ما بين وقف إطلاق النار المعلن، والانفجار الإقليمى المؤجل، والمواجهة المفتوحة التى ظلت على شفا التصعيد الشامل، يقف الشرق الأوسط مجددًا أمام واحدة من أكثر لحظاته اضطرابًا.. 12 يومًا من القصف المتبادل بين إيران وإسرائيل، بلغ فيها التوتر ذروته مع دخول الولايات المتحدة على خط النار، عبر استهداف المنشآت النووية الإيرانية، لترد طهران بضرب قاعدة العديد الأمريكية فى قطر، فى مشهد ألقى بظلاله على مستقبل الأمن الإقليمى بأسره.
فى هذا الحوار، يُفكك اللواء محمد إبراهيم الدويرى، نائب المدير العام للمركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية، أبعاد هذا التصعيد، ويحلّل دلالات القرار الأمريكى المفاجئ بوقف إطلاق النار، ويرصد انعكاسات ذلك على الداخل الإيرانى والمنطقة برمتها، والتداعيات كذلك على دول الإقليم.
«الدويرى» أكد أن التطورات الأخيرة كان من الممكن أن تدفع المنطقة بأكملها إلى «حافة الهاوية»، معتبرًا أن التدخل الأمريكى المباشر فى الحرب الإسرائيلية-الإيرانية يُعدّ أحد أهم المواقف التى تؤكد وجود تناقض فى سياسات الرئيس ترامب فى العديد من القضايا الإقليمية والدولية، وإلى نص الحوار.
بعد 12 يومًا من الحرب.. ما قراءتك لإعلان الرئيس الأمريكى وقف إطلاق النار مع إيران وهل يصمد؟
جاء قرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران فى أعقاب عمليات عسكرية مكثفة متبادلة بين الدولتين طوال 12 يومًا، طالت العديد من المنشآت العسكرية والبنى التحتية والمدنية، تخللتها قيام الولايات المتحدة بالتدخل العسكرى خلال الأيام الأخيرة وقصف المفاعلات النووية الإيرانية.
وانتهت الحرب فى يومها الأخير بقصف إيران قاعدة العديد الأمريكية فى قطر، ولا شك أن هناك العديد من الدروس المستفادة التى يجب استخلاصها من هذه الحرب التى كان يمكن أن تؤدى إلى حرب إقليمية شاملة، ونأمل أن يصمد هذا الاتفاق وألا يتم اختراقه.
بعد استهداف أمريكا للمواقع النووية الإيرانية.. هل كنا على وشك الوصول لـ«نقطة الانفجار» بالمنطقة؟
لا شك أن استهداف الولايات المتحدة للمواقع النووية الإيرانية خلال الأيام الماضية كان يمكن أن يؤدى إلى توسيع دائرة الصراع فى المنطقة، بل والوصول بها إلى نقطة الانفجار التى يصبح من الصعب العودة عنها، وهو الأمر الذى حذرت منه القيادة السياسية المصرية مرارًا، ليس الآن فقط، وإنما منذ بداية الحرب الإسرائيلية على غزة فى أكتوبر عام 2023. ثم أثبتت التطورات عقب هذه الحرب مصداقية الرؤية المصرية والتخوف من أن المنطقة تتجه إلى مسار واضح من الصراعات والمشكلات والتوتر وعدم الاستقرار.
هل كان الهجوم الإيرانى على قاعدة «العديد» إشارة لوقف متوالية «الرد والرد المضاد»؟
من المؤكد أن هناك حسابات محددة كانت لدى القيادة الإيرانية منذ بداية الحرب التى نشبت فى 13 يونيو الجارى، تتعلق كلها سواء بنوعية العمليات الإسرائيلية أو تلك الضربات المتتالية التى تقوم بتنفيذها ضد إسرائيل.
وبالطبع، فقد تزايدت هذه الحسابات بل تعقّدت عقب الهجوم الأمريكى الأخير على المنشآت النووية الإيرانية، إلا أن إيران قامت يوم 23 يونيو بإطلاق مجموعة من الصواريخ على قاعدة العديد الأمريكية فى قطر دون إحداث خسائر، حيث كان قد تم إخلاؤها من قبل، وهو الأمر الذى أدانته مصر ودول الخليج باعتباره انتهاكًا واضحًا للسيادة القطرية.
ما التداعيات المحتملة على أمن واستقرار المنطقة برمتها جراء ما يحدث الآن؟
أشارت كافة هذه التطورات إلى وجود تداعيات مؤكدة على أمن واستقرار ومستقبل المنطقة، حيث إنه فى حالة استمرار الحرب الإسرائيلية-الإيرانية، والتدخل الأمريكى الأخير فى الحرب، كان من الممكن أن يُدفع بالمنطقة بأكملها إلى حافة الهاوية.
