رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

بـ «تحفظ رئاسى».. «الإجراءات الجنائية» يعود لـ«المناقشة البرلمانية»


25-9-2025 | 19:17

.

طباعة
تقرير: عبدالحميد العمدة

منذ ما يزيد على 4 أشهر، عندما وافق مجلس النواب، بشكل نهائى، على مشروع قانون «الإجراءات الجنائية» الجديد، بعد جولات من النقاشات والتعديلات على بعض مواده، ومن وقتها، أثار هذه المشروع التشريعى جدلًا واسعًا، وسط اتهامات بانتهاك الخصوصية، بجانب مخاوف من تعارض المواد مع الدستور، لكن جاء الرئيس عبدالفتاح السيسى ليثبت ويؤكد أن الملف الحقوقى على رأس أولويات الجمهورية الجديدة، بإعلانه إرجاء المشروع وتوجيهه برد قانون «الإجراءات الجنائية» إلى البرلمان مرة أخرى، لبحث الاعتراضات على عدد من مواد مشروع القانون.

 

تحفظات الرئيس السيسى، جميعها حملت رسالة للقاصى والدانى، أنه «لا مزايدات على ملف حقوق الإنسان فى مصر»، لا سيما وأن الاعتراضات الرئاسية، تمثلت فى «الحد من الحبس الاحتياطي، وعدم انتهاك حرمة المسكن، وضرورة حماية الشهود»، هذا إلى جانب بعض المواد المتعلقة بالمحاكمة عن بعد، لتصب جميعها فى صالح تحقيق العدالة وسيادة القانون وصون حقوق المواطنين.

بدوره، أعلن المستشار الدكتور حنفى جبالى، رئيس مجلس النواب إدراج رسالة الرئيس السيسى، بشأن الاعتراض على عدد من مواد مشروع قانون الإجراءات الجنائية، فى أول جلسة عادية للبرلمان بدور الانعقاد العادى السادس من الفصل التشريعى الثاني، وذلك يوم الأربعاء الموافق الأول من أكتوبر المقبل، ودعوة الدكتور مصطفى مدبولى، رئيس مجلس الوزراء، للإدلاء ببيان فى هذا الشأن.

يأتى اعتراض الرئيس السيسى فى ضوء السلطات المخولة للرئيس فى المادة (123) من الدستور، بأنه من حقه الاعتراض وإعادة المشروع خلال ثلاثين يومًا من تاريخ إبلاغه، حيث تتعلق المواد التى جاء الاعتراض عليها، باعتبارات الحوكمة والوضوح والواقعية، بما يوجب إعادة دراستها لتحقيق مزيد من الضمانات المقررة لحرمة المسكن ولحقوق المتهم أمام جهات التحقيق والمحاكمة، وزيادة بدائل الحبس الاحتياطى للحد من اللجوء إليه، وإزالة أى غموض فى الصياغة يؤدى إلى تعدد التفسيرات أو وقوع مشاكل عند التطبيق على أرض الواقع، وإتاحة الوقت المناسب أمام الوزارات والجهات المعنية لتنفيذ الآليات والنماذج المستحدثة فى مشروع القانون والإلمام بأحكامه ليتم تطبيقها بكل دقة ويسر وصولًا إلى العدالة الناجزة فى إطار من الدستور والقانون.

وتعد تلك الممارسة الدستورية، للرئيس السيسى، لحقه الدستورى فى الاعتراض للمرة الثانية، على مشروعات القوانين، حيث قد سبق واعترض على قانون تنظيم البحوث الطبية والإكلينيكية، والمعروف إعلاميا بـ«التجارب السريرية» عام 2018، بينما تسجل هذه الواقعة كرابع مرة فى تاريخ الحياة النيابية المصرية، التى يُعاد فيها مشروع قانون من رئيس الجمهورية إلى البرلمان لإعادة النظر فيه، حيث قام الرئيس الراحل محمد أنور السادات، بممارسة هذا الحق الدستورى مرتين، فى الاعتراض على قوانين، تتعلق بالضرائب - آنذاك.

