفنى والهندسى، فضلا عن تمتع سيارته نفسها بأعلى مستويات الأمان.

زيارة «الإقليمى».. تُبرئ «الطريق»

وسرعان ما نفذ الفريق كامل الوزير، نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الصناعة والنقل، التكليف الرئاسى بشأن الطريق الدائرى، ليجرى زيارة موسعة بصحبة عدد من المسئولين وكبار الاستشاريين لدراسة غلق الطريق فى المناطق التى تشهد أعمال رفع الكفاءة والصيانة حتى استكمال تنفيذ تلك الأعمال، حيث شهدت تلك الجولة تأكيد أعضاء اللجنة من استشاريى الطرق بجامعات القاهرة وعين شمس والزقازيق على سلامة تصميم وتنفيذ الطريق الدائرى الإقليمى، وعدم وجود أى نقاط ضعف فى التصميم أو التنفيذ تؤدى إلى وقوع حوادث.

وشملت الجولة التأكيد على أنه تم البدء فى تنفيذ الطريق عام 2012، والانتهاء من تنفيذ المرحلة الأولى منه عام 2013، إلى أن تم الانتهاء من تنفيذ الطريق بالكامل عام 2018، وهو الأمر الذى استدعى تنفيذ صيانة جسيمة، خاصة فى القطاعات التى تتأثر بالحمولات العالية للنقل الثقيل، وتوصية اللجنة الاستشارية بتنفيذ هذه القطاعات بالرصف الخرسانى، الذى يتصف بتحمل الحمولات العالية، وتوفر مواده وخاماته الأولية بالمصانع والمحاجر المصرية وبالجنيه المصرى.

وتقرر وزارة النقل غلق كلى مؤقت للاتجاه القادم من تقاطع «الإقليمى» مع «الإسكندرية الصحراوى» وحتى تقاطع «الإقليمى» مع طريق «السويس الصحراوى»، لمدة أسبوع، مع قيام الإدارة العامة للمرور باستمرار تدعيم الخدمات المرورية على الطريق لتأمين حركة المرور، بالتزامن مع استمرار تواجد حملات الكشف عن المخدرات.

الدكتور حسن مهدى، أستاذ الطرق ونائب رئيس اللجنة الدائمة للكود المصرى للطرق، قال إن ما يشهده الطريق الدائرى الإقليمى حاليًا من أعمال تطوير وصيانة، يأتى ضمن خطة شاملة تستند إلى دراسات مرورية دقيقة حول حجم الحركة على الطريق، مع التأكيد أن الحل الجذرى للمشكلات المرورية يبدأ من تصحيح سلوك قائدى المركبات، خصوصًا أن نسبة كبيرة من الحوادث ترتبط بعوامل بشرية بحتة، موضحا أن اللجنة الهندسية عاينت الطريق مؤخرًا، وشاركت فيها كل الجهات المختصة، وأصدرت عددًا من التوصيات المهمة، فى مقدمتها زيادة الرقابة على مراحل تنفيذ الأعمال، والالتزام بجدول زمنى مضغوط.

«مهدى» الذى كان أحد المشاركين فى «جولة الإقليمى»، أكد أنه وفقًا للإحصاءات الرسمية، فإن ما يزيد عن 64 فى المائة من أسباب الحوادث على شبكة الطرق المصرية تعود إلى العنصر البشرى، وهو ما يعكس عدة مؤشرات مقلقة، أبرزها عدم الالتزام بالسرعة المقررة، وتجاهل مسافات الأمان بين المركبات، وخذ على سبيل المثال، حادثة الميكروباص الأخيرة، لو أن السائق الذى خلف الميكروباص الأول التزم بمسافة الأمان، لتمكن على الأقل من تقليل حدة الاصطدام أو تفاديه، وما كان سيؤدى إلى سقوط ضحايا، ونرصد يوميًا عشرات مقاطع الفيديو على مواقع التواصل الاجتماعى تُظهر تجاوزات صارخة، من بينها سيارات نقل تسير عكس الاتجاه، وسائقين يتسابقون بطريقة متهورة، وهذا يعكس إساءة استخدام شبكة طرق جيدة جدًا، أصبحت بمثابة ساحة للسرعة دون وعى بخطورة ذلك، وللأسف، هذا هو الثمن حين لا يُواكب تطوير البنية التحتية تطويرًا فى الثقافة والسلوك المرورى.