لماذا ناقض ترامب الآن برنامجه الانتخابى؟.. قال إنه لن يدخل حروبًا جديدة لكنه استهدف البرنامج النووى الإيرانى.. قال إنه سينهى حرب أوكرانيا ولم ينجح.. قال إنه سيوقف حرب غزة ودعم إسرائيل لاستمرارها!
من الواضح أن الرئيس الأمريكى لم يلتزم بما تعهّد به خلال برنامجه الانتخابى من أنه سوف يتحرك من أجل دعم السلام والاستقرار فى العالم والمنطقة.
ومن ثم، يُعدّ التدخل الأمريكى المباشر فى الحرب الإسرائيلية-الإيرانية أحد أهم هذه المواقف التى تؤكد وجود تناقض فى سياسات الرئيس ترامب فى العديد من القضايا الإقليمية والدولية، دون أن نتجاهل موضوع الخداع الاستراتيجى الذى انتهجه فى هذه الحرب أكثر من مرة، وخاصة أن الاعتداءات الإسرائيلية تمت قبل بدء جولة التفاوض السادسة بين واشنطن وطهران بـ48 ساعة فقط، وما يعنيه ذلك من معرفة وموافقة الولايات المتحدة عليها.
ترامب قال بعد الضربة الأمريكية إنها كانت مهمة لتحقيق السلام.. كيف يتحقق السلام بهذا الشكل؟
لا يمكن أن يكون هناك حديث أمريكى منطقى يمكن تصديقه بأن الهجوم الأمريكى على إيران هو الذى يصنع السلام، حتى مع وقف إطلاق النار.. بل على العكس من ذلك تمامًا، فإن هذا الهجوم يزيد من حجم فقدان الثقة فى السياسات والتعهدات والالتزامات الأمريكية تجاه إمكانية أن تقوم واشنطن بدور حيادى لحل الأزمات التى تعانى منها المنطقة، سواء هذه الحرب أو أزمة غزة.
واشنطن تؤكد أن ضرباتها أنهت البرنامج النووى الإيرانى، فيما تصر طهران على أن موادها المخصبة آمنة بعد نقلها مسبقًا لمواقع محصنة.. أين تكمن الحقيقة على الأرض؟
من المؤكد أن الموقف يحتاج إلى مزيد من الوقت حتى يمكن التحقق من جدوى نتائج الهجوم الأمريكى على المنشآت النووية الإيرانية، حيث إن واشنطن أكدت أن هذا الهجوم كان ناجحًا تمامًا، بينما نفت طهران ذلك.
ومن ثم، فإن المرحلة القادمة سوف تكون هى الفيصل فى الحكم على فاعلية هذا الهجوم من عدمه، ولا سيما بالنسبة لمدى قدرة إيران على الاستمرار فى البرنامج النووي، وتحديدًا عمليات التخصيب كما كانت ترغب.
هل أضعفت هذه الضربات النظام الإيرانى.. وهل تدفعها لتقديم مزيد من التنازلات خلال المفاوضات أو خطوات إلى الوراء؟
من الواضح أنه بالرغم من تأثيرات الضربات الإسرائيلية والأمريكية على القدرات العسكرية الإيرانية، وعمليات الاغتيالات التى طالت العديد من قياداتها العسكرية والأمنية والعلمية، إلا أن كافة المعطيات الراهنة تشير إلى أن الموقف الداخلى الإيرانى لا يزال متماسكًا، وأن النظام الإيرانى لا يزال مستقرًا، خاصة أن مظاهر تدمير الصواريخ الإيرانية للعديد من المنشآت الإسرائيلية، ولا سيما فى منطقتى تل أبيب وحيفا، ثم قصف قاعدة العديد الأمريكية فى قطر، ساهمت فى دعم ثقة الرأى العام فى النظام وقدرته على المواجهة وإحداث أكبر قدر ممكن من الخسائر فى الأطراف الأخرى، سواء كانت إسرائيل أو الولايات المتحدة.
ما مدى احتمالية استئناف المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة رغم التصعيد العسكرى الأخير؟
بالرغم من هذه التطورات السلبية، إلا أن الواقع يشير إلى أن باب التفاوض لم يُغلق رسميًا فى أى مرحلة، خاصةً من جانب إيران والولايات المتحدة والأطراف الأخرى، وذلك فى ضوء قناعة الجميع بأن العامل العسكرى لن يؤدى إلى حل الأزمة الإيرانية.