وتلقى مجلس النواب، كتاب رئيس الجمهورية، بشأن الاعتراض على عدد من مواد مشروع قانون الإجراءات الجنائية، وهو كتاب يفيض بحسّ وطنى عميق، وبصيرة دستورية نافذة، وحرص صادق على أن يظل البناء التشريعى فى مصر قائمًا على أسس متينة من الوضوح والإحكام والتوازن، فلا يغلب فيه جانب على آخر، ولا تطغى فيه مقتضيات العدالة الناجزة على ضمانات الحرية.

ورحب «النواب» بهذا التوجيه الرئاسى، ليؤكد أنه يمثل أرقى صور ممارسة الصلاحيات الدستورية، ويعكس وعيًا استثنائيًا بقدسية العدالة الجنائية ومكانتها فى صون السلم العام وحماية المجتمع، وأن «ما عبّر عنه رئيس الجمهورية فى رسالته لم يكن مجرد ممارسة لحق دستورى مقرر، وإنما هو تجسيد حى لنهج سياسى راسخ، يقوم على الانحياز المطلق لدولة القانون، والإيمان العميق بأن حماية الحقوق والحريات ليست منّة تُمنح، وإنما هى التزام دستورى أصيل، وأن العدالة لا تستقيم إلا إذا اقترنت باليقين والوضوح والإنصاف، وهذه هى عين الفلسفة التى التزم بها مجلس النواب فى مناقشاته للمشروع، غير أن عودة السيسى بهذا الاعتراض الرشيد، تضيف بُعدًا آخر من الدقة والاكتمال».

وثمّن مجلس النواب، هذا الموقف بالغ الدلالة، ويرى فيه إعلاءً لقيمة الحوار بين المؤسسات، وتجسيدًا للشراكة الرفيعة بين رئيس الجمهورية والسلطة التشريعية، حيث تتلاقى الإرادات جميعها على تحقيق مصلحة الوطن، وصيانة حقوق الشعب، وترسيخ هيبة الدستور والقانون».

وأشار المجلس– فى بيان له، إلى أنه من هذا المنطلق، وإعمالًا لحكم المادة (177/ فقرة 3) من اللائحة الداخلية للمجلس الصادرة بالقانون رقم (1) لسنة 2016، والتى تنص على أن: فى حالة اعتراض رئيس الجمهورية، يعقد المجلس جلسة عاجلة لهذا الغرض، ويجوز له أن يدعو رئيس مجلس الوزراء للإدلاء ببيان فى هذا الشأن، ويحيل المجلس الاعتراض والبيانات المتعلقة به فى ذات الجلسة إلى اللجنة العامة لدراسة المشروع المعترض عليه، والمبادئ والنصوص محل الاعتراض وأسبابه الدستورية أو التشريعية بحسب الأحوال، والمادة (274/ فقرة 1) من اللائحة الداخلية ذاتها، والتى تنص على أن: يدعو رئيس الجمهورية مجلس النواب للانعقاد للدور العادى السنوى قبل يوم الخميس الأول من شهر أكتوبر؛ فقد تقرر إدراج الاعتراض الوارد فى رسالة رئيس الجمهورية فى أول جلسة عادية لمجلس النواب يوم الأربعاء الموافق الأول من أكتوبر لعام 2025، ودعوة الدكتور مصطفى مدبولى، للإدلاء ببيان فى هذا الشأن؛ بما يضمن إعادة النظر فى المواد محل الاعتراض، وبما يليق بعزيمة مصر على أن يكون قانونها الجنائى الجديد نموذجًا يُحتذى فى الدقة التشريعية، وصون حقوق الإنسان، وترسيخ منظومة عدالة جنائية متكاملة تكفل سيادة القانون وصون الحقوق.

