رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

عقوبات رادعة لـ«المعتدين» على الأراضى الزراعية


20-6-2025 | 19:50

.

طباعة
بقلـم: د. إسماعيل عبدالجليل

عاصرت فى مطبخ الحكومة خلال أكثر من عشرين عاما تنامى ظاهرة التعدى على أرضنا الزراعية المحدودة فى دلتا وادى النيل. توليت إدارة هذا الملف منذ 2003 بصفتى رئيسا لمركز بحوث الصحراء وممثلا لمصر فى الاتفاقية الدولية لمكافحة التصحر، وهى إحدى الاتفاقات الأممية الثلاث، التى ولدت فى قمة الأرض عام 1992 مع اتفاقيتى المناخ والتنوع الحيوى. تهدف اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر إلى وقف ظاهرة التعدى على الأراضى الزراعية بالتجريف أو الزحف العمرانى أو غيرها من الاستخدامات المسببة لتدهور إنتاجيتها تدريجيا حتى افتقادها فى غياب الرصد المبكر.!!

 

يطلق على التدهور التدريجى لخصوبة وحيوية الأرض الزراعية «ظاهرة التصحر»، ويشار لها بظاهرة «الاغتيال الصامت» لكونها تغتال خصوبة الأرض فى غياب الرصد المبكر لها. الرصد المبكر يقلل تكلفة مخاطر التصحر بنسبة «10 - 30 فى المائة».. يتولى مسؤولية الرصد والإنذار المبكر فنيا مركز بحوث الصحراء التعاون مع لجنة تنسيقية عليا لممثلى الوزارات المعنية فى قطاعات الزراعة والرى والمحليات والإسكان وغيرها.

للأسف الشديد لم تتوفر الإرادة السياسية لتنفيذ التوصيات الفنية المانعة للمخاطر والحافزة للعلاج والإصلاح لوقف الزحف العمرانى على الأرض الزراعية خلال العشرين عاما التى توليت بها متابعة بيانات الرصد الفضائى والأرضى المقدمة من مراكز بحثية وطنية للحكومة آنذاك دون رد فعل إيجابى من الحكومة. تعددت الأسباب التى تصدرها رغبة الحزب الوطنى «المنحل» آنذاك فى «تسييس الأزمة» واستثمارها «كفرصة» للفوز بأصوات جمهور الناخبين الفاعلين للتعديات فى الانتخابات النيابية والرئاسية والمحلية، بالرغم أن معدل الفقد السنوى حينذاك من الأرض الزراعية كان 30219 فدانا، أى (3.5 فدان / الساعة)!!!. وشكل الحزب الوطنى «المنحل» آنذاك لجنة أطلق عليها «لجنة الحفاظ على الأرض الزراعية»، بينما كان مسعاها مخالفا لمسماها!! من خلال تبنى مقترحات عديدة مغزاها «قبول الأمر الواقع»، واستعواض أرض الدلتا الخصبة الرسوبية بأخرى فى الصحراء يتم تمويل تكاليف استصلاحها من صندوق غرامات التعديات.

وأعقب ذلك تزايد معدلات التعدى على الأراضى الزراعية الذى كانت ترصده السكرتارية التنفيذية لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر فى تقاريرنا الدورية خلال سنوات (التسييس) وضع مصر فى قائمة الأعضاء المخالفين لتعهدات الاتفاقية بالرغم أننا المؤسسون لها، وشارك فى صياغتها العالمان المصريان الراحلان البروفيسور عبد الفتاح القصاص والبروفيسور مصطفى طلبة.

وكانت نقطة التحول التاريخية فى ظاهرة الاغتيال الصامت لأرضنا الزراعية الخصبة المحدودة كانت بتولى الرئيس السيسى إدارة الدولة برؤية وطنية ثاقبة استبدلت مسار «التسييس» «بالتجريم» فى إطار قانونى صارم تتولى إجراءاته التنفيذية المحليات بالتعاون مع الجيش والشرطة. التجريم اقترن بتعديل تشريعى فى قانون الزراعة رقم 164 لسنة 2022 الذى نص على عقوبات رادعة للمتعدين على الأراضى الزراعية، حيث يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنتين ولا تزيد عن 5 سنوات، وغرامة لا تقل عن 500 ألف جنيه ولا تزيد عن 10 ملايين جنيه، مع تضاعف العقوبة بتعدد المخالفات. كما نص قانون العقوبات على عقوبات مشددة فى حال وقوع التعدى بالتحايل أو تقديم بيانات غير صحيحة، حيث تصل عقوبة الحبس إلى 7 سنوات وغرامة تصل إلى مليون جنيه.

فخصوصية التجربة المصرية فى مكافحة التصحر كانت فى تبنى رئيس الدولة لها بالجمع بين سن التشريعات القانونية العقابية بالحرص على مصارحة مواطنيه بالمعلومات الكفيلة باقتسامهم «المسؤولية المجتمعية» مع الدولة. وكشف الرئيس فى 2020 لمواطنيه أن مصر فقدت على مدار الأربعين عامًا الماضية ما يقارب 400 ألف فدان من أخصب الأراضى الزراعية فى الدلتا ووادى النيل، منها 90 ألف فدان خلال الفترة من عام 2011 وحتى الآن.. وأشار إلى صعوبة تعويض هذه الأراضي؛ إذ تُقدر تكلفة تعويضها بنحو 18 مليار جنيه، لاستصلاح أراض صحراوية جديدة تتطلب جهدًا ووقتًا أكبر.. وهذا لا يُعد إضافة أراض جديدة، بل تعويض عما فقدناه، لتلبية احتياجات ومتطلبات الأجيال القادمة لتأمين غذائها.

وصارح الرئيس مواطنيه بمخاطر انكماش الرقعة الزراعية على أمننا الغذائى وصاغ فى عبارات قوية مضمون التقارير العلمية، التى تم تجاهلها فى سنوات سابقة بمسار «التسييس» بأن نصيب المواطن من الأرض الزراعية لاستيفاء احتياجاته الغذائية فى ظل الزيادة السكانية المتزايدة صار يقاس بالمتر وليس الفدان، ما ضاعف أعباء الدولة فى استيراد 50 بالمائة من احتياجاتها بالعملة الصعبة. لم يكتف الرئيس السيسى بتجريم التعديات وتشديد إجراءات الحفاظ عليها، بل ضاعف مشروعات التوسع الأفقى باستصلاح نحو 4 ملايين فدان جديدة، بالإضافة إلى التوسع الرأسى فى إنتاجية الفدان من وحدة الأرض والمياه.

ومن واقع خبرتى بالعمل خلال سنوات طويلة فى الاتفاقية الدولية لمكافحة التصحر أرى صدى إيجابيا ملحوظاً للدور الذى تلعبه مصر حاليا فى مكافحة التصحر بوقف التعديات والتوسع الأفقى والرأسى فى استصلاح الأراضى، وهو ما يدعونى إلى اقتراح استضافة مصر لقمة أطراف الاتفاقية الدولية (197 دولة) أسوة باستضافتنا لقمة أطراف اتفاقيتى المناخ والتنوع الحيوى بشرم الشيخ.

كما أن انتقال د. ياسمين فؤاد، وزيرة البيئة، إلى موقعها كسكرتير تنفيذى للاتفاقية الأممية فى بون قريبا سوف يدعم المقترح ويقدم للعالم التجربة المصرية فى مكافحة التصحر من واقع نقطة التحول التاريخية، التى قادها الرئيس السيسى ويستحق التكريم الدولى عليها.

أخبار الساعة

الاكثر قراءة