رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

الرجل الذى أنصفه جيل الفضائيات «أبو ضحكة جنان»..


22-5-2025 | 20:24

.

طباعة
بقلـم: أشرف غريب

عجيب أمر هذا الفنان، كلما باعدت السنوات بيننا وبين يوم رحيله فى الرابع والعشرين من مايو 1972 ازددنا تعلقا به كباراً وصغاراً وكلما أعادت الفضائيات عرض أفلامه طالبنا بالمزيد وكأننا أدمنا ذلك المضحك الجميل فى زمن عز فيه الضحك وغابت فيه البسمة عن الوجوه، لو أن الذين أغلقوا الأبواب فى وجه إسماعيل ياسين فى سنوات عمره الأخيرة توقعوا أن أعوام رحيله لن تمنعه من كسب جمهور جديد كل يوم لما فعلوا ذلك، ولو أن هؤلاء الذين دفعوه للهجرة إلى بيروت وأثقلوا عليه المرض كانوا يعلمون أن الزمن سينصفه لربما سعوا إلى استثمار هذه الظاهرة الفنية الفريدة، أو على الأقل لما أرادوا لأنفسهم أن يصبحوا فى موقف غير المقدرين لقيمة هذا الفن الجميل وموهبة ذلك الفنان الخالد، لكنه قدر إسماعيل ياسين أضحك الناس أكثر من أربعين عاماً ومات حزيناً بعد أن أقعده المرض والتجاهل.

 

ثم جاء زمن الفضائيات ولا سيما المتخصصة منها فى السينما؛ ليثبت أن أفلام إسماعيل ياسين تحقق أعلى كثافة مشاهدة بين أفلام كل الممثلين العرب قديمهم وحديثهم، وهذا الحكم ليس جزافياً أو اعتباطياً وإنما هو خلاصة كل استطلاعات الرأى التى تجريها المحطات التليفزيونية العربية أو المجلات المتخصصة فى هذا المجال، وملخصها أن إسماعيل ياسين لا يزال يمثل أهم ظاهرة كوميدية عرفها فن السينما فى الوطن العربى.

وتأتى هذه الحقائق الثابتة بعد وفاة إسماعيل ياسين بأكثر من نصف قرن؛ لترفع عنه ظلماً بائناً ظل يلازمه طيلة حياته وربما بعد وفاته أيضاً، فقد اعتبره بعض عتاة النقد مهرجاً أكثر منه ممثلاً، ونظر إليه أنصار الأداء الأكاديمى على أنه ممثل «درجة ثالثة» يتسم بالنمطية، ويعتمد على حركات الوجه وخاصة فمه الكبير الذى اشتهر به واتخذه – غالباً – مادة للإضحاك، صحيح أن أداءه كان أقرب للنمطية، لكنه فى واقع الأمر كان مضطراً لذلك بعد ما فرضت عليه مواصفاته الشكلية نوعية محددة من الأدوار لا سيما بعد أن حقق نجاحاً كمنولوجست قبل أن يتحول تماماً إلى التمثيل.

لذلك لم تكن مواصفاته الشكلية وشهرته كمنولوجست تسمحان له أن يلعب أدوار الفتى الأول أو حتى أدوار الشر، ومن ثم التصقت به الأدوار الكوميدية فى كل مراحله الفنية.