النائب محمود حسين، رئيس لجنة الشباب والرياضة بمجلس النواب قال، إن «تلك المراجعة من رئيس الجمهورية شخصيًا تعد أفضل أشكال الديمقراطية فى التشريع وهو نموذج يحتذى به ويجب تدريسه، ويعد رسالة للشباب المصرى، يوضح بشكل جلل التكامل بين السلطات التنفيذية والتشريعية وفق اختصاصات كل منها وفق الدستور، فضلًا عن ذلك فهذا يؤكد على حرص الدولة المصرية وقيادتها السياسية على الحريات واحترامها».

‏وأضاف «حسين»: من الملاحظ أن المواد المعترض عليها من رئيس الجمهورية وهى الخاصة بحقوق الإنسان، وهذا يتماشى مع الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان وهذا دليل ومثال حى على الديمقراطية فى اتخاذ القرار حتى بعد موافقة مجلس النواب، كما أن ذلك رسالة للمشككين فى الدولة المصرية، بأن هناك مراجعة من الرئيس شخصيًا لمثل هذا القانون، حيث ارتأت الدولة المصرية العظيمة والمتمثلة فى قيادتها، التدخل الفورى، وهو ما يعد رسالة أيضًا للشباب المصرى فى كيفية ممارسة الديمقراطية الحقيقية.

من ناحيته، قال النائب أيمن أبوالعلا، وكيل لجنة حقوق الإنسان بالبرلمان: هذا وضع إيجابى يعزز المكتسبات وخاصة فيما يتعلق بحرمة المساكن، وأثمن إشادة الرئيس السيسى بجهود المجلس فيما يخص قانون الإجراءات الجنائية، وبخاصة فيما يتعلق باستحداث مواد بخصوص الحد الحبس الاحتياطى ومدده، وحماية الشهود، مشيرًا إلى أن اعتراضات الرئيس تتمثل فى عدد من المواد، فيما يخص الغموض فى صياغة بدائل الحبس الاحتياطى وعدم تحديد المدد، وهو ما يهدف إليه السيسى، بأن تكون هناك دقة فى العدالة الناجزة، فيما يخص منع المتهمين من السفر وإعطاء المزيد من التفصيلات لمواد القانون، كما أشاد - وكل لجنة حقوق الإنسان، بموقف رئيس الجمهورية، واستخدامه لحقه الدستورى، مستطردًا بالقول: «هكذا تصاغ القوانين»، مشيرًا إلى أهمية قانون الإجراءات الجنائية، الذى يتكون من 549 مادة، بما يعد بمثابة دستور جديد.

أكد النائب إيهاب رمزى عضو اللجنة التشريعية بمجلس النواب أن رئيس الجمهورية يستخدم حقه الدستورى بشأن مراقبة أعمال السلطة التشريعية، حيث يرى الرئيس السيسى ضرورة وجود مزيد من الضمانات والحريات والحقوق أكثر مما نص عليه فى قانون الإجراءات الجنائية الجديد، موضحًا أن الاعتراض جاء أغلبه لتعديل بعض النصوص بغرض الحد من الحبس الاحتياطى، ‏وكذلك هناك ألفاظ وعبارات تحمل غموضًا، وقد تشكل «التباس» عند تطبيق القانون، لذلك رأى رئيس الجمهورية ضرورة إتاحة المزيد من الوقت لبعض الوزارات لتطبيق النماذج والآليات الحديثة، التى نص عليها القانون، خاصة فيما يتعلق بالمحكمة عن بعد، بإعطاء مهل للوزارات المعنية للانتهاء من كافة اللوجستيات وآليات تطبيق المحاكمات الإلكترونية وإعلان المتهمين بالشكل الوارد فى مشروع القانون.