وأكد أستاذ الطرق أن شبكة الطرق شهدت قفزة نوعية كبيرة حظيت بإشادة المجتمع الدولى، فترتيب مصر فى مؤشر جودة الطرق ضمن تقرير التنافسية العالمية ارتفع 100 مرتبة، من المركز 118 إلى المركز 18 عالميًا، وهو ما لم يكن ليحدث لولا التحسن الكبير فى البنية التحتية.

يتفق مع ذلك الدكتور عماد نبيل، أستاذ هندسة الطرق بجامعة القاهرة، والاستشارى المشرف على المشروع القومى للطرق، الذى قال إن «ما شاهدته على أرض الواقع خلال زيارتنا للطريق الإقليمى هذا الأسبوع يُؤكد أن الغلق الجزئى الذى تم لمدة أسبوع جاء بهدف تحقيق انسيابية أكبر فى حركة المرور، من خلال توجيه السيارات فى اتجاه واحد فقط، بعيدًا عن نظام الاتجاهين المتقابلين داخل نفس التحويلة، وهو ما يقلل بشكل كبير من احتمالات وقوع تصادمات أو حوادث أثناء الأعمال الجارية على الطريق».

«نبيل» أوضح أن «ما يتم حاليًا لا يرتبط بعيوب فى الطريق أو تدهور حالته، بل على العكس تمامًا، الطريق يُعد من أفضل الطرق التى تم تنفيذها منذ سنوات، وحالته حتى اليوم ممتازة، إذ كنت أتوقع وجود هبوط أو انحرافات أو مشاكل فنية، لكن لم أجد شيئًا من ذلك، وما يجرى الآن هو تدعيم كامل للطبقة الخرسانية، بالإضافة إلى إنشاء طريق خدمة جديد يخدم سيارات النقل تحديدًا، خاصة أن الهدف من إنشاء طريق الخدمة هو فصل سيارات النقل الثقيل عن سيارات الركاب (الملاكى)، بحيث تسير كل فئة فى مسار مستقل، لأن 70 فى المائة من حوادث الطرق على الأقل ترجع إلى العامل البشرى، ونحو 50 فى المائة من هذه الحوادث تحدث بسبب تشارك سيارات النقل والملاكى فى نفس الحارة المرورية».

وعن أسباب تكرار الحوادث فى تلك المنطقة على هذا الطريق، لفت استشارى الطرق إلى أن «سيارات النقل تتمتع بارتفاع أكبر بكثير من سيارات الركاب، وبالتالى تختلف مجالات الرؤية بينهما، وعندما تشترك الفئتان فى نفس التحويلة أو المسار، وخصوصًا مع الكثافة المرورية العالية، تزداد احتمالات وقوع الحوادث بشكل واضح، كما أن الطريق الدائرى الإقليمى تم إنشاؤه فى الأساس لاستيعاب حركة مركبات النقل، ولكن مع مرور الوقت، أصبح يجذب أيضًا سيارات الركاب والميكروباص، خاصة فى المحافظات والمناطق الزراعية والدلتا التى كانتتفتقر إلى طرق سريعة».

وشدد على أن «عدم انضباط السلوك البشرى يمثل التحدى الأكبر، ويشمل ذلك مخالفات السرعة، والتجاوزات العشوائية، بل وأحيانًا تعاطى بعض سائقى النقل للمواد المخدرة، مما يشكل تهديدًا كبيرًا على السلامة العامة»، كاشفًا أن فلسفة وسياسات الطرق فى الوقت الراهن تعتمد على مبدأ أساسى هو فصل مسارات النقل الثقيل عن السيارات الخاصة، وهو ما ساهم بالفعل فى تقليل نسبة الحوادث بشكل ملحوظ، وجرى تطبيق هذا المبدأ فى عدد من المحاور الرئيسية، مثل محور 30 يونيو، ومحور السويس، وطريق القاهرة - العين السخنة، والقاهرة - الإسكندرية، وغيرها من الطرق القومية التى باتت تخصص حارات واضحة ومحددة لكل نوع من المركبات.