وبالتالى، يمكن القول إن وقف إطلاق النار سيكون مرحلة نحو استئناف المفاوضات، حتى على أسس جديدة متفق عليها.
إذا ما عاد التصعيد مجددًا.. ما التداعيات المحتملة على أمن المنطقة؟
لا شك أنه إذا ما كانت هذه الحرب قد امتدّت أكثر من ذلك، لكان من الممكن أن نشهد مزيدًا من التأثيرات السلبية، من بينها توسيع دائرة الصراع وإمكانية إغلاق مضيق هرمز، الذى وافق البرلمان الإيرانى على إغلاقه، وما قد يؤدى إليه ذلك من تأثير على حركة التجارة العالمية، وبالتالى دخول المنطقة والعالم فى أزمات اقتصادية وعسكرية وأمنية غير مضمونة العواقب.
بعد استهداف إيران.. مَن التالى فى قائمة «الحسم أو الاحتواء»؟
من الضرورى أن نقف كثيرًا عند تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلى «نتنياهو»، عندما أشار أكثر من مرة إلى أن إسرائيل تغيّر وجه الشرق الأوسط، وهو الأمر الذى نراه ماثلًا أمامنا على أرض الواقع من خلال الخطوات والإجراءات التى اتخذتها تل أبيب، ابتداءً من تدمير قطاع غزة، ومحاولة تصفية القضية الفلسطينية، والقضاء على معظم القدرات العسكرية لحزب الله، وتدمير الجيش السوري، وصولًا إلى الحرب الحالية ضد إيران وتدمير قدراتها النووية.
ولا شك أن إسرائيل تراهن، من وجهة نظرها، على أن كافة هذه المتغيرات يمكن أن تؤدى فى مرحلة لاحقة إلى التوصل إلى مرحلة تطبيع للعلاقات مع الدول العربية، وهو ما يمثل أحد أهم أهدافها الرئيسية المدعومة أمريكيًا.
لو ذكرنا تقديرًا للموقف الراهن.. ما تداعيات التصعيد الذى حدث على مصر؟
كافة هذه العمليات تطرح العديد من التأثيرات السلبية على الاقتصاد المصرى، الذى كان قد بدأ مرحلة التعافى والنمو، ومن أهمها تضاؤل إيرادات قناة السويس، والتأثير على مجالات الاستثمار والسياحة والطاقة، وهى أمور متوقعة طالت العديد من الدول على المستويين الإقليمى والدولى، وليس مصر فقط.
وفى ظل هذه التطورات، كانت القيادة المصرية حريصة تمامًا على تأمين متطلبات الجبهة الداخلية، مع متابعة دقيقة لهذه المتطلبات، وخاصةً بالنسبة لضمان توافر مخزون السلع الاستراتيجية لفترة طويلة، تحسّبًا لأسوأ السيناريوهات.
ما الرسالة التى يمكن استنباطها بعد 12 يومًا من التصعيد بين إسرائيل وإيران؟
الرسالة الرئيسية أود أن أوجهها إلى الرأى العام المصرى، فهى ضرورة وحتمية الاصطفاف خلف القيادة السياسية الوطنية فى هذه الظروف الاستثنائية، وأن يكون المواطن المصرى على قناعة تامة بأن بلاده تمتلك جيشًا وطنيًا قويًا قادرًا على حماية الأمن القومى المصرى، والتصدى لأى مخاطر وتهديدات قد نتعرض لها فى المرحلة المقبلة، وعلى رأسها تهجير سكان غزة إلى سيناء، وهو المخطط الإسرائيلى الأمريكى الذى تتبناه الحكومة الإسرائيلية الحالية شديدة التطرف.
ويجب أن يعلم الجميع أننا قادرون على التصدى بكل قوة لأى من هذه المشروعات المرفوضة والمشبوهة.
أخيرًا.. كيف يمكن تجنب هذا التصعيد لاحقًا؟
على إسرائيل والولايات المتحدة أن تراجع كل منهما سياساتها تجاه المنطقة، حيث إن هذه السياسات لا تساهم فى دعم أسس الأمن والاستقرار بل تزيد من تأجيج المشكلات والصراعات، وإذا كانت واشنطن تهدف إلى دمج إسرائيل فى المنظومة الإقليمية فإن ذلك لن يتحقق إلا بوقف السياسة العدوانية التى تنتهجها تل أبيب تجاه المنطقة، بالإضافة إلى ضرورة أن توافق على إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وبدون ذلك سوف تظل دائرة التوتر قائمة.