‏«رمزى»، أضاف: من ضمن البدائل المطروحة وضع المتهم تحت المراقبة الإلكترونية، ولكن هذا النظام قد يحتاج إلى إنشاء منظومة جديدة بالتعاون مع الوزارات المعنية ليكون قابلاً للتطبيق بيسر وسهولة وفق أحدث التقنيات، وحتى الآن غير معلوم على وجه الدقة المواد التى تتضمنها الاعتراضات، ولكن هذا سيتم عرضه مع خطاب رئيس الوزراء أمام البرلمان.

‏وقال «رمزى» إن تلك الاعتراضات تستهدف رفع سقف ملف حقوق الإنسان للمواطن المصرى، وأن السيسى لم يرتضِ بما انتهى إليه مجلس النواب فى القانون، موضحًا أن هذه السلطة الاستثنائية لم يستخدمها رئيس الجمهورية إلا فى بعض القوانين المهمة، ما يؤكد أن ملف حقوق الإنسان يحتاج إلى تطوير وأن تمتد له يد الدولة، وبالفعل بدأ رئيس الجمهورية ذلك بإطلاق الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، مرورًا بعدة قوانين، آخرها قانون «الإجراءات الجنائية» الجديد.

وفى السياق، أشاد النائب عصام هلال عفيفى، وكيل اللجنة التشريعية والدستورية بمجلس الشيوخ والأمين العام المساعد لحزب «مستقبل وطن»، بقرار الرئيس السيسى، بإرجاء مشروع قانون الإجراءات الجنائية، وإعادته إلى مجلس النواب مرة أخرى، مؤكدًا أن هذه الخطوة تعكس حرص الرئيس الدائم على تحقيق العدالة وسيادة القانون وصون حقوق المواطنين وضمان أن تكون التشريعات مواكبة لمبادئ الدستور ومصالح المصريين.

وأكد «هلال» أن هذه الخطوة تعكس اهتمام الرئيس بأن تأتى التشريعات متوافقة مع الدستور ومعايير العدالة الاجتماعية، موضحًا أن الملاحظات التى أبداها الرئيس السيسى على بعض المواد، خاصة مطالبته بضرورة مزيد من الضمانات المقررة لحرمة المسكن، وإجراءات الطعن، وضمانات التقاضى، والفصل بين مراحل التحقيق والمحاكمة، وجميعها جاءت دقيقة وتعكس رؤية عميقة تهدف إلى تعزيز ضمانات العدالة الجنائية وحماية حقوق المتقاضين، مشددًا أن معالجة هذه الاعتراضات ستسهم فى إخراج قانون أكثر اتزانًا وتوافقًا مع تطلعات الشعب المصرى فى العدالة الناجزة والمنصفة، وتعزز من كفاءة المنظومة التشريعية وتدعم عملية الإصلاح القانونى، بما يواكب متطلبات الدولة المصرية الحديثة.

كما ثمّن «هلال» المواد المستحدثة التى تضمنها مشروع القانون، التى أشار إليها الرئيس السيسى فى بيانه، لافتًا إلى أنها تمثل نقلة نوعية مهمة، مثل إدخال الوسائل التكنولوجية الحديثة فى الإجراءات، وتبسيط بعض الإجراءات بما يحقق السرعة والفاعلية دون الإخلال بحقوق الدفاع، وهى خطوات تتماشى مع رؤية الدولة فى بناء نظام عدلى متطور وحديث.

واختتم «هلال» حديثه، مؤكدًا أن الجمع بين إعادة النظر فى بعض المواد ومعالجة الاعتراضات من ناحية، والإشادة بالمواد المستحدثة من ناحية أخرى، يعكس رؤية متكاملة وشاملة من القيادة السياسية لتحقيق العدالة وسيادة القانون، وتراعى المصلحة الوطنية وتضع العدالة فوق كل اعتبار، مشددًا على أن هذا النهج، هو الضمان الحقيقى لبناء الجمهورية الجديدة، قوامها العدل والإنصاف وحقوق الانسان.

 
 
 

الاكثر قراءة