وكما يقول الدكتور عماد نبيل فإن معدل الحوادث على الطرق انخفض بنسبة تُقدّر بنحو 44 فى المائة منذ انطلاق المشروع القومى للطرق، بفضل الالتزام بتطبيق أعلى معايير الأمان العالمية، بما يشمل مواصفات التصميموالرؤية الأفقية والعمودية، والإشارات والعلامات، وسعة الحارات، والمواصفات الفنية الدقيقة، وحتى فى أوقات تنفيذ الأعمال، يتم غلق وفتح المسارات بشكل مدروس لضمان استمرارية الحركة بأمان قدر الإمكان.

وأضاف: «الذى يحدث حاليًا فى هذه الطرق لا يقتصر على الصيانة فقط، سواء صيانة عادية أو جسيمة، وإنما يتزامن معها إنشاءات جديدة تشمل مسارات الخدمة للملاكى والنقل، كلما توفرت المساحات المناسبة لذلك، لاسيما فى المناطق الصحراوية التى تتيح هذا التوسع، أما فى الأراضى الزراعية، فالوضع يختلف لأننا نكون مقيدين بعدم المساس بالرقعة الزراعية».

وفيما يخص حجم الإنجاز، قال: «فى تقديرى الشخصي، نفذنا ما يقترب من 7 آلاف كيلومتر من الطرق الجديدةحتى الآن، رغم أن الأرقام الرسمية قد تشير إلى أقل من ذلك بقليل، لكن للأسف، هناك من حاول التقليل من حجم الإنجاز الكبير الذى تحقق فى قطاع الطرق والكبارى خلال السنوات الماضية، وهو أمر كان متوقعًا، لسببين رئيسيين: الأول هو وجود بعض الجهات أو الأفراد ممن يهدفون إلى تشويه صورة مصر، واستغلوا بعض الحوادث للترويج الإعلامى الممنهج ضد الدولة؛ والثانى أن مصر بدأت تروّج لهذا المشروع القومى ضمن علاقاتها الإقليمية، وتسعى لتقديم نفسها كمركز متطور لخدمات البنية التحتية فى المنطقة، وبالتالى من مصلحتها أن تكون صورة مشروعها بهذا القطاع فى أفضل حال».

إلى جانب ذلك ، فإن الأمر الذى لا يقل أهمية عن تحسن الترتيب المصرى فى مؤشر جودة الطرق بحسب الدكتور عماد نبيل هو خلق محاور التنمية الجديدة، والتى لولا شبكة طرق قوية لم تكن لتتحرك مصر اقتصاديًا كما هى الآن، إذ لم تكن لتُرضى المستثمرين المصريين والعرب والأجانب على حد سواء شبكة الطرق القديمة والتىتقادمت بفعل الزمن وعدم الاهتمام سابقًا بصيانتها كما يجب، وبالتالى ساهمت شبكة الطرق الجديدة مع رفع كفاءة الشبكة القديمة وربطهما معًا، فى خلق ما يزيد عن 30 تجمعًا سكنياً جديدًا كما ساهمت فى خلق مشروعات تنموية بامتداد المحاور الجديدة، بداية من مشروع المليون ونصف المليون فدان، ومدن الجيل الرابع الذكية والمتطورة، والعاصمة الإدارية الجديدة التى لم تكن لتتواجد إلا إذا كانت هناك شبكة طرق متطورة.

ومن بين الـ 2 تريليون جنيه التى استحوذ عليها قطاع النقل، شهد قطاع الطرق وحده استثمارات تجاوزت 530 مليار جنيه، تكللت بالمشروع القومى للطرق الذى أعاد رسم الخريطة التنموية لمصر، من خلال إنشاء محاور استراتيجية تربط بين الشمال والجنوب، والشرق والغرب، وتعزز من فرص التكامل الاقتصادى إقليمياً.

لم يكن الهدف فقط هو تسهيل الحركة وخفض زمن الرحلات، بل تعظيم العائد الاقتصادى للدولة عبر تقليل استهلاك المحروقات بنحو 8 مليارات دولار سنوياً، وتقليص الآثار البيئية السلبية للاختناقات المرورية، وتسهيل انتقال البضائع بين مراكز النشاط الإنتاجى والخدمى، إذ جرى التخطيط لإنشاء 7000 كم من الطرق الجديدة، تم تنفيذ 6500 كم منها، إلى جانب تطوير 10 آلاف كم من شبكة الطرق الحالية، منها 8400 كم تم الانتهاء منها بالفعل.

    كلمات البحث
  • مصر
  • الطرق
  • الطريق
  • الإقليمي
  • حوادث

أخبار الساعة