دخل إسماعيل ياسين عالم السينما مجرد منولوجست خفيف الظل، لكنه تحول بعد سنوات كى يصبح ممثلا كوميديا يتمتع بحسن الأداء الغنائى وقدرته على تقديم فن المنولوج كواحدة من أدواته كممثل كوميدى، حتى إذا ما تمكن من اجتذاب مشاهديه بات هو قطب الكوميديا الأبرز لا سيما فى سنوات الخمسينيات، لكن الرجل الذى أتى متسللا إلى القاهرة يحمل جنيهاته الستة وأحلامه العريضة بذل كثيرا من الجهد والتجارب المتعاقبة حتى يصبح هذا الكيان الضخم الذى لا يزال يحيا بيننا حتى اليوم، وتعد فترة الأربعينيات هى سنوات الانتشار بالنسبة لإسماعيل ياسين حيث بلغ متوسط عدد أفلامه فى سنوات نهاية هذا العقد خمسة عشر فيلماً كل عام، وتعود أسباب انتشاره بهذه الصورة خلال الأربعينيات إلى أنه نجح بامتياز فى أن يصبح جزءاً أساسياً فى التوليفة التجارية التى كانت سائدة فى ذلك الوقت والمعتمدة فى الغالب إما على مطرب وراقصة وصديق للبطل يتمتع بشدة الإخلاص وخفة الظل، وإما على شاب وسيم ومطربة ونفس هذا الصديق، وهو ما يفسر وجود إسماعيل ياسين شبه الدائم فى أفلام فريد الأطرش وسامية جمال (حبيب العمر، عفريتة هانم، آخر كدبة على سبيل المثال) وأفلام محمد فوزى (المجنونة، فاطمة وماريكا وراشيل نموذجا) وأفلام أنور وجدى وليلى مراد (قلبى دليلى، عنبر، مثلا) وأفلام شادية مع كمال الشناوى وغيره من فتيان الشاشة فى ذلك الوقت، هذا بالطبع إضافة إلى معظم أفلام المطربين، كارم محمود وعبدالغنى السيد وعبدالعزيز محمود ورجاء عبده وصباح ونور الهدى، والراقصات تحية كاريوكا وسامية جمال – بدون فريد الأطرش –وهاجر حمدى، فإذا ما علمنا أن فترة الأربعينيات وبداية الخمسينيات قد شهدت قمة نجاح وجماهيرية الفيلم الغنائى والاستعراضى، يصبح من السهل تلمس أسباب ذيوع إسماعيل ياسين وانتشاره بهذه الدرجة خلال الفترة نفسها لا سيما مع تمتعه بقدرات غنائية أتاحت له المشاركة فى الاستعراضات والديالوجات الغنائية التى غصّت بها أفلام تلك الفترة.

ومع بداية الخمسينيات، وبعد رحيل نجيب الريحانى وتوقف على الكسار عن البطولات السينمائية، شعر إسماعيل ياسين بأنه المؤهل لملء هذا الفراغ، وأنه قد آن الأوان كى يتحمل بمفرده مسئولية الأفلام التى يشارك فيها، وآمن بعض المخرجين بوجهة نظره، فأسندوا إليه بطولة عدة أفلام مثل «الناصح» عام 1949، «فلفل» عام 1950 وهما من إخراج سيف الدين شوكت وبطولة ماجدة، وفيلم «المليونير» الذى قامت ببطولته كاميليا وأخرجه حلمى رفلة عام 1950، و«الدم يحن» للمخرج السيد زيادة عام 1952 بطولة درية أحمد وحسين رياض، لكن هذه الأفلام لم تلقَ النجاح المأمول، فآثر إسماعيل ياسين الارتكان إلى المضمون، والمشاركة فى عدة أدوار مساعدة حققت نجاحاً أكبر من ذلك الذى حققته أدوار البطولة التى قام بها مثل أدواره فى أفلام: «بيت الأشباح» عام 1951 مع كمال الشناوى وثريا حلمى، «دهب» عام 1953 مع أنور وجدى والطفلة فيروز، «الحموات الفاتنات» عام 1953 مع كمال الشناوى وكريمان.

فى تلك الأثناء كان إسماعيل ياسين بحاجة إلى دفعة سينمائية قوية تتحقق على يد مخرج يؤمن بقدراته ويتمتع بحس كوميدى واضح، تلك الدفعة التى حققها له المخرج فطين عبد الوهاب بفيلم «الآنسة حنفى» سنة 1954، وعلى أثر هذا النجاح اللافت كوّن إسماعيل ياسين فرقته المسرحية فى العام نفسه، وبدأت كذلك منذ ذلك العام سلسلة الأفلام التى تحمل اسمه، وعاش إسماعيل ياسين بفضل تلك النجاحات المتتالية سنواته السمان حتى عام 1966 حينما بدأت سنواته العجاف بفعل تغير المناخ العام فنيا واجتماعيا، وانفضاض أصدقاء الأمس من حوله ومطاردة مصلحة الضرائب له، وتراكم الديون على فرقته واعتلال صحته، فقرر الهجرة إلى بيروت مع من هاجر بعد هزيمة 1967 قبل أن يعود إلى مصر ليقضى أسابيعه الأخيرة منزويا ومكتئبا وحزينا على زمن النجومية الذى ولى وعلى الأصدقاء الذين تركوه وحيدا.

الاكثر قراءة